إيران وكأس التفاوض المباشر المرة
حسن فحص
التوافق الأميركي الإيراني غير المعلن على استمرار الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا مفتوحة، يكشف عن وجود قناعة لدى الطرفين ومعهما الأطراف الدولية المشاركة في التفاوض على ضرورة التسريع في الوصول إلى نتائج نهائية تعيد إنتاج الاتفاق النووي بحيث يتم تفعيل عمليات التفتيش والمراقبة، وتحدّ من المسار التصاعدي الذي بدأته طهران في عمليات تخصيب اليورانيوم، وتقطع الطريق على اقترابها من العتبة النووية عملياً، بعدما استطاعت من خلال الانتقال إلى خطوة التخصيب بمستوى 60 في المئة الوصول إلى هذه العتبة نظرياً.
الإشارات المتكررة التي أرسلتها الولايات المتحدة عن استعدادها ورغبتها بالتفاوض المباشر مع إيران خلال الشهر الماضي، لم تلقَ رد فعل سلبياً من جانب النظام، بخاصة من قبل المرشد الأعلى الذي أعطى الضوء الأخضر لمثل هذه الخطوة في حال اقتضت الضرورة ذلك، فضلاً عن أن موقف المرشد كان أكثر براغماتية قبل عودة الفريق الجديد إلى طاولة التفاوض، عندما أكد أن النظام لن يهدر أي فرصة للتفاوض من أجل الخروج من العقوبات الاقتصادية الخانقة، بالتزامن مع عمل دؤوب على الحكومة القيام به لفتح قنوات تساعد على التخفيف من آثار هذه العقوبات، وذلك من أجل تخفيف الأثمان السياسية التي ستترتب على النظام عند عودته إلى المفاوضات، المحكومة بحتمية الجلوس مع الأميركي وجهاً لوجه، سواء في إطار السداسية الدولية أو بشكل مباشر وثنائي.
الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حول الإمكانية الجدية للتفاوض مع واشنطن، سواء من خلال عودتها إلى التفاوض الطبيعي في إطار مجموعة “5+1″، أو التفاوض المباشر على هامش هذه المجموعة، يحمل مؤشراً واضحاً إلى التقدم الذي حققته ووصلت إليه مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي بالتعديلات التي وضعها كل طرف على طاولة التفاوض.
إلا أن ما يكشفه عبد اللهيان، ولم يفصح عنه مباشرة، أن الرغبة الأميركية لا تقف عند حدود الأزمة النووية وإعادة إحياء الاتفاق، بل ترتبط مباشرة بالشروط والتفاهمات غير المعلنة التي سهلت عملية العودة إلى طاولة التفاوض، وهي شروط ذات طابع سياسي محض تتعلق في مرحلتها الأولى بالدور الإيراني في منطقة غرب آسيا، بخاصة الشرق الأوسط والعواصم العربية لهذا النفوذ.
محاولة طهران الإمساك بالعصا من الوسط، والسير بين التفاوض النووي والتفاوض السياسي، قد لا يكون يسيراً في المرحلة المقبلة، فالليونة الأميركية في تسهيل عملية التفاوض لن تكون على حساب المسار السياسي المفترض أن يتم عبر التفاوض المباشر، وأن أي رفض إيراني لهذا المسار قد يضع المفاوضات حول العقوبات وإعادة إحياء الاتفاق النووي في مهب الريح، فالربح الإيراني بحده الأدنى المتمثل في إلغاء العقوبات الاقتصادية وإعادة إحياء الاتفاق، لن يكون على حساب الخسارة الأميركية في فتح مسار التفاوض السياسي على مختلف الملفات، بخاصة أن إحدى الضمانات لجدية واشنطن بدخول الشركات الأميركية على خط الاستثمار في الاقتصاد الإيراني لن تكون ممكنة ما لم تتزامن وتتساوق مع التقدم في مسار الحوار السياسي والتأسيس لتطبيع العلاقات مستقبلاً.
المسعى الإيراني للإبقاء على مفاوضات فيينا في مستوى مساعدي وزراء الخارجية والخبراء القانونيين والتقنيين، وتحقيق النتائج المطلوبة، قد لا يكون في مرمى اليد، أو قادراً على إبعاد طهران عن حقيقة تجرّع الكأس المرّة للتفاوض المباشر، لأن احتمال فشل أو انهيار المفاوضات يصبح أكثر إمكانية وأقرب إلى التحقق، وهذه المخاوف هي التي تساعد على فهم كلام عبد اللهيان عندما قال إن “الأمل في أن ننتقل إلى مرحلة التنفيذ من خلال هذا المستوى التفاوضي، وألّا تكون هناك حاجة للقاءات على مستويات عالية، لكننا سنتخذ القرار بأي خطوة بالتناسب مع التقدم في المفاوضات”، ما يعني أن النظام سيكون أمام واحد من خيارين، إما الذهاب إلى التفاوض السياسي، أو المقامرة بكل المسار التفاوضي وإطاحة إمكانية الخروج من العقوبات إذا ما تمسك بسياسة المماطلة في الذهاب إلى خيار التفاوض المباشر مع واشنطن.
وبعيداً من المواقف المعلنة للقيادات الإيرانية التي تنظر إلى المسار السياسي في المفاوضات على أنه محاولة أميركية للعودة إلى الاتفاق النووي من دون تقديم أي تنازل أو دفع أي ثمن من أجل العودة، وأن الضغوط التي تمارسها نتيجة فشل سياسة العقوبات التي وصلت إلى حدها الأعلى، وأن الهدف النهائي لواشنطن هو الانتقال إلى التفاوض حول مسائل غير نووية، بعيداً من هذه الشعارات، يبدو أن السلوك العملي للنظام وأجهزته السياسية والدبلوماسية انتقل عملياً إلى مرحلة الرسائل السياسية ما بعد مفاوضات فيينا، التي قد تؤسس لمسار تفاوضي جديد مع واشنطن، باعتمادها سياسة تفكيك عقد عدد من الملفات، بخاصة على الساحة العراقية والضغوط التي تمارسها على الجماعات المقربة منها لتمرير الاستحقاقات الدستورية بأقل نسبة من العرقلة والتوتر.
ولعل أبرز ما يعبّر عن هذا التوجه الإيراني، الإشارة التي أكدها الوزير عبد اللهيان، إلى أن بلاده تعمل على التواصل والانفتاح على الدول العربية، بخاصة الخليجية، بهدف طمأنتها حول تداعيات الاتفاق النووي، مع إدراك الجانب الإيراني أن الهواجس العربية والخليجية تحديداً لا تقف عند البرنامج النووي الذي سيكون خاضعاً للمراقبة الدولية المباشرة والمشددة، بل ترتبط بنفوذ طهران الذي يثير القلق والمخاوف من آثاره المزعزعة للاستقرار من خلال دعم جماعات في هذه الدول للتأثير في الشأن الداخلي لهذه الدول، ما يعني أن الجانب الإيراني يسعى إلى التخفيف من استحقاقات التفاوض السياسي مع واشنطن إلى الحد الأدنى قبل أن يواجه حقيقة الجلوس مع الأميركي إلى طاولة واحدة وتجرّعه كأس السم المرّة.
نقلا عن “اندبندت عربية”