مقالات
إيران “عنتر” على… الإيرانيين!
موناليزا فريحة
أوقعت طهران بمواطنَيها الصحافي المعارض روح الله زم في بغداد العام الماضي، والناشط حبيب كعب في اسطنبول في تشرين الأول (أكتوبر)، في عمليتين متشابهتين فيهما الكثير من تشويق القصص البوليسية.
في الأولى لجأ “الحرس الثوري” الى شيرين نجفي، وهي شريكة سابقة لروح الله، يُعتقد أن الاستخبارات الايرانية جندتها لاستدراج الصحافي من فرنسا الى العراق قبل خطفه ونقله الى إيران، لينتهي على حبل المشنقة السبت الماضي بعد ادانته بـ”الفساد في الأرض”. وفي الثانية، كانت “صابرين س.”، هي الطعم الذي أقنعه بالسفر من السويد إلى اسطنبول. ومن هناك، تولّى متعاونون مع الاستخبارات الايرانية تقييده وتخديره وتهريبه الى ايران حيث قد يواجه مصير زم نفسه، بعد اتهامه بـ” تدبير هجوم على استعراض عسكري”، عام 2018.
في الواقع، لم يكن روح الله زم ، كما حبيب كعب، الا معارضين سياسيين تمكنا من الافلات من قبضة النظام وارتأيا مواصلة النضال من المنفى بوسائل حضارية تكفلها أنظمة العالم أجمع.
أنشأ روح الله زم قناة “أمد نيوز” التي حظيت بمتابعة أكثر من مليون شخص على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يوقفها تطبيق المراسلات ”تلغرام” عام 2018 بعدما اتهمتها إيران بإطلاق دعوات الى العنف خلال التظاهرات الاحتجاجية. وتزعم حبيب كعب الفرع السويدي من “حركة النضال العربي من أجل تحرير الأحواز”، وهي مجموعة انفصالية عمرها عقود وتدافع عن استقلال الأقلية العربية العرقية في إيران التي يعيش معظمها في الجنوب الغربي الغني بالنفط من البلاد .
لا يختلف روح الله زم وحبيب كعب عن مئات الالاف من الايرانيين الذين استقوى عليهم النظام لأنهم خالفوه الرأي سياسياً أو خرجوا للتظاهر مطالبين بالعيش الكريم ووقف الهدر والاستثمار في البنى التحتية الداخلية، بدل إنفاق الأموال في مغامرات خارجية سعياً وراء أوهام توسعية.
ولم يكن كعب وزم الإيرانيين الوحيدين اللذين تجند طهران مخيلة استخباراتها للإيقاع بهما. ففي تركيا وحدها، كان خطف كعب ثالث عملية من نوعها تتهم بها الحكومة الإيرانية خلال سنوات. فعام 2017، قُتل إعلامي إيراني حُكم عليه بالسجن غيابياً في إيران في إطلاق نار من سيارة مسرعة في اسطنبول، قبل أن يتبين أن مساعداً لمهرب المخدرات ناجي شريفي زندشتي الذي صار عميلاً لطهران، نفّذه.
والعام الماضي، قُتل مسعود مولوي فاردانجاني، المسؤول الدفاعي الإيراني السابق الذي صار معارضاً لحكومته، برصاصة في اسطنبول. وفي حينه، قال مسؤولون أتراك إن ضباطاً في الاستخبارات الإيرانية يعملون في القنصلية الإيرانية في تركيا حرضوا على الإغتيال.
يزداد النظام الإيراني شراسة ضد كل من يتجرأ على مخالفته الرأي، وخصوصاً بعدما بات يواجه موجات احتجاج سنوية. ولعل أرقام الضحايا بعد موجة القمع التي نفذت العام الماضي رداً على التظاهرات التي أطلق شرارتها رفع سعر البنزين، كانت المؤشر الأوضح الى أن الجمهورية الإسلامية تشعر بتهديد وجودي.
لكنّ طهران التي “تتعنتر” على مواطنيها لدرء التهديد، تعجز عن حماية ساحاتها من استباحة الموساد الذي اخترقها مرتين في ثلاثة أشهر، ليصفي في المرة الأولى أبو محمد المصري، الرجل الثاني في “القاعدة” الذي كان يعيش في حماية النظام، وفي الثانية عالماً نووياً يُعد أبا القنبلة الموعودة لطهران. ومهما حاول “الحرس الثوري” تغيير سيناريوات تصفية محسن فخري زاده، فلن يقلل تعقيد العملية من مسؤوليته في الاختراق الفاضح الذي أدى إلى اغتيال شخصية بهذا الحجم في وضح النهار.
ولم ينس العالم بعد سحب الموساد في تموز (يوليو) 2018 نصف طن من ملف الارشيف النووي الايراني من إحدى ضواحي طهران، في عملية فضحت نظاماً ينفق الملايين على تمويل ميليشيات على مساحات دول، ويعجز عن حماية أسراره. وفي تفاصيل نشرت للمرة الأولى بعد اغتيال فخري زاده، يصف الصحافي رونيت بيرغمان في صحيفة “يديعوت أحرونوت” كيف سرق الموساد من تحت أعين حراس وزارة الدفاع أرشيف المشروع النووي العسكري السري الذي كان مخبأ في مستودع تجهل الغالبية العظمى من الايرانيين محتوياته.
وروى في مقاله أن الاستخبارات الاسرائيلية بنت في إحدى المنشآت الأمنية الأكثر حراسة في شمال تل أبيب، نسخة عن المخزن الذي كان فيه الارشيف في ضواحي طهران، بما في ذلك الشوارع المجاورة، وجلبت الى المكان كلاباً تشبه كلاب الحراسة الايرانية. وتدرب عملاء اسرائيليون طوال أشهر على كيفية التمكن من الدخول والاقتحام والخروج مع الملفات، والفرار من ايران. تؤذن الاختراقات الامنية لايران بتفاقم الانقسامات الداخلية داخل الطبقة الحاكمة التي كشفتها أصلاً عملية اغتيال فخري زاده. ولن يكون إعدام روح الله زاده ولا التهديد بالثأر للعلماء كفيلين باعادة الهيبة لنظام يرشق العالم بالصواريخ فيما “بيته” من زجاج.
* نقلا عن “النهار العربي”