إيران.. علاقات تاريخية من الشكوك والتوتر (2)
حمد العامر
نتابع مقال الأسبوع قبل الماضي الذي شاءت بعض الأحداث والتطورات المهمة من تأجيل بقية المقال. ونبدأ الجزء الثاني بالحديث عن القلق والتوتر الدائم في الخليج والحالة التي يمر بها منذ استقلال دوله في السبعينيات وذلك بتسليط مزيد من الأضواء على حقيقة ما يجري على الساحة الخليجية الإيرانية ودور إيران في تصعيد الأزمات والتوتر في المنطقة والتوقعات الجديدة بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية الذي يعتبر إنجازًا في التاريخ الدبلوماسي إذا صدقت إيران وتم إنهاء حال عدم الثقة والتوتر والقلق بعد استقرار العلاقات بين البلدين التي قطعت عام 2016. من ناحية أخرى ستكون الفرصة الأخير لإيران لإثبات نواياها ورغبتها أن تكون دولة لها دور إيجابي في أمن واستقر المنطقة وانهاء خططها التوسعية بنشر مبادئ الخميني وتشيع العالم خاصة بعد صفقة تبادل الأسرى الأمريكيين واستلامها -حسب ما تناقلته وكالات الانباء- حوالي 6 مليارات دولار مما قد يُغَير مسار سياستها الخارجية وتوقفها عن التدخل في الشؤون الداخلية وغيرها من التحركات والتصرفات والتصريحات غير المسؤولة، وانتقالها الى مرحلة التفاهم مع جيرانها والبحث عن حلول لمشاكل المنطقة خاصة ملف احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث.
أعتقد أنه قد حان الأوان أن تتخلى ايران عن ما يمكن تسميته بسياسة (التُقية) وأن تضع النقاط على الحروف وتنهي كل القضايا العالقة والتناقضات التي تجري على الساحة الإقليمية بينها وبين دول المجلس وتصحيح الصورة السلبية المتبادلة بين الجانبين من أجل تحقيق تقدم تاريخي لبناء علاقات صداقة مبنية على أسس متينة وضمان عدم تآمرها لمصلحة تمددها تحت مظلة مبادئ الخميني.
إلا أن الواقع الذي نعيشه الآن وجود تناقضات مختلفة يمكننا تلخيصها في ما يلي:
أولاً: موقف ايران من تغذية الفوضى وأعمال الإرهاب وعدم الاستقرار في دول المجلس ولبنان والعراق وغزة واليمن، وما أدى اليه ذلك من شعور لدى دول المجلس منذ وقت طويل بالقلق حيال هذه التهديدات المباشرة والهجمات التي يشنها العملاء الإيرانيون في الداخل والخارج ضد المنشآت والمرافق الحيوية النفطية والمطارات ودعم الأقلية المعارضة الخليجية في الداخل والخارج.
ثانيًا: تنظر ايران الى دول مجلس التعاون بأنها دول معادية متحالفة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لضرب وتخريب برنامجها النووي الذي تعتبره صمام الأمان لسيادتها واستمرارها كدولة مهمة ومؤثرة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. وهي خطوة -كما أعتقد- سوف تفتح السباق النووي في منطقة الخليج العربي التي ذكرها صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد السعودي في مقابلته الأخيرة مع شبكة (فوكس) الامريكية.
ثالثًا: الى جانب اتهام ايران بتخريب إسرائيل لبرنامجها النووي، فهي تتهم السعودية بأنها تقوم بدعم وتمويل مظاهرات الشارع الإيراني ضد الأوضاع الاقتصادية المتردية ومجموعات المعارضة الإثنية في كردستان وبلوشستان وغيرها من المناطق والولايات المضطربة للتحرك والثورة ضد النظام إضافة إلى دعمها الى وسائل الإعلام الإيرانية المعارضة في الخارج.
أمام تلك المعطيات كان لابد من التحرك نحو بناء السلام والأمن في المنطقة لحماية إنجازاتها، لذلك أدركت السعودية أن عليها أن تضع مصالحها فوق كل الاعتبارات وتنهى مشاكلها المحيطة بها خاصة في اليمن، بعد أن وصلت إلى قناعة بأمرين هما:
1- لا تسير السياسة الضبابية الامريكية في المنطقة بالطريقة التي تحقق مصالح السعودية وتعزز أمنها واستقرارها أمام هذا الكم الهائل من التغييرات الداخلية وإعادة بناء الدولة السعودية الجديدة على أسس تواكب العصر والتطورات الإيجابية التي تمر بها المملكة على كل الأصعدة.
2- انكشاف الغطاء الأمني الأمريكي في المنطقة نتيجة سياسة التوجه شرقًا الى الصين وتغاضي المجتمع الدولي عن عقاب ايران بسبب أعمال العنف والإرهاب الى تديرها وتدعمها في المنطقة، فأصبحت تصول وتجول بعد تمكنها من إقناع الولايات المتحدة باتفاق ثنائي يحقق حصولها على المال نظير الإفراج عن عدد من المواطنين الأمريكيين على الرغم من خرق طهران للاتفاق النووي الذي يعتبر تهديدًا ليس لدول العالم وإنما للعالم بأسره. لذلك يبقى من الضروري وجود «تهديد عسكري جاد» لمنع وردع إيران من الحصول على أسلحة نووية.
أعتقد أن الاتفاقية الأمنية والاقتصادية التي وقعت بين البحرين والولايات المتحدة مؤخرًا، ستكون منطلقًا نحو تغيير استراتيجي أمني للولايات المتحدة في هذه المنطقة المهمة بسبب ثرواتها النفطية وتحكمها في ممرات التجارة الدولية التي تربط موانئ الخليج العربي بخطوط الملاحة البحرية في أعالي البحار، خاصة إذا تم توقيع الولايات المتخذة لاتفاق مماثل مع السعودية في إطار التحركات الامريكية الجديدة التي تضع دول مجلس التعاون بكياناتها الحالية في قلب الاستراتيجية الأمنية وأساسًا للشرق الأوسط الجديد بالتعاون مع إسرائيل، وتنظيفه من التدخلات الإيرانية خاصة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغزة واستعادة هذه الدول لدورها الإيجابي ومساهمتها في أمن واستقرار الشرق الأوسط الجديد وتأمين الحياة الكريمة لشعوبها بعد القضاء النهائي على الأحزاب والمجموعات الإرهابية وخلاياها النائمة في دول المنطقة.
إن كان للوساطة الصينية أساس والعراقية شكل من دور مهم في تهدئة الأوضاع بين أهم دولتين في منطقة الخليج العربي، والتقارب الذي أدى الى عودة العلاقات الدبلوماسية والسفراء بين البلدين، إلا أن ذلك لا يعنى انتهاء الأطماع الإيرانية التي أعتقد -وأرجو أن أكون مخطئًا- أبقتها على «الرف» لفترة حتى تضمن فك عزلتها السياسية والاقتصادية وحصولها على المليارات لتمويل برنامجها النووي وتفعيله في القريب العاجل ودعم أذرعها الإرهابية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، التي لم تقبل الولايات المتحدة طلبها أن تكون دولاً مراقبة في اجتماعات 6+1 التي -وعلى ما يبدو- لم تعد موجودة إلا عند الحاجة بعد الاتفاق الثنائي الأمريكي الإيراني الأخير.
ومع كل ذلك، تعيش منطقة الخليج العربي حالة من التناقضات السياسية والأمنية كما قلت، وتحتاج فعلاً إلى مراجعة جادة وتقييمًا مسؤولاً يساعد على وضع استراتيجيات خليجية جماعية لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها والتي لم يعد من الممكن أن تبقى في خاصرة الأمن الخليجي وتحركها أياد خفية معروفة تعمل على استغلالها بما يحقق مصالحها، وليس أبلغ دليل على هذا التناقض في المشهد السياسي على مسرح الأحداث في المنطقة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن عندما قال: «إن طرد إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين يلعبون دورًا حيويًا في دفع أعمال المراقبة للوكالة، يظهر أن طهران غير مهتمة بلعب دور مسؤول في قضيتها النووية». ويتابع تصريحاته: «لقد حاولنا مع شركائنا الأوروبيين وحتى مع روسيا والصين التفاعل بشكل غير مباشر مع إيران للعودة مجددًا الى التزاماتها في الاتفاق النووي، لكن طهران لم ترغب في القيام بمثل هذا الشيء»… ولا تعليق بعد تلك التصريحات.