إسرائيل تغير نمط الحرب ضد إيران و”حزب الله”
هدى رؤوف
ربما حينما أعلنت إيران عن وحدة الساحات ضد إسرائيل لم تتخيل أن تتبع تل أبيب ذات المبدأ، لكن في الاتجاه المعاكس، أي شن الحرب في أكثر من ساحة في الوقت ذاته.
لقد اعتادت كل من إسرائيل وإيران التصدي لمصلحة كل منهما من خلال ما عرف بحرب الظل والتي اتخذت أشكالاً عدة، منها حرب البحار والحرب السيبرانية، لكن تل أبيب تفوقت بتنفيذ عمليات اختراق استخباراتي وأمني في داخل إيران، ومن ذلك سرقة الأرشيف النووي واغتيال العالم النووي محسن فخرى زاده، وصولاً إلى استجواب أحد ضباط الحرس الثوري على الأراضي الإيرانية، ثم عملية اغتيال إسماعيل هنية داخل إيران التي تمت بناء على عملية رصد ومتابعة، كما أغارت قوات إسرائيل الخاصة على منشأة أسلحة إيرانية في منطقة مصياف داخل سوريا، واختطفت اثنين من العناصر الإيرانية.
كل ما سبق من عمليات نفذتها إسرائيل، ومنها ما اعتبر انتهاكاً لسيادة الأراضي الإيرانية، لكنها جميعاً تؤكد تكرار الاختراق الاستخباراتي والأمني الذي تعانيه طهران.
ويأتي في السياق ذاته ما يعرف حديثاً بعملية تفجيرات الـ “بيجر” التي استهدفت عناصر “حزب الله” في لبنان وسوريا، حيث نفذت إسرائيل عمليتها ضد الحزب الثلاثاء الماضي بإخفاء مواد متفجرة داخل دفعة جديدة من أجهزة النداء المصنوعة في تايوان، والتي استوردت إلى لبنان، زرعت المادة المتفجرة بجوار البطارية في كل جهاز.
كما ضمن مفتاحاً يمكن تشغيله عن بعد لتفجير المتفجرات، وكان “حزب الله” قد قام بتوزيع أجهزة النداء على أعضائه في جميع أنحاء لبنان ووصل بعضها إلى حلفائه في إيران وسوريا.
العملية التي أدت إلى نحو 37 قتيلاً وقرابة 3 آلاف مصاب على مدار يومين تدخل في إطار العمل الاستخباراتي، وتوضح أهمية دور المعلومات الاستخباراتية ومن ثم الاختراق الاستخباراتي ليس لـ “حزب الله” فقط بل ولإيران، فقد وُردت أجهزة الـ “بيجر” واللاسلكي المعروفة بـ “ووكي توكي” من خلال شركة تم التعاقد معها ليتضح أنها مملوكة للـ “موساد” الإسرائيلي، وتم تصنيع الـ “بيجر” محتوياً على مادة فُجرت بواسطة رسالة وأدت إلى تلك الخسائر حتى الآن.
الاختراق ليس فقط في تضليل “حزب الله” أو إيران في حال إذا كانت هي من تعاقدت للشراء، وإنما في حصول إسرائيل على معلومات حول حاجة الحزب إلى شراء الـ “بيجر” وتوقيت التعاقد، فالتفجيرات الأخيرة تضيف لحلقات الفشل الإيراني أمام التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي.
وفي حين تكثر التكهنات حول هدف العملية الإسرائيلية، وهل من الممكن أن تكون مقدماً لحرب إسرائيلية شاملة ضد “حزب الله”، أوضحت حكومة نتنياهو قبل ساعات من هجوم جهاز النداء أو الـ “بيجر” أن أهداف الحرب الإسرائيلية ستتوسع لتشمل عودة عشرات آلاف السكان لمنازلهم في شمال إسرائيل، والتي فروا منها بسبب إطلاق الصواريخ المستمر من الحزب، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال العمل العسكري.
وقد أصدر “حزب الله” بياناً أكد فيه أن المقاومة ستواصل اليوم، مثل أي يوم آخر، عملياتها لدعم غزة وشعبها ومقاومتها، وهو مسار منفصل عن العقوبة القاسية التي يجب أن ينتظرها العدو الإجرامي رداً على تفجيرات الثلاثاء الماضي.
إن تقييد رد الفعل الإيراني بسبب تجنب حرب أوسع قد يستغلها نتنياهو في توجيه هجمات قاسية ضد أهداف حيوية إيرانية يجعل لإسرائيل حرية التصرف في المواجهة، في حين تزداد إخفاقات طهران في إعادة بناء قدرات الردع لديها أمام تل أبيب، ومن ثم فإن قام “حزب الله” بالرد بأي هجوم انتقامي على مدن إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين، سيمنح إسرائيل ذريعة لمواصلة هدفها المتمثل في تدمير الحزب ومعاقبة إيران معه.
في الغالب كانت العملية الإسرائيلية تستهدف إضعاف “حزب الله” للموافقة على حل دبلوماسي لتجنب الحرب، وليس كمقدمة لهجوم إسرائيلي، لكن يظل التركيز الرئيس لإسرائيل على تسهيل العودة الآمنة لنحو 100 ألف إسرائيلي نزحوا بسبب هجمات “حزب الله” على مدار أكثر من 11 شهراً.
لكن ربما يكون إلى جانب تلك الأسباب سبب يتعلق بالسياسة الداخلية في إسرائيل، خصوصاً أن تقارير أفادت منذ ثلاثة أيام بنية نتنياهو عزل وزير الدفاع غالانت بضغط من شركائه في اليمين الإسرائيلي، لكن بعد نجاح عملية الـ “بيجر” والتي أعطت وزناً أكبر لوزارة الدفاع فلا يمكن لنتنياهو عزل غالانت بعد أن ألحق بـ “حزب الله” الخسائر.
لقد غيرت إسرائيل في كل العمليات الأخيرة ضد إيران و”حزب الله” من نمط المواجهة، ومن المرجح أن تعلن تل أبيب لمحور إيران أنها قادرة على توجيه هجمات على نطاق واسع، وذلك لخلق الردع من دون خلق حرب عسكرية شاملة، والسؤال هنا هل ستغير هذه التطورات التي تشمل كذلك هجمات الحوثيين في داخل إسرائيل معادلات الحرب في المستقبل؟
ربما كانت التفجيرات وسيلة لإضعاف قدرة “حزب الله” على الدفاع عن نفسه ضد الحرب التي توشك إسرائيل على شنها، والمؤكد أن العمليات الأخيرة عززت سمعة الـ “موساد” كجهاز استخباراتي، كما ستدفع “حزب الله” والميليشيات الأخرى لأن تكون أكثر حذراً في شأن أساليب عملهم واتصالاتهم، كما سببت أضراراً جسيمة لقدرة الحزب على التواصل مع أعضائه وتنسيق أية عمليات عسكرية.
ومن المؤكد أيضاً أن العمليات الأمنية والاستخباراتية التي نفذتها إسرائيل ضد إيران و”حزب الله” أصابتهم على المستويين العملياتي والأخلاقي.
نقلا عن اندبندنت عربية