مقالات
آزادي انتخاب!!
محمد الرميحي
ليس هناك خطأ في العنوان فـ “آزادي انتخاب” بالفارسية تعني “حق الانتخاب”، ولأن المفردات العربية والفارسية متداخلة تظهر مفردة انتخاب، وفي بعض الأوقات تتداخل مع مفردة “الاختيار”، والفرق العملي واضح بينهما. الطريقة الانتخابية الإيرانية ليست جديدة على تاريخ البشرية وممارساتها، وبخاصة في العقود الماضية، وبالأخص في العالم الثالث، وتتسمى تلك الطريقة “الديموقراطية بالإنهاك”. وتختلف تطبيقاتها من مجتمع الى آخر، ولكنها تؤدي الى النتيجة نفسها، أي (إنهاك المجتمع بالعملية نفسها) حتى، إما يكفر بها تماماً أو يعتبرها عبثية ولا يهتم بنتائجها وينظر اليها على أنها تحصيل حاصل.
تقدم خمسة وخمسون إيرانياً وإيرانية بأوراقهم للترشح لرئاسة الجمهورية المقبلة التي ستجرى يوم الجمعة في 18 من الشهر الجاري، وكتب في مصادر أخرى أن الرقم أعلى من ذلك، قُبل منهم (للنظر) في أحقية التشريح من خلال “مجلس صيانة الدستور”، وهو جسم سياسي (غير منتخب)، أربعة وأربعون شخصاً، وانتهت الحسبة والغربلة في ذلك المجلس بتأهيل سبعة مرشحين فقط للنزول والتنافس العام، في السياق هناك (اختيار) مخلوط بالقليل من (الانتخاب) في كامل العملية.
ليس جديداً على المتابع أن يعرف أن هناك (دولة عميقة في إيران) تدير المسرح بكامله، للمترددين والمشككين ظهرت الفكرة بوضوح حول الدولة العميقة من خلال تسريبات السيد محمد جواد ظريف الأخيرة، وهي لم تكن بخافية، وتحدث فيها بشكل غير علني (في الملتقيات الأكاديمية) عدد من دارسي السياسية الإيرانية من الإيرانيين أنفسهم. مثل أي قضية أخرى يرى بعضهم أن ذلك (ديموقراطية) من نوع ما، وحتى يزيد على المناقشة علة أخرى يقول إنها حتى بشكلها الرديء (مفقودة) تماماً في بلدان أخرى، فهناك من يتم ترشيحه لأعلى المناصب مفرداً و أو لا (شريك له) كما يحدث في بعض البلاد، وهو الأمر الذي تفاداه النظام السوري أخيراً وتم ترشيح ثلاثة أشخاص، ولكن (الشعب) قرر انتخاب السيد بشار الأسد بأغلبية ليست كبيرة. فقط 95% والذي وصفته مجلة “التايمز” على غلافها بأنه “وحش العصر”، وهكذا نجد أن تنفيذ “الديموقراطية بالإكراه” أو بالأحرى “تكريه فكرة الديموقراطية” لدى الجماهير، وهي أصلاً فكرة (غربية) وغير عملية في أوساط مجتمعات تحب وتقدس “الزعامات الملهمة!” ومن لا يريد أن يقتنع فعليه “تبليط البحر”!
هل ينتظر أن تتغير سياسات إيران في الإقليم والعالم بعد الانتخابات، كما تتغير مثلاً بين حكم المحافظين في بريطانيا وحكم العمال! أو بين الجمهوريين والديموقراطيين في الولايات المتحدة؟ الجواب المنطقي لا، فالدولة العميقة في إيران لن تتغير، فبعض قيادات العسكر الشعبي وقليل من المحيطين بالمرشد هم من يرسمون السياسة العامة للدولة، وأي رئيس جمهورية ووزرائه لن يغيروا من ذلك في شيء، والأفضل أن يكونوا من الفصيل نفسه من أجل (مواجهة التحديات التي تواجه النظام). لذلك فإن العالم لا ينتظر تغيير نتيجة الانتخابات القادمة، بل ما ظهر حتى الآن أن السياسات تتجه الى المكان الأكثر تشدداً، فحتى بعض من يمكن أن يحسبوا على جناح (التشدد الأخف) شُطبت أسماؤهم وأخذوا جائزة ترضية من المرشد، وهي شكرهم على عدم احتجاجهم على قرار إبعادهم، وربما كان الأفضل لموقفهم السياسي المستقبلي أن يرسلوا برقيات شكر للقيادة الرشيدة على (حكمتها في استبعادهم).
لعل هؤلاء، ومن خلفهم النخب الإيرانية المستنيرة، وهي شرائح واسعة تستطيع الآن أن تقتنع على الأقل بينها وبين نفسها بأن اللعبة التي شاركوا فيها هي لا أكثر من (لعبة عبثية) ويعتمد بقاؤهم في السلطة أو حولها على رضا أو غضب مجموعة صغيرة (مرة أخرى غير منتخبة) فتقرر هي لا غيرها مستقبل أولئك الأفراد، بصرف النظر عن الخدمة أو التضحية التي قدموها للنظام.
طبعاً النظام الدستوري على مقلب آخر في سوريا. لا يسمح بعد التعديل الأخير أن يرشح بشار الأسد نفسه بعد دورتين، ولكن بحسب المعطيات المتوافرة، فإن تعديل الدستور وتغييره أسهل كثيراً من تغيير الرئيس! وهناك سوابق لدى الحلفاء للنظام السوري أنه كلما اقترب موعد السقف الأعلى لفترة الحكم تم تغيير نص الدستور للاحتفاظ بالأهم وهو (شخص الرئيس)! فكرة أن تكون (الانتخابات العامة) تنافسية حرة ونزيهة وشفافة ومتاحة لكل أبناء الشعب الذين تنطبق عليهم الشروط العامة في المواطنة تم اليوم تطويعها على أن تكون (انتخابات) فقط، فالمواطن (المفروض غير الرشيد) يقرر له أن ينتخب ومتى وبأي نسبة، والباقي نحن (في السلطة الدائمة) نقرره. وهكذا تخاض الحروب وتتفاقم الصراعات وتستهلك الموارد، ويبقى الناس في جهل ومرض، بل حتى في جوع بسبب هذا الاكتشاف الرائع (الديموقراطية بالإنهاك)! وكل “آزادي انتخاب” وأنتم بخير!
* نقلا عن “النهار”