أهم الأخبارمقالات

إيران وتقديم الإغراءات لإدارة ترمب

يروج عراقجي أن طهران تتفق ورؤية الرئيس الأميركي في التوصل إلى اتفاق مختلف عن ذلك الموقع عام 2015 الذي لم يعد مناسباً

 

هدى رؤوف

اعتادت العلاقات بين واشنطن وطهران أن تستخدم الإدارات الأميركية سياسة العصا والجزرة في التعامل مع النظام الإيراني الحالي، عبر التهديد باللجوء إلى القوة العسكرية وأحياناً عبر العقوبات في المجالات المختلفة، لكنهم اعتادوا أيضاً تقديم حوافز لها لتشجيعها على التفاوض واتباع سلوك إقليمي أقل حدة، هذا ما تتسم به العلاقات بين المهيمن العالمي والقوة الإقليمية، لكن هذه الفترة نجد أن إيران تقوم بتقديم الحوافز والإغراءات لإدارة دونالد ترمب الحالية.

من المقرر أن تعقد جولة ثالثة من المفاوضات الإيرانية- الأميركية بعد غدٍ السبت في مسقط عاصمة سلطنة عمان، وستعقد المحادثات الفنية أولاً على مستوى الخبراء وستُقدم النتائج إلى ممثلي إيران والولايات المتحدة.

إن خوض جولة ثالثة من المفاوضات في مدى زمني قصير جداً يشير إلى سلاسة المحادثات والتفاهمات بين الجانبين، ويؤشر على رغبة قوية لديهما في الوصول إلى اتفاق، أو بمعنى أدق حل للمسألة النووية الإيرانية قبيل يونيو (حزيران) المقبل.

وفي حين أعطت تلك المحادثات مؤشراً إلى رغبة دونالد ترمب في التفاهم مع إيران على اعتبار أن الملف النووي هو الأكثر احتمالاً لإنجازه مقارنة بالحرب في غزة وأوكرانيا، لكن من جانب آخر أرسلت تلك المحادثات إشارة سلبية في ما يخص الطرف الأوروبي، فالجولة السابقة من المحادثات عقدت في إيطاليا الدولة الأوروبية التي لم تكُن ضمن الموقعين على الاتفاق.

وكان استبعاد دول “الترويكا” الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا انعكاساً لتوتر علاقة ترمب مع الطرف الأوروبي واستبعاده وعدم التعامل معه باعتباره شريكاً على الساحة الدولية، كما يعتقد ترمب بأن الاتفاق يجب أن يكون ثنائياً بينه وإيران ويبدو كأنه تخلى عن اتفاق 2015 الذي كان الأوروبيون شركاء فيه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عكس اختيار روما محاولة إيرانية للاستهانة بالأوروبيين على اعتبار أنهم لا يمثلون ثقلاً حقيقياً في ما يخص الاتفاق النووي، إذ خاب أمل إيران حينما انسحب ترمب من الاتفاق ولم يتمكن الأوروبيون من تعويض طهران عن الخسائر الاقتصادية أو إقناع ترمب بالعودة للاتفاق، بل سحب الأوروبيون استثماراتهم من إيران، لكن تظل أهمية الطرف الأوروبي لوجود آلية “سناب باك” أو آلية العودة السريعة للعقوبات.

ومع المحادثات بدأت تتجلى نقاط الخلاف والتوافق بين واشنطن وطهران، فخرج تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ليشير إلى حق إيران في امتلاك الطاقة النووية ولكن ليس التخصيب واستيراد اليورانيوم المخصب من دول أخرى، وترفض إيران ذلك المقترح، فتريد الاحتفاظ بحق التخصيب بنسبة أقل من 60 في المئة، كما أعلنت رفضها التخلص من مخزون اليورانيوم المخصب لديها بنسبة 60 في المئة لروسيا على غرار ما حدث عام 2015 وتعتبر أن المخزون الموجود لديها يمثل ورقة ضغط في ما بعد لمواجهة المجتمع الدولي، إذا ما جرى الانسحاب مرة أخرى من الاتفاق المحتمل مع واشنطن.

الجديد في الموقف الإيراني أيضاً يدور حول مقاربة طهران تجاه واشنطن، بحيث تعمل على تقديم الإغراءات لترمب، فعبر محاولتها طرح فكرة التعاون النووي والعلمي مع واشنطن، تريد طهران تأمين مصالحها وعوائدها من الاتفاق عبر ربط منافعه بالاستثمارات الأميركية، وطرح عراقجي على الطاولة إمكان التعاون النووي ومن ناحية أخرى، أثار مع الجانب الأميركي مسألة فرصة السوق الإيرانية للتعاون الاقتصادي، فعُرضت الفرص الاستثمارية المتاحة أمام واشنطن التي تبلغ قيمتها تريليون دولار يمكن توفيرها ويمكن للشركات الأميركية أن تستغلها، لذا ستركز إيران في المحادثات على أنه يجب رفع العقوبات حتى يتمكن المستثمرون من التأكد من أنهم لن يواجهوا أية مشكلات من الحكومة الأميركية، ولذلك، فإن جزءاً كبيراً من العقوبات يمكن حله بأمر رئاسي أميركي، يفتح الطريق أمام وجود المستثمرين الأميركيين.

إيران تريد الآن اتفاقاً جديداً يعالج مخاوف الأطراف جميعها ويضمن المصالح الاقتصادية في الوقت ذاته وعدم عودة العقوبات، من هنا يروج عراقجي أن طهران تتفق ورؤية ترمب في التوصل إلى اتفاق مختلف عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي لم يعُد مناسباً.

ربما يكون عراقجي محقاً في أن الاتفاق النووي لعام 2015 جرى تجاوزه، فبانسحاب ترمب عام 2018 وتحجج إيران لعدم الامتثال لالتزاماتها، ظهر واقع نووي جديد، فراكمت اليورانيوم المخصب بنسبة تتجاوز 60 في المئة واتسم برنامجها النووي بالغموض على مدى عامين، مما تعتبره طهران نقطة قوة لديها، في الوقت نفسه تريد أن تتجنب مصيرها الذي عانته في أعقاب انسحاب ترمب، إذ فرضت العقوبات عليها وتدهور الوضع الاقتصادي وهربت الاستثمارات الأوروبية والصينية ولم تُعوض.

تريد إيران اتفاقاً جديداً على مستوى المطالب والمفاوضات والضمانات التي تحصل عليها. وبالنسبة إليها تريد أي اتفاق قد يتم التوصل إليه أن يرتكز على حماية المصالح الاقتصادية الإيرانية، إلى جانب برنامج قوي للرصد والتحقق يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني. وتريد مفاوضات تركز فقط على رفع العقوبات والقضية النووية، وتقول إنها لن تتفاوض أبداً على أمنها، لكنها في المقابل تعرض على واشنطن التعاون بينهما وأن التداخل في ما بين مصالحهما في المنطقة يمكن أن يجعل التفاهم بينهما أفضل من أجل خفض كلف الدخول الأميركي في المنطقة.

طهران تريد صفقة مع ترمب تمنح واشنطن دخولاً أقل قوة في المنطقة مع الحفاظ على المصالح الأميركية اعتماداً على الدور الإيراني في حل المشكلات بالشرق الأوسط ومنها التأثير في الحوثيين لوقف هجماتهم.

لذا قد يبدو التصور الإيراني طموحاً في ما يعرضه على الطرف الأميركي، مما يطرح تساؤلاً هل تترك إسرائيل إيران لتكتسب تلك المساحة من التفاهم مع واشنطن، وهل ستدعم روسيا تحسن العلاقات بين طهران وواشنطن وهي التي كثيراً ما استخدمت إيران كورقة تناوئ المصالح الأميركية في المنطقة؟

كلها استفسارات ستجري الإجابة عنها خلال المحادثات ونتائجها وشكل الاتفاق وموقف الأطراف الإقليمية والدولية منه.

نقلاً عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى