لبنان “الإيراني” محكوم بحرب تدمير لا تحرير
رفيق خوري
خلال لقاء لأعوام خلت مع مسؤول مخضرم ومهم في “حزب الله” قال الرجل بصراحة، “لسنا وكلاء لإيران، نحن إيران”، ومن الطبيعي أن تتصرف الجمهورية الإسلامية على أساس أن لبنان هو المقاومة الإسلامية، و”لولاها لما بقي ولما كان له دور في المنطقة والعالم”.
وليس من المفاجآت أن يضرب بالدبلوماسية عرض الحائط زائرا بيروت الأخيران وزير الخارجية عباس عراقجي ورئيس مجلس الشوري محمد باقر قاليباف ليسمع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ما على لبنان الرسمي فعله لدعم المقاومة واشتراط موافقتها على أي قرار، ولا حتى إعلان الرغبة في تولي التفاوض عن لبنان على وقف النار وتطبيق القرار 1701، لا بل قول قاليباف “إن المرشد والمسؤولين والشعب الإيراني هم الركيزة الأساسية للشعب اللبناني”، والمفاجأة هي إعلان الرئيس ميقاتي، بعدما صارت السلطة “ملحقة” بالمقاومة، الاعتراض على “التدخل الناضج” في أمور لبنان.
وكالعادة أثنى بعضهم على الموقف ولو جاء متأخراً، وسأل الآخر عن التدخل الأميركي والفرنسي والبريطاني والخليجي، ولا يبدل في الأمر كون بيروت في حاجة إلى الأدوار الأميركية والأوروبية والعربية إلى جانب الصينية والروسية، وكون إيران في حاجة إلى دورها في لبنان، وكون فريق لبناني يرى إيران “قوة داخلية” لا خارجية، وفريق آخر يؤمن بحاجة لبنان إلى الغرب والعرب.
ولا جدال في الموقف من العدو الإسرائيلي وكون مقاومة الاحتلال ومواجهة العدوان واجباً وطنياً لبنانياً، بصرف النظر عن التكليف الصادر عن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بالقول، “قاوموا واصمدوا”.
صحيح أن حرب “الإسناد” لحركة “حماس” في غزة كانت بقرار من “حزب الله” وبالطبع من إيران، وأن العدوان الكبير في حرب مفتوحة جاء بقرار من حكومة تتنياهو. لكن الصحيح أيضاً أن الواجب الوطني في المواجهة يقابله حق وطني في النقاش السياسي، ولو تحت القصف الذي لا يهدأ.
فالمقاومة ليست مشروعاً خاصاً مستقلاً عن البلد وظروفه حتى في الميدان، وهي جزء من مشروع سياسي لما بعد المواجهة، مشروع سياسي ضمن بناء جيوسياسي واستراتيجي مركزه طهران.
ولولا هذا المشروع لما عملت إيران على تأسيس فصائل مسلحة أيديولوجية في العراق وسوريا ولبنان ودعمت الحوثيين في اليمن و”حماس” و”الجهاد” في غزة. فلا تحرير فلسطين هو كل المشروع بل مرحلة على الطريق إليه، ولا “محور المقاومة” الذي اعتبر عباس عراقجي أنه “يمثل أهم مكوّن لقوة الجمهورية الإسلامية” تنحصر مهماته في مقاومة إسرائيل وأميركا.
وها هو لبنان عبر “حزب الله” في حرب كاملة الأوصاف مع العدو الإسرائيلي. لكن “وحدة الساحات” ليست فاعلة كما يجب في مساندة “حزب الله”، وقائدة “محور المقاومة” وصاحبة استراتيجية “وحدة الساحات”، أي إيران ليست منضوية مباشرة في الحرب إلى جانب أقوى أذرعها ودرة التاج في ديوانها.
كأن المطلوب من “حزب الله” تقديم التضحيات التي هي أصلاً جزء من عقيدته، ومن لبنان واللبنانيين، لا سيما “البيئة الحاضنة” للمقاومة تحمل المعاناة والنزوح والعذاب والدمار والغارات التي لا تتوقف على كل مناطق البلد.
حتى الضرورة الملحة لانتخاب رئيس جمهورية بعد عامين من الشغور فإنها ليست على جدول الأعمال، لا بل إن فريق المقاومة يتصرف كأن الانتخاب “مؤامرة” من العدو بين أهدافها ارتخاء قبضة المقاومة الإسلامية على لبنان، وكأن الشغور ليس خطة سياسية، لا مجرد استعصاء بسبب الخلافات بين الأطراف.
والواقع أن لبنان رهينة مشروع حرب دائمة لا قدرة له عليها ولا على البقاء في ظلها كبلد. شيء من إلغاء لبنان الذي صار “قديماً” بحجة الدفاع عنه، وشيء من وضع “الشعب والجيش” على الهامش لمصلحة “المقاومة” التي هي الضلع الثالث في المعادلة بحجة أن الجيش عاجز عن حماية لبنان. لكن سلاح المقاومة على أهميته واقتدار حامليه عجز عن الحماية، وإن استطاع إيذاء إسرائيل.
فما الفائدة من تبادل الإيذاء بين “حزب الله” وإسرائيل إذا لم يكُن هناك تقدم على الأرض في اتجاه تحرير فلسطين؟ ماذا يفيد فلسطين وقضيتها أن يصبح لبنان مدمراً مثل غزة؟ وأي حرب هي التي يكون المطلب الأول فيها وقف النار ثم تطبيق القرار الدولي 1701 أو فرض قرار آخر في أرض محروقة؟.
الأخطر هو مشروع إسرائيل، فالقائد السابق للاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يادلين يدعو إلى “تحديث أهداف الحرب”، وسأل قبل بدء الحرب الكاملة، “هل على إسرائيل التمسك بهدف إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم أم المضي نحو هدف أكثر طموحاً يتمثل في إسقاط ’حزب الله‘ وتهشيم الحلقة النارية التي حاصرتنا إيران بها، ثم ضرب الخلية التي تدير هذا من دمشق، والتفكير في ضرب نظام الأسد وتخييره بين الاستمرار في خدمة الإيرانيين وبين تعريض بقائه للخطر؟”.
والعالم بين متفرج عاجز عن وقف الحرب والتأثير في الصراع الإيراني- الإسرائيلي وبين متواطئ مع إسرائيل أو إيران، حيث يذهب الضعفاء وفي طليعتهم لبنان “فرق عملة”.
عام 1956، ألقى كمال جنبلاط محاضرة في الندوة اللبنانية جاء فيها، “لبنان وجد لكي يكون بلد العقل. بلد العقلانية. أثينا في الشرق الأوسط. ولسوانا أن يتلهى أو يجازف بلعب دور إسبارطة، فهو ليس دورنا”. رؤية حكيمة. لكن المخيف والمقلق أن لبنان خسر دور أثينا ليصبح إسبارطة مهدمة.
نقلا عن اندبندنت عربية