الدعاية أخطر من الصواريخ
طارق الحميد
كشفت وكالة «رويترز»، الأسبوع الماضي، أن إيران انتقت مئات من المقاتلين الذين يحظون بثقتها من بين كوادر أغلب الميليشيات المسلحة الحليفة لها في العراق، وذلك لتشكيل جماعات نخبوية أصغر حجماً.
وكشفت الوكالة أن 250 مقاتلاً، على الأقل، سافروا إلى لبنان للتدرب على يد مستشارين من «الحرس الثوري» و«حزب الله» على استخدام الطائرات المسيّرة، وإطلاق الصواريخ، وزرع القنابل، والترويج لأنباء الهجمات على وسائل التواصل. وهنا القصة!
حيث اهتمّ جلّ الإعلام العربي بقصة التدريب على إطلاق المسيّرات، والصواريخ، وزرع القنابل، بينما قناعتي أنه يجب الاهتمام كثيراً بقصة التدريب على الدعاية الإلكترونية عبر وسائل التواصل.
بالنسبة إلى المسيّرات، والصواريخ، وزرع القنابل، هناك منظومة دفاعية متكاملة للتعامل معها، وعلى أعلى كفاءة، لكن ما المنظومة «الدفاعية» للتعامل مع التضليل، والتشويش، والترويج لمعلومات خاطئة وتحريضية على وسائل التواصل؟
خطورة الدعاية الإلكترونية هذه، والتضليل، ليست على السعودية وحدها، وإنما على العراق، ومصر، والإمارات، والبحرين، ودول عربية أخرى. والخطر الأكبر بالتصدي لهذه الدعاية الإيرانية الإلكترونية هو بمجاراتها.
ما معنى ذلك؟ المقصود قوله هي الخشية أن يتم التصدي لهذه الدعاية الإيرانية الإلكترونية بدعاية مضادة، ويصبح الضحية الأساس هم مواطنو الدول العربية المعتدلة، والمستهدفة من قبل إيران، حيث تصبح جرعة التضليل عالية، وتؤثر في وعي المتلقي.
نعم الدعاية جزء من الأعمال العسكرية الحربية، لكنها تقع في أرض محددة، وضد نظام وجمهور محدد، لكن اليوم مع الانفجار الإعلامي، وتطور وسائل التواصل أصبحت المعلومة المظللة خطرة كخطر القنبلة النووية لأن نطاقها الجغرافي بات أكثر اتساعاً، وشبه خارج السيطرة.
ولذا فإن ما نحتاج إليه هو الإسراع في تصميم منظومة دفاعية للوعي بمجتمعاتنا، وهذا أمر يجب أن يتم على مراحل. الأولى، حملات توعية سريعة ومباشرة بمخاطر التضليل على وسائل التواصل، وخلافه، مثل «واتساب».
والمرحلة الأخرى، الأساس، ضرورة إعداد منهج تعليمي، ومنذ المراحل الدراسية الأولى لتوعية النشء بمخاطر التضليل على وسائل التواصل، وغيرها، ويكون منهجاً قابلاً للتطوير ليجاري تطور وسائل التواصل.
يجب أن نعلّم أطفالنا الفرق بين وسائل الإعلام، الإعلام الرصين، والصحافة الصفراء، وما هي مصادر المعلومات، ومن أين تُستقى، والفارق بين «.com.edu.net.org»، وأن «واتساب» ليس مصدر أخبار، وضرورة معرفة أسس البحث المبدئية لمعرفة مصدر الخبر.
يجب أن نشرح للنشء أنه لا يمكن الاعتماد على معرِّف في «تويتر»، مثلاً، دون معرفة من هو كاتب المعلومة، سياسي، أو صحافي؟ وهل يعمل في مؤسسة ذات مصداقية أم لا؟
والمرحلة الثالثة هي ضرورة التقيد بقواعد العمل الإعلامي، والتصريح لوسائل الإعلام، ووسائل التواصل إحدى أدوات الترويج لا صنع الأخبار، وضرورة تقديم الإيجاز الصحافي، خاصاً وعاماً، وتسريب المعلومات في الوقت وللوسيلة المناسبة، وتفعيل دور المتحدثين الرسميين للقطاعات المهمة سياسياً.
ما يجب أن نعيه أن التضليل الإعلامي، الإلكتروني وغيره، خطر على الأمن القومي، كونه يهدد اللحمة الوطنية ويبثّ الإحباط، وروح الفُرقة، والعنصرية، وأكثر. والتضليل من أدوات الترويج، والتأجيج، والاستقطاب في التطرف، وخطر على الاقتصاد.
الشرق الأوسط