مقالات

أولمبياد باريس 24.. ومبادئ الغرب الليبرالي!!

بقلم: سميرة بن رجب
بالقوة‭ ‬الناعمة‭ ‬تمكن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬الفكر‭ ‬الشيوعي‭ ‬عالمياً،‭ ‬قبل‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬الشيوعي‭ ‬رسميا‭.. ‬وكانت‭ ‬صناعة‭ ‬الكذب‭ ‬والاتهامات‭ ‬الباطلة‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬أسلحة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فكر‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الشيوعي،‭ ‬ومن‭ ‬أخطر‭ ‬وأهم‭ ‬منتجات‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬هي‭ ‬الكذبة‭ ‬الكبرى‭ ‬حول‭ ‬اللادينية‭ ‬التي‭ ‬أُتهم‭ ‬بها‭ ‬الفكر‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وعموم‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬وعموم‭ ‬الدول‭ ‬الاشتراكية‭ ‬التابعة‭ ‬له،‭ ‬وكل‭ ‬تنظيمات‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

كان‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬قرن‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وقرن‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬الغربية‭ ‬بامتياز،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬منافس‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬مستفرداً‭ ‬بالساحة‭ ‬الإعلامية‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬حتى‭ ‬جنوبها،‭ ‬ومن‭ ‬شرقها‭ ‬إلى‭ ‬غربها،‭ ‬فعاشت‭ ‬أجيال‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬في‭ ‬تعتيم‭ ‬فكري‭ ‬وثقافي‭ ‬وسياسي،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭… ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلام‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬خطين‭ ‬متوازيين،‭ ‬وهما،‭ ‬خط‭ ‬لتلميع‭ ‬صورة‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬علمياً،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الغربي‭ ‬حضاريا،‭ ‬والإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬إنسانيا،‭ ‬وخط‭ ‬مواز‭ ‬لتشويه‭ ‬صورة‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬وتقزيم‭ ‬الدول‭ ‬الشيوعية‭ ‬علميا،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الشيوعي‭ ‬حضاريا،‭ ‬وإظهار‭ ‬الفكر‭ ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬متخلفاً‭ ‬كافراً‭ ‬ملحداً‭ ‬لا‭ ‬دينيا‭… ‬أما‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬وغيرها‭ ‬فكانت‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬إرهاب‭ ‬فكري‭ ‬قاسٍ،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬تهمة‭ ‬الشيوعية‭ ‬الملحدة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬مثقف‭ ‬عربي‭ ‬مستهدفاً‭ ‬بها،‭ ‬لهدم‭ ‬حياته‭ ‬ومستقبله‭ ‬ومصداقيته‭ ‬في‭ ‬مجتمعه،‭ ‬لأن‭ ‬الشيوعية‭ ‬كانت‭ ‬مرادفة‭ ‬للإلحاد‭ ‬واللادينية،‭ ‬في‭ ‬كذبة‭ ‬رسمت‭ ‬المخابرات‭ ‬الغربية‭ ‬كل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬بحرفية‭ ‬مازالت‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها،‭ ‬ومازالت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تؤمن‭ ‬بأنها‭ ‬حقيقة‭. ‬

واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬حوالي‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وكل‭ ‬دول‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي،‭ ‬وتراجع‭ ‬واضح‭ ‬للفكر‭ ‬الشيوعي‭ ‬وتنظيماته‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ظهرت‭ ‬الحقيقة‭ ‬دامغة،‭ ‬وتم‭ ‬تعميدها‭ ‬باحتفالية‭ ‬افتتاح‭ ‬الأولمبياد‭ ‬في‭ ‬مساء‭ ‬الجمعة‭ ‬26‭ ‬يوليو‭/ ‬تموز‭ ‬2024،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تتويج‭ ‬اللادينية‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬فنية‭ ‬حية،‭ ‬ظهرت‭ ‬بأبشع‭ ‬وأقبح‭ ‬صورها‭ ‬وألوانها‭ ‬المبتذلة‭ ‬تحت‭ ‬أضواء‭ ‬مدينة‭ ‬النور،‭ ‬باريس‭.. ‬المبهرة‭ ‬للعقول‭ ‬والعيون‭.. ‬فكان‭ ‬احتفالا‭ ‬فنياً‭ ‬لـ‮«‬تحقير‭ ‬المبادئ‭ ‬الدينية‭ ‬وإساءة‭ ‬للمسيح‭ ‬وتحطيم‭ ‬القيم‭ ‬العائلية‮»‬‭.‬

كشفت‭ ‬افتتاحية‭ ‬أولمبياد‭ ‬باريس‭ ‬الغطاء‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمبدأ‭ ‬الحريات‭ ‬الليبرالية،‭ ‬التي‭ ‬تعبّر‭ ‬فعليا‭ ‬عن‭ ‬تراث‭ ‬وثقافة‭ ‬الإلحاد‭ ‬واللادينية‭ ‬الليبرالية،‭ ‬وما‭ ‬يلحق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الابتذال‭ ‬والانحطاط‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الغربي،‭ ‬حيث‭ ‬داس‭ ‬المتحولون‭ ‬جنسيا‭ (‬الراقصون‭ ‬المبدعون‭) ‬بأقدامهم‭ ‬على‭ ‬مقدسات‭ ‬المسيحية،‭ ‬وعلى‭ ‬تعاليم‭ ‬سيدنا‭ ‬المسيح‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬مبتذل‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬قصة‭ ‬العشاء‭ ‬الأخير‭ ‬المقدسة‭… ‬وكانت‭ ‬مناسبة‭ ‬فاضحة‭ ‬لإبراز‭ ‬المتحولين‭ ‬جنسيا‭ ‬كأيقونات،‭ ‬ولتكريس‭ ‬قيم‭ ‬حرية‭ ‬الجنس‭ (‬الإباحية‭)‬،‭ ‬وحرية‭ ‬التحول‭ ‬الجنسي،‭ ‬وحرية‭ ‬الجنس‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ (‬بيدوفيليا‭ ‬pedophilia‭). ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الاحتفال‭ ‬فاقعاً‭ ‬في‭ ‬تفاصيله‭ ‬المبتذلة‭ ‬لدرجة‭ ‬مستفزة،‭ ‬حتى‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭ ‬بدءًا‭ ‬بالمجتمع‭ ‬المسيحي،‭ ‬وقد‭ ‬أصدر‭ ‬أساقفة‭ ‬فرنسا‭ ‬بيان‭ ‬استنكار‭ ‬ذكروا‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬نفكر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المسيحيين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬قارات‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬تضرروا‭ ‬من‭ ‬الاستفزاز‭ ‬الناتج‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‮»‬‭ (‬قناة‭ ‬العربية‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬انتقد‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬العالمية‭ ‬الاحتفالية‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المجري‭ ‬بالتدهور‭ ‬والخواء‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الغربي‭.. ‬فقالت‭ ‬عنه‭ ‬المحامية‭ (‬Kristen‭ ‬Murfitt‭) ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬على‭ ‬منصة‭ (‬X‭): ‬‮«‬أدعو‭ ‬إلى‭ ‬مقاطعة‭ ‬الأولمبياد،‭ ‬لأنه‭ ‬أمر‭ ‬مقرف،‭ ‬وإن‭ ‬الشيطان‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‮»‬‭.. ‬وذكر‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬الصين‭ ‬بالعربية‭ (‬mog‭_‬china‭): ‬‮«‬عبادة‭ ‬الشيطان‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬الألعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭… ‬أين‭ ‬الثقافة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والتقاليد‭ ‬الفرنسية؟‮»‬‭.. ‬أما‭ ‬الإعلام‭ ‬البرازيلي‭ ‬فقد‭ ‬اكتفى‭ ‬بإعلان‭ ‬أن‭ ‬‮«‬افتتاحية‭ ‬أولمبياد‭ ‬باريس‭ ‬هي‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭…‬‮»‬‭.‬

لأختم‭ ‬هذه‭ ‬التعليقات‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ (‬الشامت‭ ‬الأكبر‭) ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬الاحتفالية‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬لادينية‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية‭ ‬وما‭ ‬قالته‭ ‬سابقاً‭ ‬هذه‭ ‬الليبرالية‭ ‬عن‭ ‬اللادينية‭ ‬الشيوعية‭…‬

وأخيراً،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نختم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نربط‭ ‬موضوعنا‭ ‬بمخاض‭ ‬الأحداث‭ ‬الدولية،‭ ‬وبما‭ ‬تعيشه‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬العصيبة،‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬بكل‭ ‬مؤشراتها‭ ‬أنها‭ ‬الفترة‭ ‬المباشرة‭ ‬لما‭ ‬قبل‭ ‬ولادة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القادم‭ ‬بتفاصيله‭ ‬وأقطابه؛‭ ‬وعلى‭ ‬أنها‭ ‬مرحلة‭ ‬بداية‭ ‬نهاية‭ ‬سطوة‭ ‬الدور‭ ‬الأوروبي‭ ‬الغربي‭ ‬بمبادئه‭ ‬القاتلة؛‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬صعود‭ ‬القطب‭ ‬الصيني‭ ‬وكتلته‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬القمة،‭ ‬بما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬حضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬الشرق‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬احترام‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬أصحاب‭ ‬التاريخ‭ ‬الإنساني‭ ‬العريق‭ ‬والثقافات‭ ‬الروحية‭ ‬والأديان‭ ‬السماوية‭ ‬وغيرها؛‭ ‬لتبدأ‭ ‬صيرورة‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة،‭ ‬وعصر‭ ‬جديد،‭ ‬ننتظر،‭ ‬بل‭ ‬يجب،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية،‭ ‬وثقافاتها‭ ‬الليبرالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬التي‭ ‬فُرضت‭ ‬بقيمها‭ ‬المبتذلة‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬المستضعفة‭.‬

فيا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتجاه‭ ‬يسير‭ ‬الغرب‭ ‬اليوم،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬تطرف‭ ‬وعنصرية‭ ‬ليبرالية،‭ ‬وبخوائه‭ ‬الأخلاقي‭ ‬واللاإنساني،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بات‭ ‬مكشوفاً‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬وأمم‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬أمم‭ ‬الغرب‭ ‬نفسها؟

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى