حتى لا نكون بين تناطحين قويين؟
سوسن الشاعر
يبدو أن الجانب الأميركي مُصرّ على اختيار الحصان الإيراني والتنافس عليه في صراعه مع الصين على حساب تحالفه مع دول مجلس التعاون الخليجي، فها هي «فيينا» تنعقد ولم يُحدد كرسي عربي واحد للجلوس على طاولة المفاوضات إلى الآن، ولم ننجح في إقناع أي من المفاوضين على فرض وجودنا في ملف يقع علينا ضرره بالدرجة الأولى بحكم الموقع الجغرافي وبحكم الصراع التاريخي مع إيران، ها هي المحادثات تستأنف، برغم تصريح الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف الذي ناشد باسم دول مجلس التعاون أن يكون لهم حضور في المحادثات.
كما أننا لا نعلم إن كان ملف الميليشيات الإيرانية والصواريخ الإيرانية التي تطلق على العواصم العربية موضعاً للتفاوض بين المجتمعين أم لا، وكلها ممارسات إرهابية إيرانية تهدد أمن المنطقة، والملف النووي ما هو سوى واحد من المهددات الإيرانية وأقلها تأثيراً في الوقت الحاضر.
ها هي «فيينا» تنعقد والمتحدثة الرسمية للبيت الأبيض جين ساكي تؤكد أن الولايات المتحدة وإيران ستستأنفان المحادثات غير المباشرة، التي تهدف لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، عارضة الإغراء وراء الآخر من أجل إقناع إيران بالجلوس معهم، رغم أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قال قبل الاجتماع بيوم، إن العروض التي تتلقاها إيران خلال محادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي «لا تستحق النظر إليها»، ووضع شرط رفع العقوبات قبل بدء المفاوضات، صحيح أنه تراجع عنه وقبل الجلوس للتفاوض المباشر مع الأميركان إنما «تزامناً» مع رفع العقوبات وليس شرطاً «بعد» رفعها!
الأهم، أن المحادثات تُستأنف وإيران تعلن عن زيادة نسبة التخصيب إلى 60 في المائة وتستأنف، والصواريخ الباليستية الإيرانية تقصف قاعدة أميركية في أربيل وتنطلق فوق سماء الرياض، وتلك نتيجة متوقعة وسبق أن جربتها إيران مع إدارة أوباما ونجحت، أن تصعّد ميدانياً متزامناً مع تصعيد إعلامي استعداد للتفاوض.
ورغم تصريحات الخارجية الأميركية بأنها ملزَمة بحماية حلفائها بعد كل صاروخ باليستي يطلق على المدنيين في السعودية، وتندد بالسلوك الإرهابي الإيراني، فإنها تصريحات شبيهة بخطوط أوباما الحمراء التي تحولت إلى خطوط وردية بفعل الرغبة الانكفائية لدى تلك الإدارة.
في ظل هذه السياسة الانكفائية الأميركية، تسارع الصين – كأحد البدائل – لعرض مبادراتها في التحالفات الاقتصادية مع دول المنطقة بوعد بعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، وتفتح باب الخيارات المتاحة أمامنا، إلا أن المهددات التي تتعرض لها منطقتنا من قبل إيران تبرز من جديد لتؤطر مصالحنا وتفرض علينا وضع رؤية واضحة مع أي تحالف صيني – خليجي، فتلك المصالح الصينية الخليجية غالباً ما تتقاطع مرة أخرى مع مهدداتنا، وعلى رأسها التدخل الإيراني في المنطقة.
فرغم التطمينات الصينية التي حرصت عليها الرئاسة الصينية لدول الخليج العربي قبل توقيع الاتفاقية مع إيران، فإن أكثر ما يلفت الانتباه في الاتفاقية الصينية – الإيرانية هو مسألة تشغيل الصين «للموانئ الإيرانية»، بل وحماية تلك الموانئ عسكرياً بحجة حماية المشاريع الصينية، فهل الأمر سيقتصر على الموانئ الإيرانية التي تقع على الأراضي الإيرانية فقط أم على الموانئ التي تقع تحت النفوذ الإيراني أيضاً؟ وهل ستكون الصين بهذه الاتفاقية مظلة لحماية التمدد الإيراني غير المشروع في المنطقة؟!
ونحن هنا نتكلم عن مدن عربية تحيط بنا شمالاً وجنوباً؛ مما يعني أن الاتفاقية ستتغاضى عن مسألة التدخل الإيراني في دول عربية وتقبل على عقد اتفاقيات تشغيل مع «حزب الله» في لبنان من دون اعتبار للحكومة التي لم تتشكل مثلاً، وستعقد اتفاقيتها مع «أنصار الله»، خاصة بعد أن أزيلوا من قائمة الإرهاب!
لهذا نقول، إنه لا فراغ سياسياً الآن في ظل هذا التنافس الاقتصادي المحموم بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، الصين تغزل نسيجها الحريري بهدوء وتصل كما رسمت وخططت للبحرين الأبيض والأحمر، مستغلة الرغبة الأميركية في الانكفاء على الذات، وتتجه للمنطقة باحثة عن موانئ ونفط، وكل نقطة ارتكاز جديدة تعد نصراً لها، وأميركا تنكفئ يوماً بعد يوم مراهنة على الحصان الإيراني على تحالفاتها الاستراتيجية التاريخية تارة أخرى، وفي ظل التردد الأميركي وعدم الوضوح وفي ظل التوسع الصيني والطموح يظهر السؤال الأكثر إلحاحاً، إنه في ظل صراع الفيلة هذا، كيف سنحدد نحن مصالحنا ونحميها مستفيدين من تلك الثنائية القطبية بدلاً من أن يحدد الآخرون لنا أقدارنا؟
الشرق الأوسط