تاريخ الأحواز

بمناسبة الذکری الخامسة والستین علی مرور استشهاد البطل ادعیر بن بستان في 4 /فبرایر / 1954 في هور الحویزة(فيديو)

الدكتور عباس الطائي

من ذکریاتي:
کنت في بین السادسة والسابعة من عمري،أعیش الأحلام بین مجالس الأسمار و الشعر وقصص الأساطیر والبطولات العربیة والمحلیة . وکانت قریتي ” ابوچلاچ* ” تنام مستقرة هادئة علی شکل صَـفَّین منظمین موازیین ، من البیوت المشیدة من القصب والحُصُر و البردي ،بفواصل متقاربة متمددة علی ضفتي نهر ” الِبسیتِین” وهواستمرار نهر الکرخة علی مسافة ما یقارب الخمسة کیلو مترات من مصبه الأخیر في “هَور العظـَیم”، علی طول النهر من الشرق الی الغرب ، وکان بیتنا یقع علی الضفة الجنوبیة من النهر.

وفي ضُحی احد الأیام سمعت إطلاق نار کثیفا من اعلی الضفة الجنوبیة،من جانب الحي الذي کان یسکنه بیت ” شَرهان بن عباس الطرفي الطائي”،وهي أسرة بطل هذا المقام، ثم توقف اطلاق النار وکانت القریة کلها آذانا مصغیة لتلک الجهة، وبعد أقل من دقیقة سمعت صوت طلقة واحدة مختلفة ،عرفت أنها صوت مسدس ، وبعد ثوان تلتها طلقة ثانیة من نفس الصوت ثم جاءت الثالثة … ثم صمت رهیب هیمن علی کل القریة لکنه لم یطل أکثر من دقیقة ، ثم سمعت الضجة ، ثم خرجت القریة علی بکرة أبیها علی ضفتي النهر، وکان هناک علی ما أتذکر بقایا سد ترابي علی النهر ، ورأیت من مسافة لا تتجاوز المئة متر رجلا طویل القامة یرکض من جانب مکان الحادث نحو غرب النهر فعرفته فورا أنه ” ادعیر البستان ” ، ثم وقف علی الجانب الجنوبي من السد بقامته الفارعة رافعا مسدسه مرتجزا منادیا بصوت عال مجلجلا في أرجاء القریة:
” ردّیت الشر ما ردّاني / یَصحَیَّه* الشط ما عاناني
/ الله وللورور نجاني / یصحیة الشط ما بیه غیرة”
ثم اتجه راکضا نحو جنوب القریة حیث یقع الهورالمعروف بـ “هور الحِریجَة”،لیغیب فیه.
وبینما کان الناس منشغلین عن مسرح الحادث بالمشهد الدرامي الذي قام به ادعیر، إذ شاهدت الدخان یرتفع من مضیف الشیخ بستان بن شرهان حیث محل الحادث.
وعندما وصلت الی مشهد المعرکة لم أجد الا النار قد شبت في الجانب الشمالي من المضیف المشید بالقصب والحصر،والناس کانوا ینقلون الماء من النهر الذي کان علی مسافة بضعة أمتار من المضیف لیخمدوا النار . وکان الجنود قد انسحبوا.
وانتشر تفصیل الحادث،وهذا مما سمعته بإذنيّ الصغیرتین آنذاک:
“…الأمنیه هجموا علی بیت شیخ بستان الشرهان او حاصروا ادعیر البستان بالمضیف، وگاموا یرمون علیه ،بس هو اتعلگ بالهطار ابسگف المضیف والامنیه بعد ما ظنوه انکتل دشوا علی المضیف وادعیر گام یلگط بیهم رمي بالوَروَر( المسدس)،وهو امعلگ بالسگف ،اوکتل منهم ثلاثه وخافوا وشالوا ربعهم او شردوا”.
أما الحکومة فقد أحضرت شیوخ بیت اسعید الإخَوَة ( بیت شرهان ، وبیت الحاج سبهان، وبیت زائرعلي) وأعطتهم الکثیر من بنادق البرنو،وأرغمتهم علی القاء القبض علی البطل ادعیر أو قتله . والآن وبعد مضي 68 عاما یتراآ لي بریق بنادق البرنو الحدیثة التي کانت بید أبناء جلدة البطل والتي کانت تثقل کواهلهم وهم یجرون الخطی ثقیلة بائسة لیجدوا أي سبیل لقتل ابن عمهم او القاء القبض علیه.
وأتذکر أبي رحمة الله علیه الذي کان في عمر الشهید ادعیر وکان صدیقا له وکان زمیله في المدرسة وکانت تربطهم اواصر نسب ، إذکان أخوالهما من قبیلة السُّواري. أتذکر أبي وأتذکر ملامحه التي کان الألم یعصرها ، وأتذکر أنه غاب فجأة،ولم أتذکر أکثرعن غیبته، إلا أنه ذکر الموضوع بعد سنین ، فقال : کنت أعلم بأماکن اختفاء ادعیر،فرحت أبحث عنه حتی وجدته واخبرته بموضوع تسلیح الدولة لبني عمومته، وعلیه أن یتوخی الحذر ویبتعد عن المنطقة .
الی هنا أتوقف عن سرد ذکریاتي حتی اشعار آخر،والی مقال آخرأوکتاب.
انما انتقل بکم الی ما نقله بعض الأخوة المعنیین بالبحث في هذا المجال ، وأذکر منهم الأخ الفاضل “عبدالله ابن شایع بن بستان “، ابن اخي البطل الشهید ادعیر ،فقد ذکر لنا احدی ذکریاته عن عمه:
” في عام ۱۳۷۲هـ ش(1993) کنت في ضیافة صدیق لي من عشیرة السّواري وعندما علم والده الحاج حوشي ابن والي رحمه الله اني ابن اخو دعیر ،قال بشهادة بحق دعیر … یقول عندما استقر هو و جماعته في منطقة الهور اصبح الوضع مستقر ،واصبح هو الحامي لمواشي الناس من الحواف الذین ینزلون من الرمال والجبال باتجاه الهور ، بالاضافة حل النزاعات بین القبایل ،،وانا کنت في بدایة شبابي وذهبت برفقت والدي وعمي، وجلبنا لهو فحل جاموس تقدیر لجهوده
کان متکلما شاعرا مفکرا شجاعا قوي البنیه والإرادة ،شاهدت بعیني قوته الجسدیة ،اذا صارع فحل الجاموس واتم ذبحه بمفرده ،وهو یتحدث الینا ،رافضآ المساعدة ،کان صاحب فکر واسع کان طموحا کان یساعد الفقراء یحب ابناء قومیته،،وکانت هاي الزیارة تتکر لنا تقریبآ کل شهر مرة وکنت انتظرها بفارق الصبر…….،”
البطل المظلوم:
هذه لمحة موجزة من شخصیة البطل الشهید ادعیر ابن بستان الذي ظلمه شعبه ، وذلک النظام الملکي القمعي الإستبدادي الفاسد الذي کان قد استغل حسد الأقارب وحساسیاتهم ومنافساتهم فيما بینهم ، فزاد في ظلمه له حیا ومیتا.
فذلک النظام البائد کان ضلیعا في بث الفتن ونشر الإشاعات الکاذبة بین أبناء الشعب الواحد، وکان ذلک سلاحه الأکثرنفوذا في جسم الشعب من أجل بسط سیطرته وتغلغله بینهم، إذ کان یخشی الدفع بقواته بینهم خوفا منهم ، لذلک کان مترصدا لمن یتوسم فیه إشارات البطولة فیصلیه بشواظ من الإشاعات المدمرة ، سواء فیما یخص کیان الأسرة ،أو الشرف أو المال أو کل ما یثیر الحساسیة، بین الناس .
وکان الشهید ادعیر قدتعرض الی بعض الإشاعات ، منها إثارة الشرور ولفوضویة ،وقطع الطرق ونهب الأموال،والإغارة علی مواشي الناس العزل، وکذلک اختطاف بعض الأغنیاء للمقایضة بهم بالمال.
وکل هذه الإشاعات لاصحة لها، غیر أنه کانت له ثارات عند من کان قد عرف أن لهم دوراً في مساعدة السلطات الأمنیة علی مضایقاته ، والقاء القبض علیه لأکثر من مرة في بدایات عنفوانه ، ومن ثم عملیة المضیف ومحاولة اغتیاله ، وقتله لرجال الأمن الثلاثة ، وقد حصل أنه اختطف بعض خصومه . حتی أنهم أشاعوا تلک العبارة التي اشتهرت حتی یومنا هذا، وهي : ” حجّي لا تصیر من ادعیر لاتخاف”، کما قد أشاعوا عن البطل “حاتم الکعبي (حته ) “بعد اربعین عاماً بما یشابه ذلک.وکذلک “ارحیم اللازم “وغیرهم من ابطال شعبنا.
وقد نسوا أن هذه الإشاعات بغض النظر عن صحتها وسقمها، کانت وستبقی ملازمة لکل من قال او یقول لا للأ نظمة المستبدة القمعیة.
وقد قال ابو تمام الطائي:
لولا اشتعال النار في ما جاورت
ما کان یُعرف طیب ُعَرف العود
عباس الطائي
===============
*ابوچلاچ: قریة تقع غرب ناحیة البسیتین، والچلچ هو الکلک الذي یوضع في الماء و یستخدم کالقارب.
• اصحیة( إصحیة): ابنة الشهید ادعیر
المصدر: صفحة الدكتور عباس الطائي على الفيسبوك

 

 

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى