مقالات

إيران… بين الوهم والواقع

أمير طاهري

خرج النص القديم من جديد من بين ملفات يعلوها الغبار، وبدت الديكورات لامعة ومتلألئة، بينما شرع المسؤول عن تحريك الدمى في اختبار الأوتار وثني ومد أصابعه. ومع ذلك، ظل هناك أمر ما مفقوداً: دمى جديدة من أجل إضافة مسحة جذابة على العرض في عيون من سبقت لهم مشاهدة العرض مئات المرات من قبل.
هل أدركتم الأمر؟ إنني أتحدث هنا عن الانتخابات الرئاسية داخل الجمهورية الإسلامية في إيران، المقرر عقدها في يونيو (حزيران) المقبل، لكنها حتى هذه اللحظة لم تفلح في جذب اهتمام يذكر. في النسخ السابقة من عرض الدمى الانتخابي، كان الاهتمام بالعرض يبدأ قبل عامين من يوم الانتخابات مع سعي الفصائل المتنافسة داخل النظام نحو التعبئة والحشد للوصول إلى الجائزة المبتغاة أو على الأقل ترك أثر ملموس. وفي مناسبتين على الأقل، تمخض هذا الهراء تارة عن نتيجة شكلت مفاجأة سارة، وتارة أخرى عن نتيجة أخرى مروعة لم تكن متوقعة. وفي مناسبة ثالثة، أثار هذا الهراء حراكاً على مستوى البلاد دفع بالنظام الخميني نحو حافة الانهيار.
أما بالنسبة لأولئك الذين لطالما عدّوا أن هذه المحاكاة للانتخابات إهانة للذكاء البشري، فإنهم ظلوا مهتمين بها لسببين على الأقل.
أولاً: أنها طرحت صورة موجزة لتوازن القوى داخل المعسكر الخميني. ثانياً: حملت الانتخابات في طياتها مؤشرات واضحة على قدرة النظام على اجتذاب أعداد كبيرة من الناخبين للمشاركة في التصويت.
وأود من جانبي إضافة سبب ثالث، كثيراً ما يقابل بالرفض من قِبل بعض المراقبين المتعجلين في إصدار أحكامهم: احتمالية، مهما بلغت ضآلتها، تصحيح المسار المأساوي الذي تنتهجه البلاد، ولو قليلاً.
ومع ذلك، لا يبدو أن أياً من هذه الأسباب يحمل أهمية تذكر هذه المرة.
الواضح أن توازن القوى مال بقوة لصالح أولئك الذين اختزلوا أربعة عقود من التجربة الثورية وما حملته من مزيج آيديولوجي لأفكار مغلوطة عن «الشيعية» وأخرى مضللة عن «الشيوعية» في تمجيد بلغ حد التقديس لشخص آية الله خامنئي، الذي نصب نفسه «مرشداً أعلى».
وعليه؛ فليس من قبيل المصادفة أن آية الله خاتمي، أحد أكثر الملالي رواجاً داخل النظام، يصر على أن التصويت في يونيو المقبل سيكون تصويتاً حول «المرشد الأعلى» والنظام بشكل كلي.
اليوم، ولّت الأيام التي كان باستطاعة محمد جواد ظريف خلالها تقديم نفسه بصفته وزير خارجية إيران؛ دونما ذكر لـ«الجمهورية الإسلامية» أو حتى «الإسلام» ذاته، وتسلية الأعضاء رفيعي المستوى في «مجلس العلاقات الخارجية» بالحكاية التي كان يسردها على مسامعهم حول الفصيل «المعتدل» الموالي للولايات المتحدة الذي يتنافس مع آخر مناهض لها على السلطة داخل إيران.
أما فيما يخص أعداد الناخبين المشاركين في الانتخابات، فنحن نعلم الآن أن النظام مهد الساحة أمام «حدث تاريخي». وأعلن قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي أن «المرشد الأعلى» أصدر أوامره بتحقيق «إقبال تاريخي» من جانب الناخبين؛ الأمر الذي ستساعد قوة «الحرس الثوري» في حشده.
ويبدو واضحاً أن «المرشد الأعلى» لن يتساهل إزاء أقل انحراف عن المسار الذي حدده لثورة يزعم أنها تزداد قوة على قوة.
من ناحيته، قال الدكتور حسن عباسي، الذي يطلق عليه البعض «د. كيسنجر الإسلام»: «اليوم، نحن أقوى وأميركا أضعف، فأميركا أصبحت القوة التي توشك شمسها على الأفول، بينما نحن القوة التي تشرق شمسها»!
العام الماضي، ثارت بعض التكهنات حول صدور قرار من قبل خامنئي بالسماح لواحد من الجنرالات الأصغر سناً في «الحرس الثوري» بتولي الرئاسة، ليدفع بذلك أصحاب العمائم، ما عدا نفسه، نحو الخلفية. ومع ذلك، كانت المفاجأة أنه لم يتقدم أحد من القيادات البارزة في «الحرس الثوري» للاضطلاع بهذا الدور.
من ناحيته، اقتحم وزير دفاع سابق حلبة المنافسة من دون أن تلحظ الغالبية وجوده. أما الحجة الرئيسية التي يقيم عليها كفاءته الثورية، فتدور حول أنه كان واحداً من «الطلاب» الذين احتجزوا دبلوماسيين أميركيين رهائن منذ 41 عاماً. وانضم إليه في الحلبة بريغادير جنرال أصغر تتمركز شهرته حول بنائه سككاً حديدية لا تؤدي لأي مكان، وبنائه جسوراً تنهار قبل افتتاحها.
وقفز مسؤول ثالث من «الحرس الثوري» إلى حلبة التنافس، وسبق أن تولى رئاسة شبكة الإذاعة والتلفزيون المملوكة للدولة، وحقق خلال عمله سجلاً ربما يكون فريداً من نوعه: ففي ظل قيادته خسرت الشبكات المملوكة للدولة 70 في المائة من جمهورها.
من جانبهم، يجد المدافعون عن النظام صعوبة في تقبل حجج سخافة هذا الوضع، لذا يبتهلون إلى السماء على أمل أن تتمخض الأيام المقبلة عن مرشحين أكثر جدية، ويعدّ الرئيس الحالي لـ«المجلس الإسلامي» (البرلمان المصطنع)، محمد باقر قاليباف، صاحب أحد الأسماء التي يرد ذكرها في هذا السياق. كان نجم قاليباف قد صعد عندما اختاره خامنئي لتوصيل «خطاب سري» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إلا إن نجمه تراجع عندما رفض بوتين مقابلته وأدار ظهره له عند بوابة الكرملين، (في النهاية؛ سلم الخطاب إلى رئيس الدوما الروسي).
ويتمثل مرشح آخر مفترض في الرئيس السابق للبرلمان، علي لاريجاني. وكان نجمه قد صعد عندما كلفه خامنئي مسؤولية قيادة المفاوضات مع الصين حول بناء «شراكة استراتيجية» بين البلدين. واتضح في وقت لاحق أن الاتفاق مجرد قائمة من الأماني ليس أكثر. وسلط هذا الموقف الضوء على الرئيس حسن روحاني على أنه عنصر زائد على الحاجة في إطار تمثيلية كوميدية، لكنه أحيا في الوقت ذاته طموحات لاريجاني تجاه تولي الرئاسة.
وبغض النظر عمّن قد ينضم إلى هذه التمثيلية، فمن الواضح أن المعسكر الخميني لا يملك حلاً لمشكلات إيران المتفاقمة والتي تزداد صعوبة يوماً تلو آخر. بجانب ذلك، يفتقد المعسكر شخصية كاريزمية قادرة على تحفيز – على الأقل – القاعدة الأساسية الداعمة للنظام.
ورغم ذلك، فإن الانتخابات المقبلة ربما تبقى ذات أهمية لسبب آخر؛ ذلك أنها ربما تقضي على وهم أن النظام الخميني ربما يبدل مساره ويستغل الفرصة التي طرحت عليه لمعاودة الانضمام إلى التيار الرئيسي العالمي. وسيترك ذلك للعالم الخارجي، بما في ذلك الدول المجاورة لإيران، مسألة التسامح إزاء مثالبها، أو العمل بجد على تغيير النظام في طهران. وستتعين في هذا الصدد مراجعة مساعي «تغيير السلوك في طهران» طوال أربعة عقود.
إضافة إلى ذلك، فإن التخلص من الأوهام ربما يقنع الإيرانيين، بمن في هؤلاء قطاعات من القاعدة المؤيدة للنظام، أن الوقت قد حان لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان الوضع القائم يمثل الخيار الأمثل.
من ناحيته، أشار ظريف ضمناً إلى أن الأمر تطلب منه 40 عاماً كي يدرك أنه قد «اخترنا أن نعيش على نحو مختلف» عن جميع الأشخاص الآخرين على سطح الكوكب.
أما بهزاد نبوي؛ رجل الدولة البارز وعضو الفصيل «المعتدل»، فينظر إلى «العيش على نحو مختلف» بوضوح أكبر من ظريف. وعن هذا قال: «أفضل أن أعيش فقيراً، لكن معتزاً بنفسي. وإذا كان الاختيار بين الحرية والاستقلال، فإنني دوماً سأختار الأخير».
من ناحيته، يتحدث خامنئي عن «مؤامرة» لإجبار إيران على أن تصبح «دولة طبيعية» مثل أي دولة أخرى، وتعهد بعدم السماح أبداً بحدوث ذلك.
اليوم، ربما تكون إيران في طريقها لإنهاء هذه التمثيلية؛ فالنظام الخميني ليس نسخة شرق أوسطية من نموذج الديمقراطية الاجتماعية الاسكندنافي مثلما يظن ناعوم تشومسكي؛ وإنما نظام استبدادي على غرار تلك النظم التي كانت سائدة في العصور الوسطى، لكن بمسحة حديثة زائفة مستقاة من سوء فهم للماركسية.
وفي نهاية الأمر، ربما يكون استبدال الواقع، مهما بلغت مرارته، بالوهم خبراً ساراً.

نقلا عن الشرق الأوسط

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى