مواجهة الجماعات الكوردية الإيرانية عراقياً خطأ ستراتيجي
مجاشع التميمي
الجماعات الكوردية الإيرانية في إقليم كوردستان هي مشكلة اتحادية، وتنفيذ الاتفاق العراقي الإيراني بشأنهم يكاد يكون مستحيلا، لأن هذه الجماعات هي تحت مظلة الأمم المتحدة ولم يُصنفوا من قبل العراق والأمم المتحدة والقانون الدولي ومجلس الامن على انهم إرهابيين، كما أن هناك تداخل بين الشعب الكوردي في العراق وإيران، وإذا ما تدخلت إيران عسكريا فأن الولايات المتحدة والأمم المتحدة ستتدخل وربما تتعقد الازمة لان كورد إيران سوف لن يصمتوا، خاصة مع حلول ذكرى وفاة الشابة الكوردية مهسا أميني التي توفيت في 16 أيلول الماضي.
علينا أولاً أن نعرف هل أزمة الأحزاب الكوردستانية الإيرانية في العراق أزمة اتحادية أم أزمة إقليم؟ والجواب هي أزمة اتحادية بحسب الدستور العراقي، لأن أزمات الحدود من اختصاص الحكومة الاتحادية، وليس إقليم كوردستان، فقوات البيشمركة دورها وظيفي بحسب الدستور وهي قوة لحماية الإقليم (حرس الإقليم)، أي بمعنى إنها مكلفة بحماية الداخل في إقليم كوردستان العراق، أما حماية الحدود فهي تأتي ضمن إطار السلطات الاتحادية لأنها قضية سيادية، ومسألة مسك الحدود لابد أن تكون اتحادياً، لذلك حينما تم الاتفاق العراقي – الإيراني تم مع السيد قاسم الأعرجي بصفته مستشار الأمن القومي، ولم يتحدث الايرانيون مع إقليم كوردستان، إدراكًا منهم إنها قضية سيادية، لكن هل القضية تتعلق فقط بالمعارضين الإيرانيين؟.
لأنه إذا عدنا إلى تاريخ المعارضة لأدركنا أن احدى الجماعات المعارضة الإيرانية موجودة منذ اربعينيات القرن الماضي، لكن اليوم توسعت ومنهم الحزب “الديمقراطي الكوردستاني الإيراني” (حدكا)، وحزب “كوملة” الكوردي اليساري، وحزب “الحياة الحرة” (بيجاك)، إضافة إلى منظمة “خبات” القومية الكوردية. وبعضهم لديه اجنحة مسلحة داخل إيران منذ دولة مهاباد التي سقطت على يد نظام الشاه الإيراني عام 1947، وسواء كانت مسلحة أو غير مسلحة فالحل الأمثل في مثل هكذا حالات هو تأمين ما يطلق عليه بالأكتاف الحدودية بالنسبة لإيران، وعلى طهران ان تحمي حدودها بدقة وحزم وان تستثمر كل مواردها الوطنية في إسكات التدفق أو التحرك أو التسلل الذي يحصل من العراق (إن حصل)، أما إلزام العراق في إسكاتهم وسحبهم داخل عمق الإقليم والضغط عليهم سيخلق أزمة خطيرة جدا لدى بغداد، واذا أراد العراق خوض المعركة بالإنابة عن إيران فهذه خطيئة كبيرة لان الحروب الجبلية تقيّم تعبوياً على أنها من أخطر وأشد الحروب قساوة على الدول، واذا تم الاشتراك مع ايران ضد هذه الجهات المعارضة فبالتأكيد سيحولون فوهة البندقية على العراق، وهذه الفرضية اذا كانت هذه الجماعات تحمل بندقية حينها سيحولونها من جهة إيران إلى العراق.
في الجانب السياسي إلى الآن هذه الجماعات لم تلحق ضررا بالأمن الوطني العراقي، وبالتالي خطأ ستراتيجي أننا ننساق نزولا عند رغبة إيران في محاربتهم، فالعراق على سبيل المثال لم يصنفهم على أساس انهم جهات إرهابية وهذا الحال ينطبق على pkk، لأن العراق حينما يقرر تصنيفهم على انهم إرهابيين فهو سيعطي الضوء الأخضر لمؤسسات الدولة العراقية في مقاتلتهم، حينها سيصبح العراق جندياً بالإنابة، أي أن العراق سيكون نيابة عن تركيا وإيران.
هذه الجماعات الإيرانية حتى وان كان لديها بعدا أيديولوجيا هي لا تهدد أمننا القومي لان هذه المعارضة الكوردية الإيرانية لديها تصورات عن إقليم كوردستان وتعرف حجم الاحراج للإقليم بصفة خاصة والعراق بصفة عامة، وبالمناسبة كورد إيران لديهم تطلع في استعارة تجربة إقليم كوردستان العراق وكورد تركيا يريدون حكما ذاتيا، والحل الأمثل بدلا أن نلجأ إلى خيار الحرب لنذهب إلى اتجاه التسوية السياسية أي اعطائهم حقوقهم في المناطق التي تسمى كوردستان ذات الأغلبية الكوردية، لأنهم ملاك الأرض ويجب اعطائهم مرونة سياسية وحكما ذاتيا أو فيدرالية كما حصل في العراق والسماح لهم بممارسة نشاطهم السياسي حينها سيتخلون عن العنف.
برأيي القضية الحقيقية للتصعيد السياسي والإعلامي ليست المعارضة الإيرانية، بل هي مرتبطة بإقليم كوردستان، ففي قمة العشرين التي اختتمت أعمالها في الهند قبل أيام نجد أن واحدا من الفواعل الإقليمية التي تدفع إيران باتجاه الضغط على إقليم كوردستان هو أن الإقليم بات جزءا لا يتجزأ من منظومة معادلة الطاقة، ليس في المنطقة فحسب بل في العالم، حيث يمتلك 3% من مخزون الغاز في العالم، ومعنى ذلك إنه بدأ بالاكتفاء الذاتي ويحقق الوفرة للطاقة بالنسبة للبترول أو الغاز، وكوردستان أصبحت جزءا لا يتجزأ من معادلة التوازن الإقليمية، فعلى سبيل المثال أصبحت تركيا ناقمة من قضية تغيير معابر الطاقة وقد تذهب باتجاه الأردن وسوريا، كما أن الاتفاق بقمة الـ 20 لربط الهند وأوروبا بسكك حديد وموانئ عبر الشرق الأوسط والذي يهدف إلى ربط دول الشرق الأوسط من خلال السكك الحديدية وربطها بالهند من خلال الموانئ