أهم الأخبارمقالات

المملكة المتحدة تقف إلى جانب العراق في التصدي لخطر الكبتاغون

 

توم توغنهات

إن من دواعي سروري أن أعود في زيارة أخرى إلى العراق هذا الأسبوع. وكم سُررت برؤية التحسن الملحوظ في الوضع الأمني، وفائدة تحسنه بالنسبة للمواطن العراقي العادي. لكن كم كانت صدمتي كبيرة حين علمت أن العراق يعاني بشكل متزايد من آثار التجارة غير المشروعة بالمخدرات – وهي مشكلة يعاني منها أيضا بلدي أنا والعديد من البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم.

لقد كان العراق لسنوات عديدة طريقاً لعبور المخدرات غير المشروعة. واليوم أصبح سوقاً لها، بل منتجاً لمخدرات مثل كريستال المثامفيتامين والكبتاغون والهيروين، التي لها آثار مدمرة على حياة العراقيين ومجتمعاتهم – وهي مشاكل نعرفها جيداً نحن أيضاً في المملكة المتحدة. فللأسف يُطلق علينا اللقب المشؤوم بكوننا سوق الهيروين الرئيسية في أوروبا، ولدينا أكبر عدد من الوفيات من ضحايا تعاطي الهيروين. وعادة ما يمر الهيروين المُرسل إلى شوارع المملكة المتحدة عبر هذه المنطقة، ومن هنا ندرك أن التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات هو السبيل الوحيد للتصدي لهذه المشكلة.

أودّ اليوم التركيز على مخدر يثير قلقاً متزايداً بسبب الضرر الذي يُلحقه بالعراق وبالمنطقة عموما، ألا وهو الكبتاغون الذي يشكل تهديداً جديداً ما زلنا نتعلم طبيعته وآثاره. حيث يعاني الشرق الأوسط من العبء الأكبر من الآثار المدمرة لهذا المخدر الذي أصبح الآن المخدر الرئيس الذي يجري الاتجار به بشكل غير قانوني في هذه المنطقة، إذ ضُبطت في العراق 250 ألف حبَّة خلال شهر يونيو/حزيران، هذا إضافة إلى ضبط شحنات في وقت سابق من العام الحالي في الأردن والسعودية والإمارات والكويت وعُمان وتركيا.

لكن ما زلنا نكوّن صورة كاملة حول تبعات هذا المخدّر على من يتعاطونه، خاصة بالنظر لأن مكوناته يمكن أن يتراوح تنوعها بشكل كبير، وهو ما من شأنه أن يتطلب إجراء المزيد من الدراسة والبحث. بيد أننا نعرف أن المخدر يتسبب في إدمان يدمر حياة المدمنين ومجتمعاتهم، وأكثر المتضررين منه هم الشباب، ويؤدي إلى ارتكاب المتعاطين لجرائم أخرى – كالقتل والسرقة والفساد – ناهيك عن زرع بذور الصراع وعدم الاستقرار. والعواقب الجنائية لتجارة الكبتاغون، وما تلحقه من أضرار بالعائلات والمجتمعات، واضحة للعيان، وهي تشكل تحدياً يتفاقم سوءاً باطراد، وتسبب أذى طويل الأجل لعدد متزايد من الضحايا.

نظام الأسد في دمشق هو دافع رئيس للاتجار بالكبتاغون. حيث تظهر الأبحاث أن في 72% من المضبوطات المسجلة، يمكن تتبع شحنات الكبتاغون إلى المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام. فالإتجار بالمخدرات يعتبر بمثابة شريان الحياة المالي للنظام السوري؛ والميزانية السنوية لسوريا البالغة 2.3 مليار دولار لا تساوي شيئا مقارنة بعوائد الإتجار بالكبتاغون المقدّرة بمليارات الدولارات. ولكن، وكما يتضح للأسف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري، فإن فائدة تجارة الكبتاغون تقتصر على النظام السوري وداعميه. والآن أصبح الكبتاغون يُنتج في العراق، حيث وردت أنباء في الشهر الماضي عن وجود أول معمل للكبتاغون في البلاد.

الواقع أنه ليس بمقدور دولة بعينها أن تتصدى لمشكلة تجارة المخدرات بمفردها. ولحسن الحظ أننا شهدنا تضافراً في جهود زعماء المنطقة – بمن فيهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني – للعمل معاً للتصدي لهذه المشكلة. وقد أوضح السيد السوداني مدى خطورة تجارة المخدرات، وساوى بين خطرها وخطر الإرهاب. ومثلما تكاتفنا معاً لمكافحة داعش، ينبغي على المجتمع الدولي العمل بشكل وثيق مع شركاء موثوقين في المنطقة لمكافحة هذا التهديد الجديد.

ومن هنا، تفخر المملكة المتحدة بكونها في طليعة الجهود الدولية بهذا الصدد: فهي أول من أثار قضية الكبتاغون في مجلس الأمن الدولي؛ وأعلنت عن طائفة من العقوبات في وقت سابق من هذا العام لاستهداف أكبر المستفيدين من تجارة الكبتاغون؛ وقدمت التمويل لنشاط مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة في المنطقة عموماً.

من المؤسف أن للمملكة المتحدة تاريخا طويلا في الكفاح ضد المخدرات، لكن هذا يتيح لنا مشاركة رؤيتنا وخبراتنا في مكافحتها، بما في ذلك من خلال استراتيجيتنا الممتدة لعشر سنوات بشأن المخدرات لتقليل العرض والطلب، وتقديم علاج عالي الجودة للمدمنين عليها، ووضع نظام للتعافي من آثارها.

إن التحسن الكبير في الوضع الأمني في العراق قد تحقق بشق الأنفس. وتودّ المملكة المتحدة دعم العراق في حماية أمنه الذي تهدّد هذه التجارة المقيتة بتقويضه.

وقد كان القصد من زيارتي إلى العراق هذا الأسبوع هو تعزيز وتطبيع العلاقات الأمنية بين المملكة المتحدة والعراق. هذا يعني العمل معاً، كشركاء على قدم المساواة، للتصدي للتهديدات المشتركة لأمننا. وستكون مكافحة تجارة المخدرات ركيزة أساسية لهذه الشراكة، وأنا حريص على أن نعمل معا لضمان عدم تمكن هؤلاء المجرمين الأشرار من تدمير حياة المزيد من الناس، سواء في العراق أو في المملكة المتحدة.

نقلا عن العربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى