أمن الخليج والقلق الأمريكي!
أحمد بن حسن الشهري
الخليج العربي بموقعه الاستراتيجي بين ثمان دول مشاطئه 7 عربية إضافة لإيران جعل لهذه البحيرة التي لا تتجاوز مساحتها (233100 كلم مربع) أهمية بالغة على خارطة العلاقات الدولية بين الشرق والغرب هذا إذا علمنا أن ما يقارب من 32,7% من الإحتياطي العالمي من النفط يقبع تحت مياه هذا الخليج!
لذا نجد أن هذه المنطقة من العالم كانت ولا زالت وستظل محط اهتمام العالم ففي الماضي كانت ممراً لتجارة اللؤلؤ والصيد وطرق التجارة من الهند وشرق آسيا إلى الجزيرة العربية والعراق وإيران أما اليوم فهي تشكل محور إهتمام العالم لوجود الطاقة من النفط والغاز الذي يشكل عصب الصناعات والتجارة العالمية مما جعل القوى الإستعمارية العظمى تتسابق إلى مياه الخليج منذ نهاية الحرب العالميتين ولتنطلق مرحلة جديدة من العلاقات بعد ظهور النفط بكميات تجارية واستقلال دول الخليج وتوحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله كما أن الجار المشاطيء من ناحية الشرق وهو إيران القديمة والحديثة قد زاد من تسليط الضوء على هذه المنطقة نتيجة السلوك العدواني من قبل إيران ومحاولاتها الدائمة في التمدد نحو دول الخليج والتي انتهت باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث والأطماع في البحرين والتغول في العراق ليصبح حديقة خلفية للنفوذ الإيرانية في المنطقة.
من هنا نسجت دول الخليج علاقات وشراكات مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا ممثلة في فرنسا وبريطانيا لإقامة شركات إقتصادية وعسكرية وبناء المنظومات الدفاعية والعسكرية لمواجهة الأطماع الإيرانية المزعومة لأمن الخليج من العهد الإيراني السابق حتى عهد ثورة الخميني 1997م والتي انتهجت سياسة تصدير الثورة للخارج وكان اتجاهها للدول العربية ودول الجوار تحديداً هذا النهج الإيراني جعل منطقة الخليج غير مستقرة بل أعطت المجال للقوى الدولية أن تحرك اساطيلها لمياه الخليج للحفاظ على أمن الملاحة الدولية وأمن ناقلات النفط التي تعبر مضيق هرمز باتجاه بحر عُمان إلى بحر العرب والتي شهدت حرب الناقلات إبان حرب الخليج الأولى والثانية واستدعى ذلك عملية تسليح خليجي لمواجهة هذه الأخطار المحدقة واستدعى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية كبريطانيا لإرسال قوات عسكرية بعضها يتمركز في دول الخليج وبعضها في المياه الدولية وهذا من شأنه جعل هذا الخليج بحيرة صراع نفوذ ومصالح دولية للقوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان وكوريا التي تلبي معظم احتياجاتها النفطية من دول الخليج.
من هنا يتضح حجم المعاناة التي تحيط بدول الخليج من هذه التوترات وصراعات النفوذ في هذه المنطقة الحساسة من العالم وكانت هذه الدول تدير هذه الصراعات بحكمة وروية ودبلوماسية متوازنة نجحت في تجنيب دولها وشعوبها الإنزلاق في حروب وصراعات دامية تورث الفقر والدمار والتشرد كما نشاهد في عدد من الدول التي دخلت في الفتن الداخلية وصراعات النفوذ الخارجية.
ومن المحطات التاريخية في تسوية الصراعات في منطقة الخليج كان الإتفاق السعودي الإيراني الذي تم توقيعه في بكين برعاية صينية ليضع بذلك حداً لسنوات من القطيعة والتوتر الذي القى بظلاله على المنطقة جمعاء وأعطى الذرائع للتدخلات الخارجية بحجة حماية المصالح الإقتصادية الدولية وصلت لحد إبتزاز دول الخليج بتعظيم الخطر الإيراني الذي وصل لحد البعبع بل يرى بعض الخبراء إنه خطر مصطنع بطلته إيران ومخرجه الغرب الذي يرغب أن تبقى منطقة الشرق الأوسط صراع ونفوذ وانشغال بالتسلح دون تنمية وبناء وتطور ونافس نظراً لما تملكه هذه المنطقة من قدرات بشرية واقتصادية يمكن لو تفرغت للعمل والبناء والتطور سوف تتفوق على الغرب الذي يفتقد إلى المقومات التي يمتلكها الوطن العربي على الصعيد الجغرافي والبشري والثروات الإقتصادية والمعادن والممرات المائية والإستراتيجية والمعادن الثمينة والشباب الذين هم وقود هذه الدول إضافة إلى وحدة الدين واللغة والمصير لذى تجلت الحكمة السعودية في السعي لتصغير المشاكل في المنطقة وإطفاء هذه النزاعات من خلال الحوار المباشر وتطبيق سياسة فن الممكن والعمل على المشتركات وترحيل الخلافات للحوار والمفاوضات وهو ما حدث فعلاً من إعادة العلاقات السعودية الإيرانية وإعادة نظام بشار للمحيط العربي والتفاهم معه ميليشا الحوثي الإنقلابي للبحث عن حل ينهي الصراع اليمني لعودة الدولة ودحر الإنقلاب وفق القرارات الدولية.
وقد حققت السعودية هذه النجاح الذي صفق له العرب والمسلمين وقبله دعاة السلام والإستقرار وإن كان لم يحظى بقبول الذين لا يتمنون الإستقرار للعرب والمسلمين.
لذا رأينا عودة الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً بطريقة ملفتة تمثلت في إرسال عدد من القطع البحرية وحاملات الطائرات وطائرات F-16 الإستراتيجية مدعية أن هذا التحشيد للحفاظ على أمن الخليج ضد التهديدات الإيرانية!
والسؤال المطروح: لماذا التهديد الإيراني وقد التزمت إيران في اتفاق بكين بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول وبدء الخطاب الإيراني والتصالحي المطمئن لدول الخليج بالأمن والسلام؟ لماذا المناورات الإستفزازية في الجزر الإمارتية المحتلة؟ لماذا التهديد بالدخول كشريك في ثروات حقل الدرّة السعودي الكويتي؟
هذه التحركات تتنافى مع أجواء السلام التي تخيم على المنطقة والتي تسعى السعودية من خلالها لتصغير المشاكل في الشرق الأوسط وتغليب لغة الحوار على لغة التهديد والصراع؟ بل إنها تعيد طرح السؤال مرة ثانية: كيف تتوازن تحركات السلام وتحركات التوتر والصراع؟
خلال حوار عبر إحدى القنوات الفضائية ذكر المحلل السياسي الإيراني أن هناك دولاً وجهات تسعى إلى إفشال اتفاق بكين وإعادة التوتر للمنطقة؟
فكان رد المذيع عليه صدمة له حين قال: أنتم بهذه التحركات تقفون مع من يريد إفشال اتفاق بكين بل كـأنكم تعطونه المبرر للعودة للخليج وتوتير الصراع من جديد؟ لم يملك الزميل الإيراني إجابة وقد أردفت على رد المذيع بأن التصرفات الإيرانية تعطي إشارة إلى أن إيران تقدم دوراً وظيفياً لإستجلاب القوات الأجنبية لمياه الخليج وإعادة التوتر للمنطقة من خلال التحركات الإيرانية؟ وهذا يفسر الحشود الامريكية في مياه الخليج وعودة القطع البحرية وحاملات طائرات وطائرات F-16 الإستراتيجية تحت ذريعة محاربة التهديدات الإيرانية؟
إذاً نحن أمام مشهد يحتاج إلى تفكيك يمكن فهمه بشكل أكثر وضوحاً يتمثل في أن إدارة بايدن وكما هو حال الديموقراطيين لا بد من صراع أو حرب أو تهديد مع كل إنتخابات أمريكية ولها في ذلك أساليب لم تعد خافية على المراقبين فمن أجل أن تجد الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة للعودة للخليج وشمال سوريا وإرسال الآف الجنود وإعادة المنطقة لأجواء الصراع كان للتخادم المعروف دوراً بارزاً بعودة البعبع المعروف لأفتعال أزمة ليكون هناك مبرراً لأرسال الجيوش والقطع البحرية لمياه الخليج لكبح تهديدات إيران ولشمال سوريا لكبح تهديدات داعش؟
وكان ثمن هذا التخادم 17 مليار دولار تم الإفراج عنها من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية والعراق وأن كان الافراج عن المعتقلين هو السبب الظاهر! فهل يعقل أن تحارب دولة وتعطيهما 17 مليار مكافأة؟
أعتقد أن هذه السياسة الأمريكية تسير في طريق التخطيط والإرتباك الذي بدأ من فترة أوباما ثم ترامب واتضح جلياً في عهد إدارة بايدن فقدان البوصلة واتضح غياب القرار الحاسم وهذا ما جعل الكيانات الإرهابية خارج الدول تقوى ويزداد نفوذها كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن وافريقيا هذه سياسة الديمقراطيين الوقوف مع الكيانات ضد الدول! وهجمات داعش في سوريا مثال ذلك! فهذا التنظيم يدخل الإنعاش متى ما أريد له ذلك ويموت متى دعت الحاجة ويعود قوياً حاضراً إذا لزم الأمر ودعت الضرورة!!
كما أن محاولة تشتيت الجهود الروسية في سوريا وأفريقيا وفتح جبهات متعددة ضمن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لمحاولة كسر روسيا في حربها مع الغرب على أرض أوكرانيا ونقل هذه التوترات إلى بحر قزوين والبحر الأسود وبحر آزوف لمحاولة مزيد من الضغط على روسيا وخلخلة تحالفاتها أو لنقل علاقاتها المتوازنة مع الدول العربية وشرق أسيا في البريكس ومنظمة شنغهاي في اطار سعي هذه التحالفات لكسر التحالفات الغربية وإبراز تحالفات جديدة سحبت البساط من تحت أقدام الغرب الذي يمر بظروف اقتصادية وتضخمية صعبة قد تدفعهم لإفتعال أزمات سياسية أو عسكرية أو جوائح بيولوجية كعودة متحور جديد من فيروس كوفيد 5.
أذاً نستطيع القول أن القلق الأمريكي من ظهور القطبية العربية وخروج كثير من الحلفاء التقليديين عن إطارها وبناء تحالفات جديدة وإمكانية خروج الدولار من عملة عالمية واستقلال سوق الطاقة وقوة أوبك وأوبك بلس في إدارة هذا الملف بنجاح وفشل المساعي المستميتة الأمريكية في تحقيق إختراق في إقامة علاقة سعودية إسرائيلية كل هذه الملفات تشكل القلق الأمريكي الذي أعتقد أن أمريكا ستفشل في الحصول على الكبسولة المهدئة المناسبة لعلاج هذا القلق!!