لقمان سليم الكاتب المثقف وحارس اللغة العربية
عبده وازن
قبل أن ينخرط الكاتب لقمان سليم الذي اغتيل فجر اليوم، في عالم السياسة من باب المعارضة السلمية، وقبل أن يصبح معلقاً سياسياً، جريئاً وشجاعاً، تستجلي مراجع عدة ومواقع إعلامية آراءه في ما يحصل ويجري، كان أديباً ولغوياً ومترجماً وقارئاً شغوفاً، يجيد الفرنسية والإنجليزية والألمانية، عطفاً على تعمقه في أسرار اللغة العربية، فقهاً وبياناً وبلاغة.
وفي نهاية الثمانينات ارتأى مع شقيقته الكاتبة رشا الأمير أن يؤسسا داراً للنشر، فريدة في توجهها الإبداعي وغير طامحة إلى الربح، وأطلقا عليها اسم “الجديد”، وراحا ينشران لروائيين وشعراء جدد وشباب من لبنان والدول العربية. وسرعان ما راج اسم الدار وصار لها موقعها في عالم الشعر الحديث خصوصاً، والرواية والقصة والفكر والترجمة، وفي عالم الأبحاث اللغوية.
وفي هذا القبيل عمدت الدار إلى إعادة نشر كتب العلامة الشيخ عبدالله العلايلي وقاموسه في طبعات أشرف هو عليها. وركزت الدار على بعض الكتب الإشكالية في التراث فأعادت طبعها، ومنها كتاب “في الشعر الجاهلي” لعميد الأدب العربي طه حسين. ولا تحصى عناوين الكتب المهمة والطليعية التي دأبت الدار على نشرها تباعاً، ومنها ترجمات من لغات عدة.
ونشرت الدار أيضا بضعة كتب للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي. ولعل ما اتّسمت به دار “الجديد”، حرصها على اللغة السليمة، الخالية من الأخطاء اللغوية والطباعية. وكان لقمان يسمح لنفسه برضا المؤلفين، أن يتدخل في تهذيب بعض النصوص وسبكها لتخرج متينة وخلواً من الركاكة.
أقام لقمان سليم في باريس خلال الحرب اللبنانية، درس الفلسفة في جامعة السوربون، وكتب مقالات ودراسات، وشارك الشاعر العراقي السوريالي عبد القادر الجنابي في إنتاج بعض منشوراته والبيانات السوريالية المحتجة ثقافياً وسياسياً.
ولما عاد إلى بيروت، انصرف إلى الترجمة والكتابة في صحف ومجلات، ومن ترجماته بالتعاون مع المفكر وضاح شرارة مختارات من نصوص الكاتب الروماني الفرنسي إميل سيوران، وقد أحدثت سجالاً حول مفهوم الترجمة، نظراً إلى اعتمادهما لغة عربية يمكن وصفها بـ “المقعرة”. وشارك من موقع الصدارة في معارك ثقافية عدة، ضد الاحتلال السوري وقضية السجناء والمخطوفين وضد مشروع سوليدير الذي بدّل معالم بيروت.
مركز”أمم”
وقبل بضع سنوات أنشأ مركزاً ثقافياً لبنانياً وعالمياً اسمه “أمم” وانطلق من خلاله في أنشطة فكرية وفنية وأدبية مهمة وطليعية، وأنجز أفلاماً توثيقية فريدة عن السجناء اللبنانيين في الزنزانات السورية وعن المخطوفين وعن الحرب الأهلية اللبنانية. تميّزت هذه الأفلام التي شارك في كتابتها وإخراجها بجرأتها ودقةّ وثائقها.
كان لقمان مثقفاً حراً، علمانياً وطليعياً، نشأ في كنف عائلة معروفة بثقافتها وانفتاحها ورفضها الطائفية. والده محسن سليم كان من كبار المحامين والسياسيين، آمن بوطن واحد وديمقراطي، ودافع عن قضايا وطنية وثقافية، وكان خلال الحرب الأهلية جسر حوار بين القوى اللبنانية المتخاصمة، وبين المراجع الروحية المختلفة. أما والدته سلمى مرشاق، فسيدة مصرية مسيحية، علمانية، كاتبة ومثقفة كبيرة وقارئة من الطراز الرفيع.
يملك لقمان سليم وشقيقته الكاتبة رشا الأمير، ووالدته، مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب في شتى الميادين واللغات، وكانت مفتوحة أمام الزائرين والقراء، وقد ضُمّت إليها مكتبات عدة تبرع بها كتاب وأدباء، او تمّ شراؤها.
اغتيال الكاتب والناشط الديمقراطي لقمان سليم، ليس اغتيالاً سياسياً فحسب، بل اغتيال فكري وثقافي، فالكاتب كان واحداً من رموز لبنان الديمقراطي والعلماني مثله مثل الكتاب والمفكرين الذين سبقوه إلى الرحيل غيلة، وفي مقدمهم حسين مروة ومهدي عامل والشيخ العلامة صبحي الصالح وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي.
في الفترة الأخيرة نشط لقمان سليم على موقعه في الفيسبوك، وكانت له تعليقات طريفة وذكية، سياسية وثقافية، وكانت تلقى ردودا لدى متابعيه.
نقلا عن اندبندنت عربية