ذكرى حرب العراق.. استحضارُ كارثة
قبل عشرين عاماً من الآن، غزت القوات الأميركية العراقَ في مارس 2003، وكان الهدف المعلَن هو الإطاحة بصدام حسين، وتخليص البلاد من أسلحة الدمار الشامل، وتنمية مجتمع أكثر إنسانيةً وديمقراطيةً. واليوم يُعتبر غزو العراق من قبل الكثيرين أكثر أخطاء السياسة الأميركية كارثيةً في الذاكرة الحديثة.
منذ عام 1941 وحتى اليوم، شاركت الولايات المتحدة في 6 حروب كبرى. كانت الحرب العالمية الثانية النزاع الأكثر عنفاً ووحشيةً، لكن على الرغم من عدد الإصابات الكبير والتكاليف الاقتصادية المرتفعة، فإن معظم الأميركيين ما زالوا يرون أنها كانت «حرباً عادلةً». وبعد خمس سنوات على ذلك، كانت الحرب الكورية التي بات يُشار إليها اليوم بـ «الحرب المنسية»، ولم تكن حرباً حاسمةً، لكن المشاركة فيها حظيت بدعم مجلس الأمن الدولي ومنعت النظام الشيوعي في الشمال من غزو كامل شبه الجزيرة الكورية. واليوم، تُعد كوريا الجنوبية واحدة من أكثر الدول ازدهاراً في العالم.
التدخل العسكري الأميركي في فيتنام بدأ ببرامج مساعدة محدودة، غير أنه خلال إدارة ليندون جونسون كان مئات الآلاف من الجنود الأميركيين منخرطين في معارك برية في فيتنام. ونظراً لأن الجنود كانوا في معظمهم من المجنَّدين الجدد، فقد تعرضوا لعدد كبير من الإصابات، وأصبحت تلك الحرب غير شعبية على نحو متزايد. وكان من نتائج انتخاب ريتشارد نيكسون في عام 1968 أن عرفت الحرب مزيداً من التصعيد وامتدت رقعتها إلى كمبوديا. ولاحقاً أشرف خلفُه جيرالد فورد على الانسحاب المذل من سايغون في أبريل 1975. وتعهد الأميركيون بألا يخوضوا بعدها حرباً بريةً في آسيا أبداً.
غير أنه في عام 1991، بعد غزو صدام حسين للكويت، قاد الرئيس جورج إتش دبليو بوش عمليةَ تحرير ناجحة للكويت تم خلالها تدمير وحدات القتال العراقية الرئيسية. لكن صدام بقي في السلطة واستمر في حكم العراق بسلطات قوية. وكانت الفترة الممتدة من 1991 إلى 2001 أوج القوة العالمية لأميركا. وكان الاتحاد السوفييتي قد أيّد حرب الخليج، لكنه تفكك في ذلك العام، جزئياً بسبب حربه الفاشلة في أفغانستان. وبدا أن الحرب الباردة قد وضعت أوزارها أخيراً.
ثم أتت هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، وكان الرد المباشر عليها هو شنّ حرب على أفغانستان للقبض على ابن لادن وإسقاط نظام «طالبان». لكن الولايات المتحدة اختارت البقاء في أفغانستان من أجل إعادة بناء البلاد. غير أن الموارد اللازمة لتحقيق ذلك لم تكن متوفرةً بسبب قرار واشنطن الذهابَ إلى حرب مع العراق.
الأيام الأولى من حرب العراق مضت بشكل جيد: إذ أُلقي القبض على صدام حسين، وسيطرت الولايات المتحدة على البلاد. لكن بسبب انعدام الكفاءة وسلسلة من الأخطاء التاريخية، فشلت الجهود الرامية إلى فرض حكومة تمثيلية. ثم سقطت البلاد في حرب أهلية وقُتل أكثر من 4 آلاف أميركي ومئات الآلاف من العراقيين. كما أُنفقت مبالغ هائلة من الأموال في العراق. وأنهت الولايات المتحدة وجودها العسكري المباشر في العراق رسمياً في عام 2011، على الرغم من أنها تركت وراءها قواتٍ خاصةً وقدراتٍ جويةً استُخدمت لإخماد انتفاضة «داعش» في عام 2014. كما واصلت الولاياتُ المتحدةُ عملياتِها العسكرية في أفغانستان إلى غاية الانسحاب المفاجئ في صيف عام 2021.
معارضة حربي العراق وأفغانستان قوّت وشجعت المنتقدين الذين يرغبون في تقييد الانخراط الأميركي في أوكرانيا. إذ يحاججون بأن «المحافظين الجدد» الذين روّجوا لقرار غزو العراق ما زالوا نافذين جداً. وفي الأثناء، يستخدم خليط من التنظيمات اليسارية المناهضة للحرب والانعزاليين الجدد داخل الحزب الجمهوري كارثةَ حرب العراق لخوض حملة ضد «الحروب الأميركية التي لا تنتهي».
وخلاصة القول هي أنه طالما أن الولايات المتحدة ليس لديها جنود يقاتلون في أوكرانيا، فإن دعم الجمهور لسياسة تسليح أوكرانيا التي ينتهجها بايدن سيستمر. غير أنه إذا كانت هناك انتكاسة كبيرة على الميدان وتصعيد في الحرب، فإن ذكريات العراق وأفغانستان ستُستخدم من أجل تقييد التدخل الأميركي والبحث عن توافق مع روسيا.
* نقلا عن الاتحاد