أهم الأخبارمقالات

الواقع العراقي ولعبة المصالح الحزبية الدارجة

عصام الياسري

مراجعة أصل الكلام الذي يستعمله السياسيون العراقيون وكشف عوراته، ضروري للحالة المأساوية التي يمر بها العراق منذ ستة عقود، افتقد المجتمع خلالها استخدام السياسيين لغة واضحة خالية من الغموض والكذب والنفاق والتأويل.

إذ يتعرض المشهد السياسي العراقي إلى أحداث خطيرة، كان على الأحزاب والساسة التصدي لها بطريقة سياسية” قيمية “متناغمة أخلاقيا مع مبدأ الصراحة والمسؤولية الوطنية في جانبيها الإداري والمجتمعي. بمعنى آخر أن تكون منسجمة مع المبادئ المختبرية المتعلقة بالمسألة” الوطنية “وبناء الدولة المدنية الحديثة، وليس” تغليب “مصلحة الحزب على المصالح الوطنية كما هو دارج لدى مجمل الأحزاب داخل السلطة وخارجها. يقودنا ذلك إلى التساؤل: كيف يحصل التقارب الموضوعي بين المجتمع والطبقة السياسية إذا لم تستطع هذه الطبقة” الحزبية “الجمع بين مفردات” لغتها السياسية “بشكل واضح وصريح لصالح الوطن ومجتمعاته؟ وماذا يميز كل هذه الأحزاب عن بعضها، عقائديا وتنظيميا، وهي جميعها غير صادقة أمام المجتمع ولا تدين بالولاء إلا للحزب وللطائفة والعشيرة وليس للوطن كما تعزو إليه وقائع أهدافها الاستراتيجية العملية والتثقيفية؟.

يشير” علم السيميائيات “إلى أن أسلوب اللغة” الكلام السردي “في الحياة السياسية العامة، قدرة لإذكاء الغموض والتأويل والتسويف لغايات سياسية تتيح للأحزاب الأيديولوجية العقائدية سحب البساط من تحت إقدام المجتمع وتضليله بأشكال نمطية مباشرة أو غير مباشرة. وهي أساليب تتقنها وتتميز بها الأحزاب السياسية العراقية ومنتسبوها داخل المحيط الحزبي وخارجه، على قاعدة ما علينا الاستفادة منه لصالح الحزب، ليس بالضرورة كشف دلالاته للعلن. ويبدو كما تشير الوقائع والأحداث المتعلقة بالحياة العامة على المستويين الوطني والمجتمعي وما يحيطهما من مشهد سياسي وإداري واقتصادي وقانوني وأمني مرتبك لأكثر من تسعة عشر عاما عجاف.

إن العديد من الأحزاب وقياداتها الفاعلة على الساحة العراقية، داخل السلطة وخارجها، لم تتعلم إن لم نقل، لم تتقن مهنة فن السياسة أو قادرة لأن تتصالح مع أبجديات” اللغة السياسية “موضوعيا وواقعيا بالقدر الكافي من الصراحة والمصداقية والوضوح. فالممارسة السياسية في إطاريها النظري والعملي في الشأن العراقي مليئة بالتناقضات والتبريرات الساذجة… فعلى سبيل المثال لا الحصر، انتشرت في الآونة الأخيرة على على لسان بعض الساسة المتنفذين حزبيا وسلطويا، أحاديث متناقضة حول العديد من القوانين من بينها، قانون الانتخابات ولائحة تنظيم المحتوى الرقمي، استهجنها المجتمع وتعرض لها الإعلام بشكل واسع. بيد أن هذه الأحزاب الأيديولوجية الماسكة بالسلطة دوما ما تكشفت عن عورتها ونفاقها العقائدي فيما يتعلق بموقفها من “الدولة والمصالح الوطنية”، القضيتين المركزيتين اللتين سعى السياسيون لأغراض حزبية مقايضتهما بـ” السلطة ومصالح الحزب “رديفا لـ ” الدولة ومصالحها”، بمعنى آخر الاستحواذ على السلطة “لصالح” الحزب على حساب “الدولة “الوطنية. فالأحزاب دون استثناء تتحدث بأنها إلى جانب الدولة وحفظ أمنها” الجيوديموغرافي”، لكنها من الناحية العقائدية، لا تدين إلا بالولاء للحزب ومصالحه.

إنه لمن المؤكد إذا ما انسلخ الحزب وقادته لأسباب أيديولوجية، عن احترام مصالح الدولة والمجتمع ومقايضتها بمصالح الحزب، فسيخسر القاعدة الجماهيرية ولم تعد له مكانة مؤثرة بين الأوساط السياسية والشعبية، كما ويفقد ثقة المجتمع به وعجزه عن إنتاج الأساسيات الخاصة بتطوير الحياة السياسية وتفاصيلها المجتمعية في كل مناحي الحياة في العراق.

يفترض من الناحية الموضوعية والمبدئية، أن يمارس، الحزب، أي حزب،” لغة حكيمة”، واضحة وصادقة تجتمع على أساسها كل اعتبارات المجتمع وليس العكس الذي تعمل به أغلب الأحزاب العراقية، التي أصبح وجودها وصوتها مجرد ضوضاء، بسبب ما اقترفته من مآثم وطنية ومجتمعية وكذب وتسويف وتغليب” مصالحها الحزبية “على المصالح العليا للدولة والشعب الذي يفترض على الأحزاب من ناحية المبدأ خدمته وصيانة حياته باعتباره مصدر السلطات وأساسها الحقيقي لمواجهة أي طاريء يتعرض لمصالح الوطن وشعبه. الخطير كيف سمح هؤلاء لأنفسهم “وهم كما يقولون دعاة الوطنية؟” التغطية على نوايا الاحتلال وتضليل شعبهم لقبول دستور يحتوي على الكثير من التأويل والثغرات القانونية التي تضر بمصالح العراق والعراقيين ومستقبلهم. ألا كان الأحرى بهم الخروج آنذاك في وسائل الإعلام للوقوف دفاعا عن وطنهم بوجه تمرير الدستور وكشف مساوئه وخطورته أمام الشعب العراقي؟. وكيف لهم أن يكونوا شهود زور آنذاك بامتناعهم عن قول الحقيقة من أن ما سمي “الاستفتاء الشعبي” على الدستور لم يكن إلا مسخرة. والحقيقة التي يعرفها القاصي والداني، أن سلطة الاحتلال فرضت على مجلس الحكم إبان الانتخابات التشريعية الأولى، اعتبارها استفتاءا على وثيقة الدستور على الرغم من أن نسبة المشاركة لم تكن تتعدى آنذاك الـ 30 % من أصوات الناخبين!

لعنة “اللغة” وليس “لعنة التاريخ” فحسب، ستلاحق الأحزاب وقادتها ومنهم السياسيين الحكوميين والحزبيين، الذين شاركوا على مدى تسعة عشر عاما ونيف في خداع الشعب العراقي وإيقاع الضرر به وبمصالحه الوطنية والمجتمعية، وانتهاكهم الحقيقة وحفظ الأمانة وخراب الوطن ونهب خيراته والمتاجرة بأراضيه وحرمته الجغرافية، واستخدام ما يسمى بـ “العملية السياسية” لصالح الطبقة الحاكمة التي حولت التنافس السياسي الشريف إلى صراع مصالح ونفوذ من الصعب وضع حد له أو التمرد عليه لصالح الشعب والدولة ومصالحها المقدسة…

إنه من أسوأ الخطايا التي ارتكبتها وترتكبها الأحزاب العقائدية وقادتها جرف نظام “الطاعة للحزب” نحو الهيمنة الكاملة على حرية الإبداع الفكري والمجتمعي، الذي من شأنه أن ينهض بالكادر الحزبي ليصبح فاعلا وطنيا في الحياة السياسية وإصلاح الأوضاع العامة وتطويرها، ليحل محله مفهوم “قداسة الحزب” وجعله منهج لتحقيق مصالحه اولا، ومآرب قياداته الحزبية ثانيا، للهيمنة على احتكار السلطة والدولة معا.

نقلا عن المدي

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى