مقالات

“بيان العُلا”.. إيران الخاسر الأكبر

خالد المطرفى
 
تعي الحكومة السعودية جيداً الأهمية الاستراتيجية المُكتسبة لقمة العُلا الخليجية، كونها تأتي في ظروف إقليمية دقيقة وحساسة، ومواجهة العالم عدداً من التحديات الطبية والاقتصادية والأمنية، وهو ما يجعل تعزيز التعاون بين الدول الخليجية أمراً مصيرياً لا يمكن التراجع عنه تحت أي مبرر كان..
تُبرهن السعودية – كما في كل مرة – أنها بحق بيت “الخليج” و”العرب”، وما التداعيات الإقليمية والدولية الإيجابية، حيال القمة الخليجية الـ41 المنُعقدة في “العُلا”، وما تمخض عنها من أجواء المصالحة بين دول الرباعي وقطر، إلا أحد هذه الملامح الجيوسياسية، التي تفضي إلى توحيد الأسرة الخليجية لمواجهة التحديات.
وفي تصوري أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان دقيقًا جدًا من حيث الرسائل السياسية في قمة “العُلا” التي أعتبرها من وجهة نظري استثنائية بكل امتياز، ولا تقبل التأويل أبدًا، وهنا تكمن القوة “الدبلوماسية” للسعودية، عندما تسمي الأمور بمسمياتها الصريحة، قائلًا: “إن هناك حاجة ماسة اليوم لتوحيد جهودنا، للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، لا سيما التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية، وخططها للتخريب والتدمير”.
من الأبعاد السياسية لقمة “العُلا”، طي صفحة الخلاف بين الدول الخليجية وإعادة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة، وما يُحسب للرياض هنا، أن جميع الدول بما فيها مصر وقعت على بيان “العُلا”، دون تسجيل أي ملاحظات، ما يؤكد مدى ثقل القيادة السعودية على المستويين الإقليمي والدولي، ونجاح لإدارتها السياسية لأهمية عقد هذه القمة في إطار تعزيز التضامن الخليجي، وتوحيد الصف والنهوض بالتعاون إلى مجالات أوسع.
وهناك جانب ربما يغيب عن كثير من مسارات الرأي العام الخليجي عمومًا والسعودي على وجه الخصوص، وهو أنه للمرة الأولى منذ العام 2017 تنعقد القمة الخليجية في العلا بتوافق تام بين جميع دول المجلس، وهي رسالة تعكس بوضوح جهود الدور السعودي المحوري الذي قاده ولي العهد بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين؛ لإنهاء الأزمة القائمة، وما تمخض عنه من ثقة الجميع في قيادتها السياسية، وقدرتها على لم الشمل وتحييد الخلافات بين الأسرة الخليجية الواحدة، وما انعقاد القمة الواحدة والأربعين إلا تأكيد على مسؤولياتها التاريخية كونها الشقيقة الكبرى لدول المجلس مجتمعة.
تعي الحكومة السعودية جيدا الأهمية الاستراتيجية المُكتسبة لقمة العُلا الخليجية، لكونها تأتي في ظروف إقليمية دقيقة وحساسة، ومواجهة العالم عدداً من التحديات الطبية والاقتصادية والأمنية، وهو ما يجعل تعزيز التعاون بين الدول الخليجية أمراً مصيرياً لا يمكن التراجع عنه تحت أي مبرر كان، وما استضافتها للقمة إلا دليل بيِّن على نهجها الذي بدأته منذ اليوم الأول لتجدد الأزمة الطارئة مع قطر في 2017 وقبلها في 2013، والمتمثل في إيمانها بأهمية الحل السياسي باعتباره “السبيل الوحيد” لتجاوز كل المشكلات وتلافي كل التحديات والتغلب على كافة المشاغل الأمنية التي تهدد دول المجلس، وهذا إن دل فهو يدل على عُمق تفكيرها في إدارة الأزمات السياسية الإقليمية والدولية.
ورغم تعقيدات أزمة 2017 وتشابكاتها إلا أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي ووحدتها تكبر أمام أي خلافات، وهو المنطلق الذي على أساسه انطلقت الاتصالات والمشاورات المتعلقة بحلها على مدار جولات عديدة بدأت منذ أواخر 2019، وتُوّجت – بحمد لله – بإتمام المصالحة بالقمة الخليجية في العلا.
ومن الإشارات المهمة التي ذكرها ولي العهد خلال قمة العُلا، دعوته الدول الخليجية إلى قطع الطريق أمام الدول الإقليمية التي سعت لاستغلال الأزمة الطارئة لصالحها، وتفويت الفرصة عليها لتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة.
ومن الجوانب المهمة التي على الرأي العام الخليجي الالتفات إليها تأكيد الأمير محمد بن سلمان على سياسة المملكة الثابتة وخططها المستقبلية ورؤيتها التنموية الطموحة “2030” التي تضع في مقدمة أولوياتها وجود مجلس تعاون خليجي موحد وقوي، وتعزيز التعاون والعمل العربي والإسلامي المشترك، بما يخدم أمن الدول الخليجية واستقرارها وازدهارها خصوصًا، ودول المنطقة على وجه العموم.
راهن الأمير محمد بن سلمان بشكل كبير على طموح تحويل المنطقة بقيادة دول الخليج إلى ما يشبه أوروبا الموحّدة، وهو ما يستوجب إزالة كل ما قد يُعيق تحقيق ذلك، انطلاقًا من حرص السعودية على جميع أعضاء المنظومة الخليجية وبقية الأقطار العربية شعوبًا وحكومات.
ومن يتابع تصريحات المسؤولين الإيرانيين “الخاسر الأكبر من قمة العُلا” يلحظ تمامًا “السيكولوجية السياسية المتخبطة التي يعيشونها حاليًا، ودونكم التعليقات المباشرة لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي حاول جاهدًا عبر حسابه في تويتر تعكير أجواء المصالحة الخليجية وإنهاء الخلاف بين قطر والسعودية بقوله: “مبروك لقطر نجاح مقاومتها الشجاعة للضغط والابتزاز”، إلا أن الرد الشعبي الخليجي والعربي وليس السياسي الرسمي كان في انتظاره، وهو يدل على مستوى الوعي الذي وصلت له شعوب منطقتنا الخليجية.. اللهم احفظ خليجنا موحدًا.
* نقلا عن الرياض

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى