ماذا بعد التهديد؟
سناء الجاك
يَعد الحاكم بأمره بيئته الحاضنة بدروب الخلاص من خلال تهديد الولايات المتحدة باستهداف ربيبتها وطفلتها المدللة إسرائيل. لكن ماذا بعد التهديد؟ في الأساس لمَ التهديد؟ فإذا كان الحاكم بأمره قادراً على النصر وإنهاء وجود العدو الذي يحمِّله هذه «الفوضى» التي تفتك بكل وسائل الأمن والأمان، لماذا لا يتصرف، وكلنا معه، حينها؟
ذلك أنّ الانتظار حتى تشتد آلام الأمعاء الخاوية هو عبثي و»مازوشي» ولا منطق له. وقطع رأس الأفعى أفعل من استعراض القوة والتسلي بمراوغة ذيلها لتخاف. صحيح أنّه عاين وباليقين العلاقة العضوية بين الراعية والربيبة، كما بينت الوساطة الأميركية التي تجاوزت كل الخطوط الحمر والعقوبات والتصنيفات بشأن «إرهابه» وتفاوضت معه تحت الطاولة، ونالت منه التبريكات والضمانات اللازمة لترسيم الحدود البحرية، بما سمح لهذه الربيبة الغالية أن تبدأ تصدير الغاز من حقل «كاريش» السليب.
لكن الصحيح أيضاً هو وصول لبنان إلى مرحلة ما بعد الارتطام الكبير، بحيث أصبحت أمجاد تحوُّلِه إلى دولة نفطية هباء وهراء مع تلاشي الدولة وماليتها ومؤسساتها. بالتالي، فقد أضحت وظيفة المفاعيل الناتجة عن التهديد أشبه بوظيفة الليرة اللبنانية المسحوقة حيال سعر صرف الدولار، أو ديكور شكلي للدولرة، ولا قيمة فعلية لهذه العملة، لا في الداخل ولا في الخارج.
ويمكن سرد مئة سبب وسبب للدلالة على أنّ الذهاب أبعد من التهديد اللفظي دونه الكثير من حسابات لا طاقة للحاكم بأمره على تحمّلها وحده، وتحديداً بعدما قضي على أي مرجعية سياسية سيادية تحشد الجهود، وصولاً إلى حل إنقاذي تستفيد منه، يشبه القرار 1701 لوقف العمليات الحربية، وإلى اقناع المجتمعين العربي والدولي بتقديم مساعدات كانت كافية لإعادة الإعمار بعد «حرب تموز» على الرغم من الفساد المشرعن بفتاوى واجتهادات تتكامل و»النصر الإلهي» الذي «هز الدني» في حينه، ولا نزال نهتز من ارتداداته وارتجاجاته.
فقد كان الهدف الرئيس لذلك «النصر» يرمي إلى تدجين القوى السياسية وإرغامها على الإذعان لمصادرة قرار الدولة. وعلينا الإقرار أنّ الهدف تحقق. وفي حين يبدو منطقياً تدجين هذه القوى التي باعت السيادة مقابل تغطية فسادها، لكن ماذا عن الأوضاع المأسوية للبيئة الحاضنة التي يحتاجها الحاكم بأمره ليستقوي من خلالها على بقية اللبنانيين؟
يبدو أنّ لا حل آخر إلا اللجوء إلى تهديد الولايات المتحدة وربيبتها، وهو تهديد مستهلك، لكن ربما لا يزال ينفع للتخدير واستعراض القوة، حتى تعض البيئة الحاضنة على جوعها، وتسترد لفترة وجيزة بعض الأمان، وتستكين إلى مرجعيتها التي وعدتها بالمن السلوى، حتى لو زلزلت الأرض كل زلازلها السياسية والاقتصادية والطبيعية. ولكن ماذا بعد زوال مفعول المخدر؟ ربما زيادة الجرعة في التهديد المقبل، إذ يبدو أن هذه الوسيلة هي السلاح الوحيد المتبقي. ولكن إلى متى؟
والوهم لا يكمن في رهان الشيطان الأكبر على «الفوضى» لضرب الحالة الصابرة الصامدة المنبثقة من الإيمان المطلق، ولكن يكمن في انصياع المريدين من أبطال الصمود والتصدي وهتافات «الرينغ»، حتى يتوصل إلى النجاح في عقد الصفقات المثمرة التي تسلم مقاليد البلد لأصحاب المشروع، لأنهم وحدهم يملكون القدرة على التهديد، ولا تستوي صفقة من دونهم.
بالمختصر المفيد، لا يتحمل الحاكم بأمره يقظة البيئة الحاضنة وانتفاضتها عليه وعلى المنظومة التي لا يزال يحميها، حتى بعد الارتطام الكبير، ويرفض أي ضغط عليه وعليها من خلال ربط الصفقة المرتقبة ببعض الإصلاحات التي ربما تحتاج كبش فداء. لذا كان التهديد لتخدير البيئة الحاضنة، فتصبر حتى تنضج الصفقة وفق مقاييسه… والله مع الصابرين.
نقلا عن “نداء الوطن”