هل تغتال إيران مقتدى الصدر؟
علي حماده
شكلت حرب الساعات الأربع والعشرين في قلب بغداد وعدد من المدن العراقية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية جرس إنذار دراماتيكي لكل الأطراف المتصارعة إما حول السلطة، أو حول النفوذ الإيراني الذي ترسخ بعد احتلال العراق عام 2003.
جرس الإنذار الدراماتيكي الذي نتحدث عنه نابع من الاحتمال الكبير في أن تتجدد حروب الفصائل والقوى المسلحة الشيعية في العراق. فالتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر خرج من الشارع لكنه لم يبتعد كثيراً، وميليشيات “الحشد الشعبي” القوية عسكرياً والمنضوية ضمن “الإطار التنسيقي” الذي يقوده بشكل أو آخر “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني كان بإمكانها أن تذهب أبعد في المواجهة المسلحة التي أشعلها بيان تنحي المرجع الشيعي كاظم حائري وانتقاده مقتدى الصدر، ثم دعوته أتباعه (جلّهم صدريون) الى إطاعة المرشد الإيراني علي خامنئي، مع ذلك لم تذهب.
بقيت المواجهة التي يمكن اعتبارها بمثابة “بروفا” لما قد يحصل مستقبلاً مضبوطة، لا سيما أن الصدر الذي أعلن اعتزال العمل السياسي عاد وسارع الى ضبط شارعه وسحب المسلحين بعدما وجه رسالة الى خصومه، وهم في الحقيقة يخضعون للنفوذ الإيراني مباشرة، مفادها أنه يستحيل تخطيه سياسياً وتجاهل مطالبه التي حددها بحل مجلس النواب العراقي والدعوة الى انتخابات مبكرة.
لقد أثبت مقتدى الصدر أنه حالة راسخة في البيئة الشيعية العراقية. لكنه ليس بالقوة التي تمكنه من مصادرة تمثيل البيئة الشيعية في العراق وحده، فمرجعية النجف التي وقفت على الحياد وعملت على وقف التدهور، لا تسلم أوراقها للصدر، لكنها تربح كثيراً من تنامي حالة التحدي للنفوذ الإيراني داخل البيئة الشيعية، لأنها تتعرض لمحاولات تهميش من مرجعية قم، وتتعرض أيضاً لعملية قضم منهجية جراء توسع النفوذ السياسي والعسكري الذي تتمتع به طهران في العراق وبالتحديد في البيئة الشيعية.
بهذا المعنى فإن مرجعية النجف تستفيد من تمرد الصدر على الإيرانيين، لكن لا مصلحة لها في أن يفرض الصدر معادلة غلبة على الآخرين، وخصوصاً أن المرجع الأعلى علي السيستاني متقدم في السن وينتظر الإيرانيون غيابه لكي يكملوا تهميش النجف والهيمنة عليها بشكل أكبر مما هو حاصل الآن. إن وجهاً من وجوه الصراع الحاصل اليوم نابع من ميول تحررية من نفوذ إيران بدأت تتبلور في البيئة الشيعية، ما ينذر ببدايات صدام بين شيعية عربية عراقية وشيعية إيرانية. وهذا تطور منتظر، لا سيما أن السياسة الإيرانية في العراق بنيت على اعتماد قيادات لا تمتلك الحد الأدنى من الصدقية السياسية، أو الأخلاقية. جميعهم تورط في نهب ثروات العراق، إما للاغتناء الشخصي أو خدمة لمصالح إيران المالية والاقتصادية في مرحلة العقوبات.
أكثر من ذلك غذت إيران عبر رجالاتها، ومن خلال ميليشيات “الحشد الشعبي” حرب إلغاء ضد السنّة بذريعة محاربة تنظيم “داعش”، إضافة الى نهج حصار للمكون الكردي. ومع أن التيار الصدري كان جزءاً من “الحشد الشعبي” ويقال إنه تورط كثيراً في الدم العراقي، لكن الاستدارة الحادة التي أداها مقتدى الصدر أمنت له مخرجاً للتنصل من رصيد الماضي الثقيل. فقد كسب تعاطفاً من شرائح غير تلك التي ينبثق منها تقليدياً من خلال رفعه شعار مصير “الحشد الشعبي” كتنظيم عسكري مسلح جرى تشريعه، ولكنه ظل يدار بشكل مستقل عن الوحدات العسكرية الرسمية وإمرته الميليشيوية مرجعيتها الأخيرة “فيلق القدس”.
بالعودة الى الأزمة التي اشتعلت على شكل مواجهات مسلحة في الشارع، ثمة سؤال يطرح خارج العراق، هل أن مقتدى الصدر يقود انتفاضة ضد الهيمنة الإيرانية على العراق أم أنه يخوض حرباً من أجل السلطة؟ والجواب عن هذا السؤال صعب نظراً الى تعقيدات الأزمة والتشابك والاختلاط بين الشعارات المرفوعة، تارة ضد الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة، وطوراً ضد التبعية لإيران من دون تسميتها. يقيننا أن حركة الصدر هي كل هذه العوامل مجتمعة. لكن، الى أي مدى سيذهب مقتدى الصدر في تحدي النفوذ الإيراني في العراق؟ والأهم كيف سيرد النظام الإيراني، خصوصاً إذا ما عجز عن احتواء الصدر؟ والأخطر في حال توسع التمرد، هل يجازف المرشد بإعطاء الضوء الأخضر لتصفية مقتدى الصدر جسدياً؟
نقلا عن “النهار”