أهم الأخبارمقالات

النفط بين الاستراتيجي الأميركي وإيران

أنس بن فيصل الحجي

 

ما أثر وقف السحب من المخزون النفطي الاستراتيجي الأميركي مع نهاية العام؟ هل سيؤدي وقف ضخ مليون برميل يومياً إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، كما يدعي بعض المتابعين؟

نتج من قرار إدارة الرئيس بايدن سحب 180 مليون برميل، بمعدل مليون برميل يومياً ولمدة ستة أشهر، زيادة معتبرة في المعروض.

هذه الزيادة منعت أسعار النفط من الوصول إلى 140 دولاراً للبرميل في البداية، ثم أسهمت في خفض الأسعار لاحقاً، أثر هذه الزيادة في المعروض تمثل في أمرين، الأول شراء المصافي الأميركية له على حساب الواردات، فانخفضت الواردات النفطية الأميركية، مقارنة بالواقع من دون السحب من المخزون، وهذا يعني توافر النفط لدول أخرى، كما تمثل في تصدير جزء منه إلى دول مختلفة، بما في ذلك الصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي.

لهذا فالقول إن الانخفاض الكبير في مخزون النفط الاستراتيجي يدعم أسعار النفط غير صحيح، وكل الرسوم البيانية التي تجمع بين المخزون التجاري والاستراتيجي لتوضيح ضرورة ارتفاع أسعار النفط لا قيمة لها، لأنها تخلط الحابل بالنابل.

ورأينا كيف ارتفع المخزون التجاري مع انخفاض المخزون الاستراتيجي، الذي يدل على خطأ هذه الرسوم البيانية.

السؤال المطروح الآن، ما وضع أسواق النفط بعد سحب كامل الكمية من المخزون؟ هناك مجموعة ترى أن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير، لأن هذا يعني نقص مليون برميل يومياً من المعروض.

الملاحظة الأولى أن مجرد طرح هذه الفكرة يعني أن انخفاض المخزون الاستراتيجي خفض أسعار النفط، وهذا يوضح عدم منطقية بعض التقارير، التي ذكرت أن انخفاض المخزون يرفع أسعار النفط، وتوقفه يرفع أسعار النفط أيضاً.

الإجابة عن السؤال أعلاه تتكون من خمس نقاط.

1- القول إن أسعار النفط سترتفع فجأة مع انتهاء الكميات المقرر سحبها من المخزون يتجاهل دور بيوت التجارة العالمية والمصافي وتجار العقود المستقبلية، ويفترض أنهم لا يدركون أن السحب من المخزون سيتوقف.

هذه الشركات والمصافي ستقوم بتدبير أمورها قبل فترة من الزمن، ومن ثم فإن انتهاء السحب من المخزون لن يكون مفاجئاً، وسيكون أثره في أسعار النفط بسيطاً، إن وجد.

ولا نستغرب أن يكون هناك ارتفاع مبكر وتدريجي للأسعار، لكن هذا يعتمد على وضع السوق، كما هو موضح في النقطة الخامسة أدناه.

2- البيانات تشير إلى استمرار انخفاض الطلب على نفط المخزون الاستراتيجي، هذا يعني أن الشركات خصوصاً المصافي تخفض مشترياتها منه لانخفاض حاجتها إليه، هذا قد يعني أن الطلب سينخفض تدريجاً حتى يتوقف، وقد لا تتمكن الحكومة من بيع الكمية كلها التي عرضتها للبيع.

هذا التدرج أو حتى عدم الشراء يتوافق تماماً مع الأدلة التاريخية عندما قررت الحكومة الأميركية السحب من المخزون الاستراتيجي، فإذا حصل هذا الانخفاض التدريجي فإن أسعار النفط لن ترتفع مع انتهاء الطلب على النفط من المخزون الاستراتيجي.
3- أسعار النفط المستقبلية في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، أي بعد توقف السحب من المخزون الاستراتيجي، أقل من أسعار يوم أمس بنحو ستة دولارات للبرميل.

وإذا كان انتهاء السحب سيرفع الأسعار، لماذا أسعار النفط منخفضة بهذا الشكل؟ بعبارة أخرى، هل تتضمن الأسعار المستقبلية أثر وقف السحب من المخزون؟

4 – يقولون إنه سيتم الوصول إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي في أي وقت الآن، شروط الاتفاق تقتضي السماح لإيران بتصدير 50 مليون برميل بعد 120 يوماً من الاتفاق، ولو بدأ الاتفاق غداً فإن بداية السماح بتصدير 50 مليون برميل من النفط ستبدأ مع انتهاء السحب من المخزون.

هذا يعني أن إيران تستطيع أن تعوض إمدادات المخزون الاستراتيجي أو أغلبها، ومن ثم فإن الأسعار قد لا ترتفع مع انتهاء السحب من المخزون الاستراتيجي.

إلا أنني أعتقد أن إيران تصدر كل ما يمكنها تصديره، خصوصاً بعد أن تلقت ضوءاً أخضر من إدارة بايدن منذ نحو شهرين بأن الإدارة ستغض الطرف عن العقوبات إذا صدرت إيران النفط إلى أوروبا.

جاء ذلك بعد أن سمحت إدارة بايدن لشركة “إيني” الإيطالية و”ريبسول” الإسبانية بتصدير النفط الفنزويلي إلى أوروبا، على الرغم من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الفنزويلي، وبما أن إيران تصدر كل ما يمكنها تصديره، فإن الوصول إلى اتفاق نووي لن يزيد الصادرات الإيرانية فعلياً، لكن الأسواق ستتوهم ذلك لسبب بسيط، بدلاً من تهريب النفط سيظهر هذا النفط للعلن، ويعتقد الناس أنه زيادة فعلية في الصادرات الإيرانية، لهذا يتوقع انخفاض أسعار النفط بعد إعلان الاتفاق لأيام محدودة حتى يكتشف التجار في السوق أنه ليست هناك زيادة فعلية.

بالنسبة للمخزون النفطي الإيراني العائم، قد تلجأ الحكومة الإيرانية إلى تخزين النفط الخام عن طريق خفض الصادرات وبيعها بعد إعلان الاتفاق، هذا التصرف يحقق أهدافاً سياسية واقتصادية، والأهداف السياسية أكبر.

الهدف السياسي هو إقناع أوروبا وأميركا ودول “أوبك +” بأن إيران تستطيع فعلاً زيادة الإنتاج، وإقناع الشعب الإيراني بفوائد الاتفاق النووي مع الغرب.

اقتصادياً، ستنخفض أسعار النفط بعد قرار الوصول إلى اتفاق، لكن هذا السعر على الرغم من انخفاضه أعلى من السعر الذي تحققه إيران في السوق السوداء.

أما المخزون العائم المتمثل في “المكثفات”، فإن العملية تتعلق بالمعروض أكثر منها من الطلب، لكن حتى لو تم تصريف هذا المخزون فإن فترة تأثيره لن تتجاوز شهرين على الأكثر، وفي سوق المكثفات فقط.

التركيز في الاتفاق على كمية النفط التي يمكن أن تبيعها إيران خلال فترة زمنية محددة قد يعكس أموراً تتعلق بأسواق النفط، ما كان للولايات المتحدة أن تزيد صادراتها من النفط الخفيف والمكثفات، خصوصاً إلى آسيا، لولا العقوبات على إيران.

وكما ذكر سابقاً، فإن التوقيت المذكور في الاتفاق الذي يسمح لإيران بتصدير النفط يتزامن مع انتهاء السحب مع المخزون الاستراتيجي، وفي هذا منفعة لإدارة بايدن.

كما أنه قد يكون نوعاً من الترضية لدول “أوبك +” حتى لا يعارضوا الاتفاق، كون الزيادة محدودة الكمية ومحددة بأوقات معينة.

5 – تحليل أثر التوقف عن السحب من المخزون يعتمد على وضع السوق وقتها، هل الأسعار في ارتفاع أم في انخفاض؟ هل تتذبذب حول المستوى نفسه؟

الفكرة هنا أن أثر توقف السحب من المخزون الاستراتيجي يتوقف على وضع السوق وقتها، فإذا كانت الأسعار في ارتفاع، فإن توقف السحب يدعم هذا الارتفاع.

لكن إذا كانت الأسعار في انخفاض، فإن التوقف عن السحب يعني إما تباطؤ معدل الانخفاض أو توقف الانخفاض، لهذا لا يمكن القول إن التوقف عن السحب من المخزون الاستراتيجي سيرفع الأسعار بشكل كبير، كما يدعي بعضهم.

اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى