أدوات القوة غير المادية في الاستراتيجية الإيرانية… المقاومة نموذجا
هدى رؤوف
تعد القوة غير المادية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية طهران مثلها في ذلك مثل عناصر القوة المادية (الدعم العسكري واللوجستي)، إذ يعتمد النظام الإيراني على الأولى من أجل رسم صورة طهران الخارجية لخلق جاذبية لنموذجها السياسي بشكل يجعلها تحظى بقدر كبير من القبول.
واعتمدت في ذلك على أكثر من عنصر منها الأيديولوجية الشيعية والتحدث باسم الإسلام الثوري ودعم المقاومة في المنطقة وتعزيز العلاقات مع الدول المناوئة للولايات المتحدة.
وعملت على تحقيق تلك الأهداف عبر توظيف أدوات أيديولوجية واقتصادية وثقافية وتجارية، كما استخدمت لغة التنديد بالاستغلال الإمبريالي ممثلة بخطب مؤسس النظام الخميني، فاعتبر أن الثورة الإيرانية ضد الإمبريالية ومحورها العدالة ونصرة المستضعفين، وعمدت إلى تقديم نموذج المقاومة والثورة في المنطقة ودول العالم الثالث.
بالعودة إلى موقف الخميني من نظام حكم الشاه، فقد زعم الأول أن للأخير ميولاً عدوانية تجاه الإسلام كحركة اجتماعية وسياسية نبعت من كونه أحد عناصر الاستراتيجية الدولية للقضاء على الإسلام كقوة اجتماعية وثقافية وسياسية في البلاد، وهو الهدف الذي من أجله نصبته القوى الإمبريالية، لذا كانت علاقة الشاه القوية بالولايات المتحدة وإسرائيل أحد أسباب الهجوم على حكمه وسياساته التي كانت لمصلحة شركات البترول والسلاح الغربية. كما أكد الخميني أن الثورة الإيرانية ليست قومية وإنما إسلامية تعود بالإسلام إلى مجده القديم، وأن الوحدة الإسلامية هي الأفضل للتغلب على الإمبريالية، وفي سبيل ذلك تبنى مبدأ لا شرقية ولا غربية، بل والأفضل للبشرية هو النظام الإسلامي.
واستمر الخطاب الإيراني المعادي للإمبريالية حتى بعد وفاة الخميني، فالمرشد ال‘لى الإيراني علي خامنئي سبق أن وصف استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة بأنها إمبريالية تستهدف مصالحها الخاصة، فقال “إن أميركا تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق الحساسة وإن أهدافها تدور في إطار السيطرة على هذه المنطقة، وأعدت الخطط من أجل السيطرة على الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا. إن هذه الخطط كانت موضوعة مسبقاً وقاموا بالتمهيد وتوفير الأسباب لها، إلا أنهم لن يستطيعوا تمرير مخططاتهم والوصول إلى أهدافهم، والدليل على ذلك فشل هذه الأهداف في فلسطين والعراق. ومع ذلك، فإنهم لا يزالون يمتلكون المخططات لهذه المنطقة وللدول الأخرى بينها العراق”.
وفي سياق معاداة الإمبريالية والقوى العظمى، فإن موقف الخميني لم يعن القطيعة التامة مع الغرب، فاتخذ نمط العلاقات مع الولايات المتحدة مستويات عدة ما بين علنية وسرية، وكانت واقعة “إيران كونترا” تشير إلى براغماتية النظام الإيراني، كما أن خامنئي المعروف بموقفه الأيديولوجي المتشدد الذي يعبر عن عدم الثقة العميقة بنيات الولايات المتحدة تجاه بلاده، سبق أن ذكر في أعقاب إتمام “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع الغرب أن العلاقات الأميركية-الإيرانية ستبقى محصورة في المجال النووي وعدم التوسع في القضايا الإقليمية أو الثنائية. وبرر خامنئي براغماتية السياسة الإيرانية في هذا السياق بقوله “إن نظام الجمهورية الإسلامية يفاوض هذا الشيطان في مواضيع معينة مما نرى فيه المصلحة ولأجل دفع شرهم ولحل المشكلات العالقة، ولا يعني ذلك أن الشعب تراجع”.
كما وظفت إيران دعمها للقضية الفلسطينية باستمرار للبرهنة على عدم اقتصار مساندتها للجماعات الشيعية فقط، بل ودعم الجماعات السنية أيضاً، وهدفت من دعمها للقضية الفلسطينية بشكل عام إلى إضفاء تأييد وشعبية على سياستها وسط المنطقة العربية والعالم الإسلامي، ونجحت في ذلك مع الخطاب الشعبوي خلال فترة الرئيس الأسبق أحمدي نجاد واكتسبت شعبية وسط بعض الدول العربية.
سعت إيران إلى أن تكون فاعلاً حاضراً في العالم الإسلامي، وأن تكون ممثلة للشيعة من جهة وتحظى بتأييد السنة من أخرى، ويمكن من خلال القضية الفلسطينية ملاحظة توظيف علاقة طهران بـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” في صراعها مع إسرائيل، فضلاً عن علاقتها بـ”حزب الله” واستخدام خطاب المقاومة الذي رفعه الأخير منذ القدم، لكن كشفت الحرب السورية منذ 2011 تناقضات الخطاب والسلوك الإيراني و”حزب الله” معه. ومن ثم كان للاضطرابات التي سادت كثيراً من دول المنطقة عام 2011 واستغلتها طهران للتدخل في شؤونها أن كشفت تلك التناقضات حول فكرة المقاومة وكيف أن التدخل الإيراني كان لمصلحة منافعها ولم يترتب عليه إلا إطالة أمد هذه الصراعات وتعقدها.
اندبندنت عربية