اتفاق أميركي – إيراني مقدمة لتفاهمات أوسع
حسن فحص
سلمت إيران ردها المكتوب على مبادرة منسق السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لتسوية الخلافات العالقة في المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية والنظام الإيراني.
الرد الإيراني سلم خلال الدقائق الأخيرة من المهلة التي حددها بوريل، فتنفست عواصم الـ “ترويكا” الأوروبية الصعداء لأن الإيجابية التي غلبت عليه، بحسب التوصيف الأوروبي، تفتح الطريق أمام التعامل مع الشروط التي تضمنها بإيجابية أيضاً من الطرفين الأوروبي والأميركي على حد سواء.
تدوير زوايا الاختلافات بين واشنطن وطهران الذي قام به بوريل لعب دوراً أساساً في تضييق مساحة الخلاف وتباين المواقف بين عدد من المسائل العالقة في دوامة الشروط والشروط المقابلة، والتي كان الأوروبيون يتخوفون من أن تؤدي إلى نسف الجهود التي أثمرت موافقة الطرفين على التفاوض غير المباشر، وتفكيك عقدة المراوحة بين الاقتراب من النجاح مرة وملامسة الفشل في مفاوضات استمرت لأكثر من 10 شهور في كثير من المرات.
الحرص الأوروبي على إنجاح مبادرة بوريل وجولة المفاوضات هذه كان من باب التمسك بهذه النافذة الحوارية بين الخصمين، والتي قد تشكل فرصة من الصعب تعويضها مستقبلاً لدول الـ “ترويكا” الألمانية – الفرنسية – البريطانية ومعها الاتحاد الأوروبي، للعب دور الشريك في الأزمات الدولية، بخاصة في ظل ما لمسته من تفرد أميركي في التعامل مع “اتفاق 2015” والتزامها القهري بالموقف الأميركي، بخاصة في ما يتعلق بتطبيق العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران على حساب مصالحها الاقتصادية، في حين أن وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن لم يتردد في التذكير بإلزامية استمرار تطبيق العقوبات من قبل الدول الأخرى في حال فشلت جهود إحياء الاتفاق، إضافة إلى انعكاسات الأزمة الأوكرانية وأزمة إمدادات الطاقة على صلابة الموقف الأوروبي في التعامل مع الإرادة الأميركية.
لا شك في أن الليونة المزدوجة الأميركية والإيرانية وإمكان التوصل إلى تفاهم جدي حول النقاط العالقة بينهما، ينقلان اتفاق العام 2015 إلى مستوى جديد يفتح الطريق للحديث عن اتفاق جديد مواز للاتفاق السابق، بحيث تنقسم العلاقات المبنية بين إيران والسداسية الدولية (5+1) إلى مسارين متمايزين على الرغم من اتفاقهما في الأسس والأهداف.
الاتفاق الجديد في إحدى مساراته أدخل تعديلاً جوهرياً على الاتفاق القديم وفتح الطريق واسعاً أمام حوارات مباشرة بين واشنطن وطهران لن تحتاج خلال المرحلة المقبلة إلى الوسيط الأوروبي، سواء عواصم الـ “ترويكا” أو منسق السياسة الخارجية بوريل، انطلاقاً من قبول الطرفين خلال المفاوضات غير المباشرة على تأجيل البحث في عدد من المواضيع والمسائل غير النووية إلى ما بعد إعادة إحياء الاتفاق، وهذا يعني إعلان استعدادهما الجلوس إلى طاولة حوار مفتوح حول مختلف الملفات التي تشكل عقدة أمام التوصل إلى تفاهم شامل حول أزمات منطقة الشرق الأوسط والدور والنفوذ الإيراني فيها.
ولعل المؤشر الأبرز إلى ترك الباب موارباً لحوار مستقبلي حول مسائل تقع ما بعد البرنامج النووي، التسوية التي توصل إليها الطرفان حول العقوبات المفروضة على مؤسسة حرس الثورة بإعفاء كيانات اقتصادية تابعة للحرس من العقوبات، وترك مسألة إخراجه من اللائحة السوداء للمنظمات التي تدعم الإرهاب إلى جولة مقبلة من التفاوض، وقبول الطرف الإيراني بهذه التسوية يعني أنه قدم نصف تخل عن أحد الخطوط الحمر التي وضعها على طاولة التفاوض، وفي المقابل استطاعت إدارة البيت الأبيض الالتفاف على ضغوط الكونغرس الكبيرة بعدم تقديم أي تنازل في هذا الإطار.
الرد المكتوب الذي قدمته إيران إلى الوسيط الأوروبي يعني أن النظام ألزم نفسه بوثيقة موقعة منه، شارك في صياغتها المجلس الأعلى للأمن القومي بكامل أعضائه، وهو المخول من قبل المرشد الأعلى بمتابعة ملف التفاوض وتقديم الحلول والاستراتيجيات، إضافة إلى أن جلسة القرار كانت برئاسة رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الذي يعتبر دستورياً رئيساً لهذا المجلس أيضاً، وإلى جانبه قائد قوات حرس الثورة.
والهدف الإيراني من هذه “الورقة – الوثيقة” هو التأكيد للأطراف الدولية من ناحية أنه جاد في البحث عن مخارج تسمح بإعادة إحياء الاتفاق وتفتح الطريق أمام الخروج من دائرة العقوبات، وتساعده في بدء معالجات جدية لوضعه الاقتصادي الذي وصل حافة الانهيار والفشل، ومن ناحية أخرى الاعتماد على هذه الوثيقة كمرجعية سياسية وقانونية في حال قرر تعليق العمل بالاتفاق إذا لم تلتزم الدول الموقعة على الاتفاق الجديد بتعهداتها.
وفي المقابل فإن المسار الثاني أعاد رسم حدود التعامل بين إيران والسداسية الدولية وقسمها إلى مستويين، الأول يقوم على ثنائية أميركية – إيرانية تعمل على بناء تفاهمات حول ملفات وأزمات الشرق الأوسط، وتلبي الطموح الإيراني في تكريس الاعتراف الأميركي بدوره الإقليمي في مناطق نفوذه وشراكته في رسم مستقبل المنطقة، أما المستوى الثاني فهو حصر الدور الأوروبي في دائرة تفاهمات “اتفاق 2015” الذي يسمح له بلعب المساعد في ترتيب الملفات التي يتم التفاهم عليها بين واشنطن وطهران، أو الوسيط في تقريب وجهات النظر حول المسائل الخلافية في هذه الملفات، مع الإبقاء على سيف العقوبات على استثماراته الاقتصادية مع إيران في حال انهيار هذه التفاهمات.
ويبدو أن خيارات النظام الإيراني، ومن خلال السرية العالية المتفق عليها مع واشنطن والـ “ترويكا” الأوروبية وأحيطت بها المفاوضات وملفاتها، باتت ضيقة، ولم يعد يملك ترف الوقت للمماطلة بناء على الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يواجهها داخلياً وإقليمياً، ومن هنا فهو على استعداد لتذليل كل العقبات التي تعوق التوصل إلى هذا الاتفاق، بخاصة ما يتعلق بالقانون الذي أقره البرلمان الإيراني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 تحت عنوان “الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات وتطوير البرنامج النووي”، إذ بدأ الحديث عن إمكان تعديله لينسجم مع نص وروح الاتفاق الجديد الذي يلوح في الأفق.
اندبندنت عربية