إيران والعراق.. محاولة للنظر
عبد المنعم الأعسم
قليل من الكتابات والتعليقات (المحلية) تتناول العلاقات بين العراق وايران في تعقيداتها وتداخلاتها، بعيدا عن النظرة الفئوية، الطائفية، أو عن القراءة المحمولة على محبة موصولة بوشائج المذهب، أو (بالعكس) تضمر، لدى آخرين، مظنات الكراهية الطائفية والاثنية، أو (ايضا) ما له علاقة بالعقيدة السياسية (العلمانية) ولوازمها ذات الصلة بالتعبئة والدعاية والتحريض.. الخ.
وفي الغالب نتابع (آراء) مناهضين لسياسة ومواقف الجارة التاريخية، فتبدو طهران (حسبهم) المصدر الرئيس لمشاكل وأزمات العراق: فهي تحتل اراضيه، وتدير سياساته، وتخضِع زعماءه الشيعة، وتخيف اتباع المذاهب والمكونات، وتجيّش الجماعات الموالية المنفلتة، ولا يبخل (هذا الفريق) بصفةٍ شريرةٍ إلا ورمى بها ايران وقياداتها، اما المدافعون عن طهران فانهم يذهبون في الرد مذهب الملدوغ من موضع كرامته، فايران الثورة (كما يقولون) هي التي اعانت العراقيين على نظام الدكتاتورية وقدمت المساعدات، العسكرية والامنية والاقتصادية الباذخة لهم بعد 2003 واعانتهم على مواجهة العصابات الارهابية من القاعدة، ثم داعش، وقدمت للحكومات العراقية المتعاقبة المشورة والدعم، وللشعب المحبة والاحتضان، ولولاها (هكذا يؤكدون) لأصبح العراق ولاية تابعة للدول المجاورة، ولأُخذ العراقيون سبايا لـ”الامويين” الجدد.
والحال، فان الحديث العقلاني، ذي الصلة بالحقائق الموضوعية عن هذه العلاقة، والقاء الضوء على اهميتها وضروراتها، ثم التحذير من المبالغة بتلك الاهمية، لا يعبأ به احد، ولا ينال (الرأي الواقعي) ترحيبا من المحافل المحلية السياسية التي تدخل (عادة) في سباق التبييض والتسويد، كما لا يحظى هذا الرأي باهتمام الكثير من الشاشات الملونة التي تعمل على تزييت ضجيجها من لعبة “الاتجاه المعاكس” السمجة بين الاصوات المتحيزة والمعادية.
ثم صارت مذمومة وخارج الصدد تلك المقاربات التي تُعنى بتمييز مشكلات العراق التي يتحمل الايرانيون المسؤولية عنها، عن غيرها من المشكلات التي يعود الكثير منها الى مسؤولية الاطراف الدولية والاقليمية الاخرى (وبخاصة الامريكان) على الرغم من ان تلك المقاربات هي الاكثر تماسا بمصلحة العراق كدولة تحتاج الى فروض الضبط لهذه العلاقات باحكام الجيرة، والمنفعة المتبادلة، وحسن الجوار، وعدم التدخل او الانحياز الى طرف من الاطراف المحلية المتخاصمة.
ومن الزاوية الموضوعية لقراءة مشهد العلاقات بين العراق وايران ينبغي التذكير بالنتائج الخطيرة والمدمرة للصراع الايراني الامريكي على الارض العراقية إذْ يأخذ طابع انتهاك السيادة وجعل العراق طاولة للصفقات، فتتداخل الشراسة بالمرونة.. المواجهات بالتعايش.. التهديد بالوعيد.. التوتر بالتهدئة.. التأليب بالغزل.. الاستفراد بالمشيئات مقابل تفاهمات غير معلنة.. ثم التأثر والتأثير في ملفات غير عراقية، فيما تتوزع جماعات سياسية عراقية وجمهورها (وهذه الكارثة) على القطبين المتصارعين في حميّة اقل ما يقال فيها انها تمرغ روح الوطنية العراقية بالوحل.
ومن نفس الزاوية يبدو ان طرفي “الولاء” لواشنطن وطهران، من العراقيين لن يخسرا شيئا في نهاية الامر، فأولهما يأخذ امتيازات الدنيا، وثانيهما يسأثر بالآخرة.. اما نحن (اولاد الخايبة) فخسرنا ونخسر الدنيا والآخرة.
استدراك:
“حفظ المسافة في العلاقات مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير، فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المُهلكة”.
مصطفى محمود
* نقلا عن “المدى”