الأحواز أرض عربية سليبة.. كتاب يؤكد على عروبة الأحواز المحتلة
تشكل الاصدارات المطبوعة وثائق مهمة في التأكيد على تاريخ دولة الأحواز المحتلة، الأحواز أراضي عربية احتلتها طهران في 1925، بعد مؤامرة فارسية بريطانية ادت إلى إسقاط إمارة عربستان بقيادة الشيخ خزعل الكعبي.
الدكتور إبراهيم خلف العبيدي يوضح في كتابه “الأحواز أرض عربية سليبة” الصادر عن دار عيلام للنشر والتوزيع بالعراق، أنه تحت ظلِّ ظروف التفاهم الاستعماري الفارسي، والضغوط الأجنبية في الوطن العربي، اغْتُصِب إقليم عربستان في أبريل 1925 من قِبَل النظام العنصري الفارسي، ومنذ خضوعه للاحتلال عبَّرت السلطات الإيرانيَّة عن حقدها الدَّفين تجاه العرب الذين أذاقوها الهزيمة في معركة القادسيَّة، وفي موقعة القلاع والحصون التي جرَت أحداثها في عربستان نفسها.
وفي مائة صفحة عدد صفحات كتاب الأحواز أرض عربية سليبة”، يكشف الدكتور إبراهيم خلف العبيدي عن تفاصيل المؤامرة البريطانية الفارسية ضد إمارة عربستان واسقاط الأحواز العربية في يد الفرس، فقد استخدمَت الحكومة الإيرانية شتَّى الأساليب للقضاء على الشعب العربي في هذا الإقليم، وإبعاده عن الأمة العربية، فحرَّمت عليه استعمال اللغة العربية، وارتداء الزِّي العربي، وفرَضَت عليه حصارًا اقتصاديًّا وثقافيًّا وسياسيًّا أدَّى إلى تدَهْوُر أوضاع هذا الشعب إلى درجة لا مثيلَ لها في العصر الحديث، هذا إلى جانب حرب الإبادة والاضطهاد التي تشنُّها السلطات العُنصرية بين الحين والآخر.
وعلى الرغم من الاحتلال الذي تعرَّض له الإقليم، والتعسُّف والاضطهاد الذي يُعاني منه الشعب، فإنَّ الأنظمة العربيَّة لَم ترفعْ صوتها لمعارضة الحُكم الفارسي، أو مساندة الشعب العربي بأيَّة وسيلة من الوسائل، بل بَقِيت صامتةً على هذا الاحتلال، كما صمَتَت عن الغزو الصِّهْيوني لفلسطين.
موقع إستراتيجي:
تقع عربستان إلى الجنوب الشرقي من العراق والشمال الشرقي من الوطن العربي، وتُعتبر امتدادًا طبيعيًّا لسهول وادي الرافدين، ومتصلة اتصالاً يكاد يكون تامًّا به من الناحية الجغرافية والاقتصادية والبشرية، وتُشكِّل منطقة حاجزة بين الوطن العربي، والقسم غير العربي من قارة آسيا.
وتتمتَّع عربستان بموقع إستراتيجي وتجاري مهم؛ لوقوعها على فم الخليج العربي، إذ تحتلُّ سواحله الشمالية؛ مما جعلَها تلعب دورًا رئيسًا في التجارة لأهميَّة موقعها، ولكونها غنيَّة في الثروات الطبيعية؛ ولا سيَّما النفط.
أمَّا موقعها العسكري، فلا يقل أهميَّة عن مكانتها الاقتصادية، فقد وصَفَه العسكريون بأنه في غاية الأهميَّة؛ لأنه يقع ضمن الجِسر الأرضي الذي يوصل القارات الثلاثة: آسيا وأوروبا وإفريقيا بعضها ببعض، كما أنه يكون خطَّ الدفاع الطبيعي المتمثل في جبال البختيارية وكردستان بين العراق وإيران، كما تجري أنهار كثيرة لعبت دورًا كبيرًا في حياة الإقليم، وأشهرها نهر “كارون”، وقد سمَّاه العرب نهر “دجيل”، ونهر “الأحواز”، ونهر “تستر”.
وينتمي سكان الإقليم – البالغون قُرابة ثمانية ملايين – إلى قبائل عربية عريقة في عروبتها، نزحَت إلى هذا القطر من شبه جزيرة العرب قبل الفتح العربي الإسلامي، ثم توالَت الهجرات بعد الفتح، فاستقرُّوا على ضفاف شطِّ العرب ونهر كارون، متخذين الزراعة مهنةً لهم.
سياسة التفريس:
وتسعى الحكومة الفارسية منذ احتلالها للإقليم إلى تدمير الهُوية العربيَّة والعادات والتقاليد المميزة للشعب العربي، إضافة إلى تكريس الأوضاع المؤلِمة للسكان، عبر سيطرة المهاجرين الفُرس على كافة مناحي الحياة.
فمثلاً بالنسبة للعمل، فعلى الرغم من أنَّ الفرس لا يمثِّلون أكثر من 20% من مجموع سكان الإقليم، فإنهم يسيطرون على كافة مجالات العمل؛ إذ إن الأفضلية في العمل والاستخدام تُعطى دائمًا للفُرس، فقد أصدَر مجلس الوزراء الإيراني قراره عام 1964 والمعمول به حتى الآن، الذي يحرِّم على العرب إشغال الوظائف الحكومية الهامَّة، والانتماء إلى كُلِّيتي الشرطة والحربية.
وكذلك الأمر بالنسبة للأعمال التجارية، فقد كان العرب حتى الستينيات يسيطرون على التجارة، خاصة تجارة الأقمشة الصوفية، وكانت نسبتهم لا تقل عن 95% من بائعي الأقمشة، أما الآن فنسبتهم لا تتجاوز 1%؛ ذلك لأن الفرس اتَّجهوا لمنافسة العرب في هذا المجال، وتمكَّنوا من السيطرة على السوق بمساندة الحكومة.
وألْغَت الحكومة الفارسية حقَّ التنقُّل والإقامة، فقد ألْغَى مجلس الوزراء جوازات السفر الدراسية للطلاب العرب، ومنع إعطاء جواز سفر لأيِّ عربي يرغب في السفر إلى الأقطار العربية، وأيضًا تُمارس سياسة التهجير ضد العرب، وخاصة زعماء العشائر العربية؛ حيث نَفَتْهم إلى العراق، وجَلَبت الفرس من الأقاليم الأخرى؛ بهدف تغليب العنصر الفارسي على العرب، وبهدف قمْع نشاط العرب جعَلَت الحكومة الفارسية من عربستان منطقة عسكريَّة.
النضال والمقاومة:
منذ 1925 بدأ الشعب العربي يقاوم الاحتلال، ويؤكِّد رغْبته في استعادة سُلطته على الإقليم، وقد تمثَّلت هذه المقاومة في عدة أساليب، فمِن ثورات وانتفاضات، إلى رفْع المذكرات، إلى الجهات الدينيَّة والسياسية في الوطن العربي، إلى مؤتمرات خاصة بهم، غايتها إظهار الظلم الفارسي، وطلب الدعم لمسيرة الشعب العربي، ومساندة نِضَاله الثوري ضد التسلُّط الأجنبي.
وتفسر أسباب كثيرة فشلَ انتفاضات وثورات الشعب العربي في عربستان، منها:
1- محليَّة الثورات، ووجودها في أماكن محددة؛ مما يسهل ضرْبَها أو حصارها، وقطْع المساعدات عنها.
2- افتقارها إلى القيادة الواعية والحازمة، والتنظيم الجيد.
3- تغلْغُل المخابرات الفارسية بين صفوف الثوَّار وحركات المقاومة، وخيانة بعض المشاركين فيها؛ مما يسهل كشْف القائمين بها ونشاطهم.
4- انعدام الدعم العربي المادي أو المعنوي لهذه التحرُّكات، والتجاهل الصارخ للجامعة العربية للقضية برُمَّتها.
5- تجاهل وسائل الإعلام العربي لقضيَّة عربستان.
وعلى الرغم من فشل هذه الانتفاضات، فإن الشعب العربي لَم يَرْكن للخنوع للسلطة الفارسيَّة، بل يواصل النِّضال ضد الشوفينيَّة الفارسية، مُستفيدًا من الأخطار التي عرْقَلت هذه المسيرة بانبثاق العديد مِن حركات المقاومة الوطنية، ومن أبرزها:
أ – جبهة تحرير عربستان التي تأسَّست عام 1956، وترفع شعار الكفاح ضد النظام الإيراني لِمُقاومة التسلُّط القومي الفارسي، وتعمل من أجْل حريَّة الجماهير العربية، وسيادة شعب عربستان، من أجْل ضمان تمتُّع هذا الشعب بحقِّه في تقرير مصيره على أساس أنَّ عربستان جزءٌ من الوطن العربي، وأن شعب عربستان جزءٌ من الأُمة العربية.
ويمكن القول: إنَّ الجبهة بتنظيماتها السريَّة وبهجماتها المسلحة على مظاهر الوجود الإيراني في الإقليم، تقدِّم دليلاً واضحًا على فَعاليتها التي نجحت في تحقيق أمرين، هما: حِرمان الوضع الراهن في عربستان من صفة الهدوء والاستقرار، بإبراز مظاهر السخط الشعبي المتمثِّل في المظاهرات والمسيرات الشعبيَّة، أو في النشاط العسكري الذي تُمارسه الجبهة؛ من مهاجمة المراكز العسكرية، ومراكز الشرطة الإيرانية في الإقليم، إلى اغتيال الضبَّاط الإيرانيين، وتدمير بعض المنشآت العسكرية الإيرانيَّة، وتأكيد الشخصيَّة العربية لشعب عربستان، ووضْعها داخل إطار تنظيمي مدني وعسكري، يضمن استمرارَ إبراز المظاهر الماديَّة لمطالبة هذا الشعب بتقرير مصيره.
ب – الجبهة القومية لتحرير عربستان والخليج العربي، والتي تشكَّلت سنة 1960 في منطقة البسيتين والخفاجية، وشملَت في تنظيماتها مناطق المحمرة، وعبادات، والأحواز، وقد غيَّرت اسمها إلى الجيش الشعبي العربستاني.
ج – الجبهة الشعبية لتحرير عربستان، والتي تأسَّست سنة 1968، وتؤمن الحركة بالكفاح المسلَّح كوسيلة أفضل للتحرُّر، وقامت بالعديد من العمليات المسلحة العسكرية المباشرة ضد القوَّات الإيرانية النظاميَّة.
وكان العرب في عربستان يعوِّلون كثيرًا على سقوط الشاه في إيران، لكن الحُكَّام الجُدد كانوا أسوأ مِن سابقيهم، واستخدموا العُنف والقسوة التي فاقَت ما قام به النظام البهلوي العنصري، حتى بلغَ الأمر بأحد الجنرالات أن يقدِّم اقتراحًا وهو أنْ يقود حملةً عسكريَّةً من القوات المسلحة؛ لسحْق العرب في عربستان.
ويختتم المؤلف كتابه بالقول:
وعلى الرغم من كل هذا الاضطهاد والتعسُّف والعنصريَّة، فإن الشَّعب العربي يواصل نِضَاله لتحقيق أهدافه وحقوقه المشروعة، وما ضاع حقٌّ وراءه مطالب، ولا سيَّما أن الوجود الفعلي لإيران في الإقليم يفتقر إلى الشرعيَّة القانونيَّة، باعتباره ناتجًا عن حربٍ عُدوانيَّة، وضَمًّا مُخالفًا لقواعد القانون الدولي.