إيران واتفاق تقليص “زمن الاختراق”
إميل أمين
هل تقترب القوى الغربية من توقيع اتفاق سيئ السمعة مرة أخرى مع إيران؟
يكاد يكون السؤال المتقدم، هو محور بحث الكثير من المراقبين الدوليين لشأن المفاوضات التي تجري مع الإيرانيين في فيينا، كما يبدو أن هناك حالة تشاؤم من مشهد الانبطاح الأميركي، والذي بدأت علاماته نهار الجمعة الماضية.
مادة اعلانية
لم يكن غير متوقع ما أقدمت عليه إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، من إعادة العمل بإعفاءات كانت تحمي الدول والشركات الأجنبية المشاركة في مشاريع نووية غير عسكرية من التهديد بفرض عقوبات.
تصف واشنطن الخطوة بأنها تقنية، غير أن حقيقة المشهد تؤكد أنها تنازل أميركي واضح في محاولة لتسريع التوصل إلى اتفاق سريع مع الإيرانيين، ولم تنطل الحجة الأميركية القائلة بأن مثل هذا الإعلان سيكون ضروريا لضمان الامتثال السريع لإيران.
المدهش بل المثير في الأمر هو ردات الفعل الإيرانية، تلك التي تمثلت في تصريحات وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، وفيها أنها خطوة “جيدة لكن غير كافية”، وأن على الأميركيين “إظهار حسن النية بالفعل”.
ما الذي تتطلع إليه طهران ولا تقبل بأقل منه؟
باختصار مفيد، الإيرانيون يريدون رفع العقوبات الأميركية والأممية دفعة واحدة، ثم يتطلعون إلى تعهدات أميركية خطية تفيد بعدم إمكانية إلغاء واشنطن لأي اتفاق من جهة واحدة، وفي خلفية هذه الرغبة ما حدث من الرئيس ترمب، والذي قام بإلغاء اتفاقية أوباما 2015.
يعن للمرء أن يتساءل هل ما أقدمت عليه واشنطن يعد تحفيزا بالفعل لطهران للوصول إلى اتفاق يقطع عليها طريق حيازة السلاح النووي، أم أن الأمر بمثابة رشوة سياسية لتليين الموقف الإيراني المتعنت؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن ما لا يغيب عن أحد هو أن إدارة الرئيس بايدن تحاول قدر الإمكان التسريع بالوصول إلى اتفاق مع القيادة الإيرانية، ربما ليس حبا أو تقربا من الإيرانيين في الوقت الراهن، لكن بهدف التفرغ لما هو أخطر وأهم، أي مواجهة روسيا الاتحادية في أوكرانيا من جهة، والتفرغ للملف الصدامي الآخر الخاص بالصين، وسواء كان ذلك في بحر الصين الجنوبي من ناحية أو في تايوان من جانب آخر.
في أواخر يناير كانون الثاني الماضي، خلصت الصحافيتان ستيفاني ليخنشتاين وناحال طوسي، عبر تقرير لهما في مجلة “بوليتيكو” الأميركية، إلى أن منتصف شهر فبراير شباط الجاري، ربما يكون هو الموعد المرتقب للوصول إلى اتفاق نووي يقيد برنامج إيران النووي.
هل يعني ذلك أن واشنطن مرة أخرى مقدمة على تكرار خطأ سابق كلف الأمن والاستقرار العالميين، والشرق أوسطي بنوع خاص الكثير؟
الحقيقة التي تحاول إدارة بايدن تجنبها تتمثل في أن طهران تسوف الوقت تسويفا واضحا وفاضحا، فيما هدفها الرئيس هو الحصول على السلاح النووي، هذا إذا خلينا جانبا الحديث عن البرامج الصاروخية، والسيبرانية، ودعم وكلاء الحرب في المنطقة.
عبر صحيفة الوول ستريت جورنال، الأيام القليلة الماضية، ارتفعت أصوات مسؤولين أميركيين، يحذرون من أن أي اتفاق نووي مع إيران سيمسح لها بتقليص ما أطلقوا عليه “زمن الاختراق”، أي الوقت اللازم لدخول دائرة الدول النووية، لا سيما أن ما تحتاجه إيران لصناعة قنبلتها النووية أقل من عام.
يعن لنا أن نتساءل: “هل لدى إدارة بايدن بالفعل قدرة حقيقية على التوصل لاتفاق قوي يلزم إيران بإنهاء برنامجها النووي، والكف عن التطلع لأحلام نووية، تبدأ من تفكيك منشآتها النووية، ما ظهر منها على سطح الأحداث، وما خفي منها في باطن الأرض، عطفا على تخفيض مخزونها النووي تمهيدا للخلاص منه وشحنه إلى الخارج أو تدميره، والعديد من الإجراءات المشابهة؟
من سوء طالع إدارة الرئيس بايدن أن إيران ترى أمامها نموذج أوكرانيا، والتي تعاني امتهانا من روسيا من جراء ما يعتبره الأوكرانيون اليوم خطأ قاتلا تمثل في تسليم ترسانتهم النووية عام 1996 إلى روسيا.
قبل ذلك التوقيت كانت أوكرانيا تحوز على نحو خمسة آلاف رأس نووي، فضلا عن صواريخ بعيدة المدى تحمل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية نووية، كل منها أقوى من القنبلة الأميركية التي دمرت في هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية، والعهدة هنا على صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.
ما يجري يدفع حكومة الملالي للتساؤل: “أيهما أفضل التوصل إلى اتفاقية تقطع عليها الحصول على سلاحها النووي، وهو في تقديرها ما سيجعل منها المكافئ الموضوعي لقوى أخرى لا تغيب عن أعين القارئ في الشرق الأوسط، ما يعني ضياع فرصتها التي تبحث عنها من منظور سلطوي استعلائي في المنطقة.
أما الخيار الثاني فيتمثل في رفض أي اتفاق أميركي، حتى ولو كلف الأمر عداء مستمرا ومستقرا مع الولايات المتحدة الأميركية، ففي قرارة نفس الإيرانيين أن واشنطن لا تتطلع لمواجهة عسكرية معهم في الوقت الجاري.
هل من خلاصة؟
التركيز على البرنامج النووي الإيراني فقط، من دون تقييد واضح لبقية برامج إيران، لا سيما الصاروخي حكما ستفرض تهديدا مباشرا لا على أميركا ومصالحها الاستراتيجية فحسب، وإنما على حلفائها من جيران إيران.
ويبقى السؤال قبل الانصراف: “هل من رؤية استشرافية لمواجهة قادم أيام المنطقة؟”.
نقلا عن العربية