مقالات

بايدن وإيران.. التلاعب لا يفيد

 
إميل أمين
 
يمكن لأي محلل سياسي محقق ومدقق في الشؤون الأمريكية، أن يصف إدارة الرئيس جوزيف بايدن، بأنها إدارة بربونية، نسبة إلى عائلة البربون الفرنسية الشهيرة، تلك التي لم تتعلم من دروس التاريخ، ولم تتذكر ما جرى عبر مراحل التاريخ القريب عينه.
 
ولعل الجدل الدائر في واشنطن هذه الأيام حول رفض إدارة بايدن الإفصاح عن الدوائر الوثيقة واللصيقة الصلة بإيران ، بدءا من المركز في طهران وصولا إلى التخوم في اليمن والعراق، وفي سوريا ولبنان ، عطفا على تبعات الانسحاب الفوضوي من أفغانستان ، يؤكد على أن هناك رغبة دفينة في التلاعب بحقائق الأمور الخارجية الخطيرة لصالح تجميل صورة إدارة أخفقت حتى الساعة في إنجاز أي من وعودها الانتخابية .
 
تبدا القصة من عند معارضة إدارة بايدن بندا في ” قانون الدفاع الوطني “، يطالب بتزويد الكونجرس بتقارير مفصلة بشأن القدرات العسكرية لإيران والأنشطة ذات الصلة .
 
وبشيء من التفصيل ، ولأن الشكوك تدور من حول توجهات الديمقراطيين ، لذا وضع المشرعون في قانون الإنفاق الجديد ، بندا يطلب من إدارة بايدن ، أن تكشف وبالتفصيل كل ما يخص الأوضاع المتطورة في إيران ، بدءا من تصاعد وتيرة العمل في برنامجها النووي ، ومرورا بمبيعات الأسلحة منها وإليها ، عطفا على عمليات النقل الظاهرة والخفية التي تقوم بها ، ومن أي دول تخرق العقوبات عليها ، إضافة إلى البرنامج الصاروخي الإيراني ، والذي بات قضية مأساوية قائمة بذاتها، لا تهدد أمن وسلام الشرق الأوسط أو الخليج العربي فحسب ، وإنما تطال اليوم مناطق من جنوب شرق أوربا ، وفي الغد تصل إلى قلب القارة العجوز دفعة واحدة .
 
البند عينه يطلب من الإدارة التي تسارع الريح بهدف التوصل إلى اتفاق سريع مع نظام الملالي، أن توضح قدرات الجماعات المسلحة التي تدور في فلك الإيرانيين ، لا سيما الحوثيين الذين لا يزالوا يهددوا أمن وأمان المنطقة صباح مساء كل يوم بصواريخ إيران الباليستية ، مرورا بحزب الله الذي حول لبنان سويسرا الشرق إلى دولة شبه فاشلة ، وصولا إلى الميليشيات العاملة في العراق والتي تقصف معسكرات الجنود الأمريكيين ليلا ونهار ، وانتهاء بسوريا التي بات نفوذهم فيها أقوى من نفوذ أبناء الدولة من السوريين أنفسهم .
 
لا تريد إدارة بايدن الامتثال لرغبة السلطة التشريعية الدستورية في البلاد ، وترفض تقديم أي بيانات أو معلومات عن كل ما تقدم ، وبخاصة جزئية غاية في الأهمية ، وهي المردودات المالية التي ستنعكس على كل الأطراف الميليشياوية المتقدمة من جراء رفع العقوبات المتوقع عن إيران حال التوصل إلى اتفاق هلامي جديد .
 
يعجب المرء من عدم قراءة إدارة بايدن على قراءة سطور التاريخ القريب ، لا سيما وأن ما جرى خلال إدارة أوباما الثانية ، وبالتحديد العام 2015 من اتفاق سيئ السمعة ، مكن الإيرانيين من الحصول على نحو مائة وخمسين مليار دولار ، دعمتها في طريق تعزيز برنامجها النووي من جهة ، ما يسر لها الحصول على المزيد من أجهزة الطرد المركزي ذات الحساسية العالية والمتقدمة ، إضافة إلى تعضيد موارد البرنامج الصاروخي ، والذي يقفز قفزات مخيفة ، حتى وإن كان بعضها يفشل في بلوغ غايته ، ومن دون أن ننسى أو نتناسى المزيد من التسليح البحري وبقطع صغيرة ، تصلح للقيام بعمليات انتحارية كيمكازية في البحر الأحمر والخليج العربي في الحال والاستقبال .
 
لم يتوقف المشهد عند هذا الحد، إذ لعبت الفوائض المالية التي توافرت للإيرانيين دورا بارازا في دعم وكلاء الحرب المشار إليهم سلفا ، ولهذا فإن نواب الشعب الامريكي في مجلس الشيوخ والنواب ، من الجمهوريين وبعض من الديمقراطيين ، يتساءلون عما سيكون حال ومآل تلك الجماعات إذا أغدقت عليها طهران ومن جديد مليارات الدولارات مرة أخرى ، وأي اضطراب وعدم استقرار يمكن أن يسود المنطقة والعالم في قادم الأيام .
 
البند المشار إليه في قانون الدفاع الوطني ، لا يتوقف عند إيران فحسب ، وإن كانت صاحبة الوزنة السيئة الأكبر في الميزان ، بل يمتد إلى كشف حساب ما جرى في أفغانستان قبل وبعد وأثناء الانسحاب الفوضوي الانهزامي من هناك.
 
تبدو لجان القوات المسلحة وبخاصة في مجلس الشيوخ مصرة على طلب بيانات تفصيلية بشأن المعدات والأسلحة والموارد المهمة التي تركتها القوات المسلحة الأمريكية من وراءها هناك .
 
وربما التساؤل الأهم ، هل جرى الانسحاب على غير موافقة من جنرالات البنتاغون وبقرار رئاسي فوقي وليس أكثر ، ولماذا لم يستمع بايدن إلى آراء الخبراء العسكريين قبل أن تنكسر صورة الولايات المتحدة الأمريكية من جديد ، الأمر الذي ذكر الجميع بمناظر ومظاهر الانسحاب الأمريكي من سايجون في فيتنام من قبل .
 
مثير وخطير أمر إدارة بايدن ذلك أنها تختار الحوار مع الإيرانيين ، وترفض الكشف عن المعلومات التي يمكن أن تتسبب في مخاطر جسيمة للولايات المتحدة بشرا وحجرا حول العالم ، والعهدة هنا على النائب الجمهوري “بات فالون “، والذي وصف إيران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم .
 
السؤال الجوهري :” لماذا تسعى إيران في هذا الصدد وعلى هذا النحو ؟
 
تتذرع إدارة بايدن بأن إتاحة هذه المعلومات قد يضر بالأمن القومي الأمريكي ، وربما يكشف عن مصادر استخباراتية ، وهي حجة واهية وذريعة ضعيفة ، لا سيما وأن المعلومات ستتوافر للجان الشيوخ والنواب من الشعب الأمريكي ، وليس لوسائل الإعلام الأمريكية ، أو لحفنة من الجواسيس بهدف إلحاق الضر بأمن وأمان البلاد.
 
هنا تبدو الحقيقة الواضحة وهي أن إدارة بايدن الضعيفة مظهرا ومخبرا ، والتي لم تنجح حتى الساعة في تحقيق أي ما وعدت به ، تسعى جاهدة للتوصل إلى اتفاق بأي ثمن لتجميل صورتها أمام الأمريكيين ، هذا فيما يخص إيران .
 
أما الملف الأفغاني فحكما سوف يعاد فتحه وسيتسبب في الكثير من الأذى لسمعة الرئيس بايدن .
 
في كلمته للأمة نهار الخميس وفي ذكرى السادس من يناير ، حاول بايدن إلقاء عبء الفشل على ترامب ، غير أن ذلك عمق التشظي في الروح الأمريكية…
الخلاصة ..التلاعب البايدني لا يفيد.
 
نقلا عن العربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى