مقالات
المخاوف على لبنان إلى ذروتها والأسوأ الانهيار الأمني
نبيل بومنصف
قد لا يتسم بالمبالغة أبداً التخوف من أن تشكل أسابيع قليلة ما بين نهاية السنة الحالية وبداية السنة المقبلة منقلباً دراماتيكياً جديداً في مسار الانهيار اللبناني بحيث تنزلق معه البلاد الى أسوأ كوابيسها. ذلك أن الطبقة السياسية الحاكمة أظهرت في الفترة الأخيرة أبشع وجوهها إطلاقاً منذ انفجار أولى موجات الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي قبل سنتين، خصوصاً بعدما استتبت الأمور لهذه الطبقة بفعل تلاشي نبض الانتفاضة الاجتماعية الكبيرة التي بدأت في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وتراجعت الى حدود الانعدام تقريباً هذه السنة.
وبدل التوظيف الإيجابي لهذا التراجع بالنسبة الى السلطة والسياسيين عموماً، وخصوصاً بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بدأ على العكس تماماً ما يبدو كأنه ارتداد كامل الى كل مسببات الانهيار بحيث يرجح أن تسجل السنة الحالية المؤذنة على النهاية أسوأ معدلات الانهيار إطلاقاً على كل الصعد والمستويات.
يكشف هذا التفاقم المخيف في الانهيار الذي يُترجم يومياته ارتفاعٌ جنوني في سعر الدولار الأميركي في مقابل احتضار ما بقي من قيمة لليرة اللبنانية مدى فداحة الطبقة الحاكمة المتشرذمة والموزعة بين حلف العهد و”حزب الله”، علماً أن الأخير هو المتحكم بكل مفاصل السيطرة على القرار السياسي الاستراتيجي للسلطة فيما العهد يلعب دور الدمية التي تغطي الحزب ببغائية تلقائية، والقوى التقليدية الأخرى المنخرطة في الحكومة والتي إما هي في موقع العاجز تماماً وإما المتواطئ وإما المستسلم. بذلك أفضى واقع هذه السلطة وفي ظل التطورات السلبية التي حصلت بعد أسابيع قليلة من تشكيل الحكومة الميقاتية التي بالكاد عقدت ثلاثة اجتماعات لمجلس الوزراء الى واقع ولا أغرب تمثل في مقاطعة الوزراء الشيعة بقرار مذهبي – سياسي – حزبي من الثنائي الشيعي حركة “أمل” و”حزب الله” جلسات مجلس الوزراء وشل الحكومة والسلطة التنفيذية عملياً تحت وطأة شرط تعجيزي هو إقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) من العام الماضي.
أقام تجميد الحكومة على يد الثنائي الشيعي سابقة جديدة من سوابق تعطيل المؤسسات الدستورية التي يشكل “حزب الله” بتحالفه مع الرئيس ميشال عون وتياره بطلي هذه الآفة التي مورست مراراً وتكراراً، لا سيما مع الفراغ الرئاسي الطويل الذي فرضه تحالف عون والحزب وصولاً الى فرض انتخاب عون رئيساً في ظروف قسرية.
التجربة التعطيلية الحالية للحكومة هي بدعة جديدة تكشف مدى الازدواجية الهائلة التي تطبع سلوك الاستقواء السياسي للفريق المعطل من جهة والقصور والاستسلام لهذا النمط التعطيلي من القوى الشريكة الأخرى في الحكومة من جهة أخرى. ولا ريب في أن هذه المعادلة المدمرة للانتظام المؤسساتي والدستوري في بلد أودى الانهيار بكل شيء فيه ويحتاج الى حكومة تعمل طوال ساعات اليوم باستنفار استثنائي موصول حتى بدء التمكن من وقف الانزلاق المتسارع الى قعر الهاوية قد دفعت بمستويات الانهيار قدماً وبقوة ساحقة، بما يخشى معه أن يكون لبنان أمام تطورات بالغة الخطورة على مستوى تفجر أحداث أمنية تنشأ عن تفلت اجتماعي فوضوي قد تعجز القوى الأمنية والعسكرية عن ضبطه بالحزم اللازم. ذلك أنها المرة الأولى منذ الحرب الأهلية التي تسود فيها المخاوف من عدم إمكان ضبط الفوَضى إذا اتسعت لأن واقع القوى الأمنية والعسكرية لا يقل دراماتيكية عن واقع الغالبية الساحقة من اللبنانيين التي افتقرت الى أدنى مقومات الصمود المالي والحياتي والمعيشي والاجتماعي والصحي، فكيف لا تتصاعد المخاوف من الفوضى واتساعها وتداعياتها الخطيرة أمام وقائع اليوميات المفجعة التي يراها الرأي العام بعين القلق والخوف، فيما السلطة السياسية تسبح في عوالم العجز والتواطؤ والإنكار في ظل أسوأ سمعة لطبقة سياسية في العالم تجاه المجتمع الدولي؟
ولا غرابة والحال هذه أن تتسع سيناريوات الشؤم والتقديرات المغالية في السلبية لتطرح جدياً مصير الانتخابات النيابية وما اذا كانت ستجرى بضغط دولي كبير، أم أن أفرقاء قلقين من حصولها قد يعمدون الى التسبب بأحداث من شأنها أن تطيحها وتطيح معها بقايا الرهانات على وقف الانهيار اللبناني الكبير.
* نقلا عن ” النهار “