مقالات

إيران خطر عالمي

!

حميد الكفائي

هكذا تتحول إيران إلى مشكلة عالمية خطيرة، تماما مثل جائحة كورونا والاحترار الكوني والإرهاب! وهذا التصنيف لم يبتكرْه كاتب السطور، بل قاله وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في كلمة ألقاها في مؤتمر “حوار المنامة” السبت الماضي، وخصص فيها لإيران حيزا كبيرا.

ولويد أوستن ليس صقرا من الصقور، ولا ممن يؤمنون برسالة الرجل الأبيض، ولا يمكن أن يُتَّهم بالعنصرية، فهو أميركي – أفريقي، شق طريقه بجدارة في المؤسسة العسكرية الأميركية حتى أصبح وزيرا للدفاع، ومَثَلُه الأعلى زميلُه الأميركي – الأفريقي الآخر كولِن باول، وزير الخارجية الراحل، الذي وصفه بأنه “صديقُه وملهِمُه العظيم”، واستشهد بأقواله في كلمته في مؤتمر الأمن في الشرق الأوسط في المنامة.

لكن الخطر الإيراني على الاستقرار العالمي لم يعد اتهاما يطلقه أعداء إيران، بل أصبح حقيقة ثابتة، وأينما يولي المرء وجْهَه، يرى حروبا وقلاقل وأزمات سياسية واقتصادية لوجستية واجتماعية ودينية معقدة خلقتها إيران أو أججتها، لا لمصلحة لها فيها، وإنما لضرر تلحقه بالآخر، الذي لم يكن بالضرورة عدوا لها، بقدر ما كان مختلفا عنها، وساعيا للعيش مستقلا وذا سيادة وكرامة.

ما الذي تفعله إيران في اليمن؟ هل هناك مصالح اقتصادية أو جيوسياسية أو استراتيجية لها في هذا البلد البعيد عنها جغرافيا وقوميا وثقافيا، ولم تربطْه بها أي علاقة عبر التأريخ؟ لماذا إذن استغلت المشاكل اليمنية فدعمت فئة ضد أخرى وأسست ميليشيات وقدمت لها الأموال والسلاح المتطور كي تحوِّل اليمن إلى ساحة حرب؟ ما هي مصلحة إيران في لبنان كي تؤسس ميليشيا هناك وتتسبب في خلق الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب؟

وما الذي فعلته أذربيجان كي تصطف إيران إلى جانب أرمينيا في الخلافات الحدودية بين البلدين، وتزود أرمينيا بالسلاح والمساعدات العينية، من أجل أن تحارب جارتها (الشيعية) أذربيجان؟ وحتى روسيا (الأرثوذوكسية) امتنعت عن التدخل لصالح أرمينيا (الأرثوذوكسية أيضا) رغم وجود اتفاقية للدفاع المشترك بين البلدين. وما ذكرُ الأديان هنا لتحديد الهوية الدينية للدول المذكورة، فالدولة الحديثة تقوم على أساس المواطنة فحسب، ولكن لتبيان الهوة الشاسعة بين الادعاء والحقيقة، فإيران تتشدق بالإسلام والتشيع والحق والعدل والدفاع عن المستضعفين، بينما هي لا تحارب إلا في بلاد المسلمين، ولا تؤذي إلا المسلمين، والمستضعفين منهم تحديدا، مستغلة مشاكل البلدان الأخرى وحالات ضعفها، للتدخل في شؤونها وبث الفرقة بين سكانها وتأليب بعضهم ضد البعض الآخر.

أما العراق فمشكلته مع إيران معروفة للقاصي والداني، إذ نال أكثر من حصته من الحروب والقلاقل والميليشيات والقتل والخطف والسرقات على أيدي أتباع إيران ومسلحيها.

الوزير أوستن قال إنه يمثل الإدارة الأميركية، وإن بلاده في ظل الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، تدرك أهمية الشراكة الأميركية مع دول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، وهي لن تتخلى عن شركائها في المنطقة، وقد استثمرت كثيرا فيها، وإنه شخصيا قاد معارك في المنطقة لصيانة استقلال دولها وحمايتها من الأخطار التي تتهددها. وقال أيضا “إننا نقوم بعمل عظيم معا لدرء العدوان من أي جهة كانت، والحفاظ على حرية الملاحة في أهم الممرات المائية في العالم… دعوني أكون واضحا. التزامُ الولايات المتحدة بأمن الشرق الأوسط قوي ومؤكد”.

لم يخفِ أوستن مصدر الخطر على الشرق الأوسط، بل قال صراحة إنه يأتي من إيران “وإننا سوف نستمر في تقييم حاجتنا للقوات العسكرية من أجل تعزيز قدراتنا على ردع إيران، وسوف نحمي قواتنا من أيّ هجوم من إيران أو وكلائها. سوف ندافع عن مصالحنا ومبادئنا وأصدقائنا”.

وجدد أوستن التزام بلدِه بمحاربة داعش ومنعِه من إعادة تأهيل نفسه مرة أخرى في العراق وسوريا. كما تعهد بدعم “سيادة العراق واستقلاله ضد أي جهة تحاول انتهاكها، (سواء مباشرة) أو عبر وكلائها”. وهذا الكلام واضح، فالعالم لن يميز بين إيران وميليشياتها المنتشرة في الدول الأخرى، وحجة إيران بأنها غير مسؤولة عن ميليشياتها لم تعد تنطلي على أحد. كما تعهد بالوقوف إلى جانب “الشعب اللبناني في هذا الوقت العصيب”، وأعلن أن الولايات المتحدة سوف تواصل جهودها لتحقيق حل الدولتين الذي ينهي الصراع في الشرق الأوسط. وتعهد بمواصلة الجهود لإنهاء الحرب في اليمن، مطالبا الحوثيين بوقف هجماتهم على الأراضي السعودية وفي داخل اليمن، من أجل إنهاء معاناة الشعب اليمني.

وحذر من الأخطار المُلِحَّة العابرة للحدود، والتي حددها بجائحة كورونا والتغير المناخي وانتشار الأسلحة النووية وأنظمة الطائرات المسيَّرة والجماعات المسلحة المتطرفة والدعم الإيراني للإرهاب، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصد كل هذه الأخطار بمفردها، لذلك “وجَّه الرئيس جو بايدن فريق الأمن القومي الأميركي بإحياء تحالفاتنا وشراكاتنا (الدولية) والاستثمار فيها”، مضيفا أن الولايات المتحدة “تشترك بجهود دولية تضم بريطانيا وفرنسا واليونان لتعزيز القدرات الجوية السعودية ورفع قدراتها الدفاعية”. كما أشاد بـ”المنشأة الدولية للأمن البحري” التي أسستها الولايات المتحدة، ونجاحها في الدفاع عن حق الملاحة للجميع، “ليس فقط الملاحة العسكرية بل المدنية أيضا، بفضل القيادة الحازمة لبريطانيا للمنشأة، بالإضافة إلى مشاركة حلفائنا في المنطقة”.

وكرر أوستن إشارته إلى “التحديات المُلِحَّة الأربعة التي تواجهنا جميعا”، والتي قال إنها “الجائحة، والتغير المناخي، والإرهاب وإيران”. واستعرض جهود الولايات المتحدة في مكافحة الجائحة عالميا قائلا إنها وزعت أكثر من ثمانية ملايين جرعة لقاح، شملت مصر والعراق والأردن والمغرب وتونس واليمن والسلطة الفلسطينية، وجهودَها في مكافحة التغير المناخي الذي وصفه بأنه “خطر وجودي” على العالم أجمع. وبخصوص الإرهاب، وعد أوستن بتفكيك الشبكات الإرهابية وتجفيف منابع تمويلها، ومجابهة دعايتها ومنع سفر عناصرها، مضيفا “إننا سنجابه التهديدات التي تستهدف المدنيين الأميركيين بكل ما نملك من قدرات… أعرف أن كثيرين منكم يشاركوننا القلق العميق من نشاطات الحكومة الإيرانية المزعزِعة للاستقرار، بما فيها برنامجُها النووي ودعمُها للإرهاب والجماعات الخطيرة التي تعمل بالوكالة عنها. الولايات المتحدة ملتزمة بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي بالطرق الدبلوماسية، ولكن، إن كانت إيران غير راغبة في الانخراط بجد في هذه الجهود، فسوف نبحث في الخيارات الأخرى الضرورية لضمان سلامة الولايات المتحدة”.

ووصف أوستن أفعال إيران في الأشهر الأخيرة، خصوصا ما يتعلق بالبرنامج النووي، بأنها “غير مشجعة”، الأمر الذي يجعل العودة إلى الاتفاق النووي “غير مُجْدية”، مضيفا أن إيران تؤجج التوتر في هذه المنطقة وخارجها، وهذا يضعف فرصَ السلام والاستقرار للجميع.

وأشاد أوستن بجهود دول المنطقة لتحسين العلاقات مع إيران، مؤكدا دعم واشنطن لها، ودعا إيران لبذل الجهد واتخاذ خطوات عملية لتقليص العنف والصراع، محذرا إيران “من أن تتوهم بأنها قادرة على إضعاف علاقاتنا القوية مع دول المنطقة، لأننا سوف ندافع عن أنفسنا وعن مصالحنا، وهذا يشمل معالجة نظام الطائرات المسيَّرة التي تستخدمها إيران بكثرة، الأمر الذي يهدد القواتِ الأميركيةَ ويعيق جهودها في محاربة داعش”، مضيفا أن خطر المسيَّرات يواجهه أيضا “شركاؤنا في العراق والسعودية ودول أخرى كل يوم، وهو يهدد الطائراتِ المدنيةَ أيضا، لذلك أصبحت معالجتُه من أولوياتِ وزارتي (البنتاغون)”.

وأعلن أوستن أن الولايات المتحدة تتعاون مع دول المنطقة لحل هذه المشكلة عبر إجراء التمارين والتدريبات العسكرية في “مركز الحرب الجوية الإماراتي” الذي تتعاون فيه الولايات المتحدة منذ 17 عاما مع القوات الجوية لدول الخليج العربي، مضيفا أن هناك أنظمة متطورة مضادة للطائرات المسيَّرة، تمكنت فعلا من صد هجماتها.

كما أعلن عن دعم الولايات المتحدة للسعودية في تعزيز قدراتها في الدفاع عن نفسها، مؤكدا أنها الآن تصد 90 في المئة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة القادمة من اليمن، وأن العمل مع السعوديين متواصل لتطوير القدرات الدفاعية كي تتمكن المملكة من صد الهجمات 100 في المئة، مضيفا أن “التزام الولايات المتحدة بمساعدة أصدقائها لصيانة أجوائهم السيادية لا يتزحزح”.

وأعلن أوستن أن بلاده تساعد دول الخليج العربي للدفاع عن أنفسها ضد تهديدات الحوثيين في اليمن، ليس فقط ضد خطر الطائرات المسيَّرة، وإنما ضد الصواريخ البالستية والزوارق المتفجرة أيضا، وتدعم جهود تعزيز الدفاعات الوطنية، الجويةِ والصاروخية، في دول الشرق الأوسط عموما، وتعزيز التعاون الأمني الإقليمي وتدمير المواد الخطرة المنتقلة عبر البحار.

وعزا أوستن هذه الاستعدادات إلى أن “تهديدات إيران ووكلائها واسعة الانتشار، ما يصعب على أي منا أن يواجهها منفردا، لذلك لا بد من العمل المشترك وتبادلِ المعلومات وتعزيز الدفاعات الجوية الإقليمية والانخراط في الدفاع المشترك”. واختتم بالقول “إن رغبتْ إيران في الالتحاق بالمجتمع الدولي، فعليها أن تعود إلى الالتزام بالأعراف الدولية. إنها مهمَّةٌ كبيرة، لكننا مصممون على إنجازها”.

لا شك أن أنصار النظام الإيراني سيتفاخرون بأن إيران تشغل العالم لأنها “قوةٌ عملاقة”، وأنه حتى أعظم دولة في العالم، وهي الولايات المتحدة، قلقة من قوتها ومضطرة لأن تتحالف مع دول أخرى لمواجهتها. ولكن يجب أن يعلم هؤلاء أن العالم منشغل أيضا بجائحة كورونا والاحترار الأرضي والإرهاب! فهذه كلها تحديات تواجه العالم، وأن إيران أصبحت واحدة من مشاكل المجتمع الدولي، وهذا ليس إنجازا بل مأساة حقيقية.

الحقيقة التي تغيب عن أتباع النظام الإيراني أن نظام الملالي أصبح أضعف من أي وقت مضى، فقد اضطر إلى قمع الشعب بقسوة وتزوير الانتخابات ومنع المرشحين القادرين على الفوز من خوض الانتخابات، وأفقر الإيرانيين وعزلهم عن العالم بسبب نشاطاته المخالفة للقوانين والأعراف الدولية، وأثقل كثيرا على كاهل الشعب الإيراني المبتلى به، وأشاع الخراب والدمار في المنطقة وتسبب في مقتل الملايين من البشر حتى الآن، معظمهم، إن لم نقل كلهم، من المسلمين، وأنه بلغ من الضعف بحيث أنه أخذ يختطف المواطنين الإيرانيين الذين يحملون جنسيات غربية، من أجل ابتزاز الدول الأخرى، وهذا ما فعله مع المواطنة الإيرانية المقيمة في بريطانيا، نزمين زاغري – راتكليف، التي ذهبت لزيارة أهلها قبل خمس سنوات، فاعتقلتها السلطات الإيرانية وحكمت عليها المحاكم الجاهزة بتهم التجسس، ورمتها في السجن، والهدف هو الضغط على بريطانيا لإطلاق 400 مليون دولار، هي ديون لإيران منذ عهد الشاه، لم تسددها بريطانيا بسبب العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على إيران، حسب ما أفادت به مجلة “ذي كونفرسيشن” الأكاديمية البريطانية الرصينة.

كما اختطفت مواطنا إيرانيا مقيما في باريس، هو روح الله زم، من مطار بغداد عبر وكلائها العراقيين هناك، أثناء زيارته إلى العراق بدعوة اتضح لاحقا بأنها مزورة من المرجع الديني الشيعي علي السيستاني، وهو الآن في السجن في إيران ولا أحد يعرف عنه شيئا، والغريب أن العراق لم يحتج على هذا الانتهاك الصارخ لسيادته ولم يستفسر عن مصير الزائر الإيراني تعيس الحظ الذي صدَّق بأن العراق بلد مستقل. فهل خطف المواطنين الإيرانيين العزل دليل على القوة أم الضعف واليأس والانحدار الأخلاقي والقيمي؟

لا يمكن القول إن الشعب الإيراني سعيد بهذه النهاية التي وصلتها إيران في ظل نظام ولاية الفقيه، بأنها أصبحت تشكل خطرا على العالم، يقترِن بجائحة كورونا والتغير المناخي والإرهاب. وليس صحيحا أو منطقيا أن يدعي أتباعُ النظام الإيراني بأن الدول المحيطة بإيران، ومعها معظم دول العالم، كلها على خطأ وأن النظام الإيراني وحده “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”. خلاصة القول، إن لم يغيِّر النظام الإيراني نهجه العدواني تجاه دول وشعوب المنطقة، فإن المجتمع الدولي، ومعه كل أحرار إيران، سيضطر لمواجهته، وليس هناك شك بمن سيكون المنتصر في هذه المواجهة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى