مقالات

تهديد “حزب الله” لبيطار: المتواطئون الجدد في انفجار المرفأ

فارس خشان
 
أعطى القضاء اللبناني إشارة جديدة عن واقعه السيّئ، عندما تعاطى مع التهديد الذي وجّهه “حزب الله” إلى المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، بإهمال موصوف.
 
لقد ثبت للمدعي العام التمييزي غسّان عويدات ولوزير العدل هنري خوري وقبلهما للرأي العام اللبناني أنّ “حزب الله”، ومن خلال المسؤول فيه وفيق صفا، اقترف جريمة تحقير القضاء وعرقلة أعماله، ومع ذلك، لم تحرّك الأجهزة القضائية والعدلية المختصة ساكناً، فلا هي نظّمت ملاحقة، ولا هي سطّرت ادّعاء، ولا هي أصدرت بياناً.
 
ويسجّل هذا الإخلال القضائي والعدلي بواجب التصدّي لتهديد يمكن أن يكون نظراً للأسبقيات، وآخرها اغتيال المناضل لقمان سليم الذي لا يزال ملف التحقيق في جريمته “أبيض الصفحات”، تمهيداً لعملية إرهابية جديدة، في وقت لم توفّر المحاكم اللبنانية على اختلافها ناشطاً أو معارضاً أو ثائراً أو كاتباً، ممّن لا يحظون بحماية “حزب الله” إلّا ولاحقتهم بتهم تحقير القضاء وعرقلة سير العدالة، لأنّهم نطقوا، غضباً، في لحظة قهر، بعبارة جرحت “امرأة القيصر”.
 
إنّ تهديد صفا لبيطار ليس عملاً سياسياً يمكن القفز فوقه، بسهولة، بل هو تدخّل مكتمل المواصفات بمجريات التحقيق، ويمكن أن يقود التعمّق فيه إلى وضع اليد على الجهة التي نظّمت ونسّقت ما يسمّى بالإهمال السلطوي والإداري والأمني، في التعاطي مع كميات “نيترات الأمونيوم” في مرفأ بيروت، ما أدّى الى انفجارها، في الرابع من آب (أغسطس) 2020.
 
وعلى قياس تهديد صفا لبيطار الهادف الى إبعاد مجموعة من الملاحقين عن المساءلة القضائية، لم يعد مستبعداً أن يكون تهديد مماثل قد منع الجهات المختصة من معالجة وضع نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، إذ إنّ الإهمال الذي سجّله تعاطي جميع المعنيين بهذه المادة على الرغم من التحذير من خطورتها واستشراف انفجارها، لا يعقل أن يكون نتاج انعدام الكفاءة الجماعية، وقد أظهر العلم الجنائي أنّ اقتراف مجموعة كبيرة من الناس فعل الإهمال يؤكّد أنّه ليس إهمالاً بل تواطؤاً جرمياً سهر على تنفيذه طرف قادر على التحكّم بسلوك كل هذه الجهات.
 
وعليه فإنّ “الخطأ الذي يتكرّر أكثر من مرّة ليس خطأ بل قراراً”.
 
وقد ظهر في التحقيق أنّ رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، وبعدما قرّر، في ضوء المعلومات التي وصلته عن مدى خطورة مادة “نيترات الأمونيوم” في مرفأ بيروت، عاد، بعد ساعات، وغيّر رأيه، والتزم مكتبه.
 
ولم يصدر ما من شأنه أن يُثبت عدم صحة وقوف وفيق صفا نفسه وراء انكفاء حسّان دياب المفاجئ.
 
وليس بين الشخصيات التي يبدي التحقيق العدلي عناية خاصة بأدوراها، من لا تربطها علاقات مميّزة ب”حزب الله”، فنهاد المشنوق الذي واكب تقديم مراجعة رد المحقق بيطار، بالتزامن مع تهديد “حزب الله”، هو أوّل وزير داخلية في تاريخ لبنان يضع كرسياً لوفيق صفا، وهو مسؤول ميليشياوي، إلى طاولة اجتماع ضمّ قادة الأجهزة الأمنية الرسمية الذين كان قد غاب عنهم، بفعل الإغتيال، اللواء وسام الحسن.
 
وعلاقة يوسف فنيانوس ب”حزب الله”، ليست مميّزة فحسب، بل هي وفق كبار المطلعين على حقائق سياسية اللبنانية، أكثر عمقاً مع الحزب ممّا هي عليه مع “تيار المردة” الذي ينتسب إليه.
 
وما يصح على المشنوق وفنيانوس، يصح أيضاً و”بالخطورة نفسها”، على كلّ من حسّان دياب وعلي حسن خليل واللواء عبّاس إبراهيم وآخرين.
 
وهذا يعني أنّ التهديد الذي وجّهه صفا الى المحقق العدلي طارق بيطار لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الحقائق المخفية حول ظروف ومعطيات انفجار مرفأ بيروت.
 
إنّ القضاء اللبناني بإهماله هذا التهديد يكون قد انضمّ، بطريقة أو بأخرى، إلى عملية التواطؤ، مثله مثل الشخصيات السياسية والإدارية والأمنية التي يريد ملاحقتها، في ملف انفجار مرفأ بيروت.
 
ولا يستطيع وزير العدل هنري خوري إبعاد نفسه عن هذا الملف، بداعي عدم قدرته على التدخّل في مجريات أي تحقيق قضائي، لأنّ مهمته الأساسية تكمن في السهر على توفير الأجواء الملائمة ليتمكن القضاء من القيام بأعماله، باستقلالية تامة.
 
وهذا يعني أنّ عدم تحرّك خوري الفعّال ضد عملية التهديد هذه، من شأنه أن يجعله هو الآخر، ضمن منظومة المتواطئين، لأنّ إخلاله بواجباته لهذه الجهة، من شأنه أن يحرف الملف عن الحقيقة والضحايا عن حقوقها والمجتمع عن صالحه.
 
ثمّة من يعتبر أنّ مطالبة وزارة العدل والقضاء بالتحرّك ضد وفيق صفا يخرج عن إطار الواقعية السياسية، على اعتبار أنّ “حزب الله”، بفعل قدرته الترهيبية، هو “الحاكم الناهي” في لبنان، إذ لم تعد توجد سلطة في البلاد قادرة على التصدّي له.
قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن بات لزاماً على جميع من يتعاطون مع “حزب الله”، على هذه القاعدة “الإنسحاقية”، أن يبلغوا اللبنانيين بحقيقة ضعفهم، وتالياً أن يتوقفوا عن بيع الأوهام بأنّهم قادرون على تشريف السلطة، وعلى احترام القانون، وعلى تطبيق الدستور، وعلى كشف الحقيقة وعلى توزيع العدالة.
 
في الواقع، إنّ التواطؤ ضد التحقيق القضائي هو أخطر من التواطؤ الذي تسبّب بانفجار مرفأ بيروت، لأنّه، في هذه الحالة، يتّضح أنّ جميع من يعيشون في لبنان، هم ضحايا افتراضيون، لكثير من الجرائم التي جرى التحضير لبعضها ويجري التحضير لبعضها الآخر.
 
نقلاً عن “النهار”
 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى