مقالات

مستقبل إيران مرهون بوجود المرشد

مها محمد الشريف
 
إن التخلي عن الحقيقة والعيش بالوهم قضية خطيرة، وتؤثر على المصالح العامة وينتج عنها التشويش الكامل على الواقع وذلك عندما تقوم الدولة على نظام أفراد وليس مؤسسات فهذا يعني أنها تنتهي بنهايتهم ويبقى مصيرها مرتبطاً بالأشخاص وهذا لا يعد نظاماً قابلاً للاستدامة، والدلائل لا تبدو مبشرة للشعب الإيراني خصوصاً بعد فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية التي قالت عنها المعارضة الإيرانية إن المشاركة من الناخبين لم تتجاوز 10 في المائة ولم تصل إلى النصاب المطلوب لفوزه، وكما صرح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بأن «الرئيس الإيراني تم اختياره قبل الانتخابات».
لا تزال هذه السياسة الأساسية في إيران قائمة ويجري تنفيذها تماشياً مع المبدأ الذي أعلنه المرشد الذي قال عنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: «من وجهة نظرنا، السياسة الخارجية في إيران يديرها المرشد الأعلى (علي خامنئي)، ولذلك نبني تعاملنا تجاه إيران على حقيقة الوضع على أرض الواقع، وهذا ما سوف نحكم به على الحكومة الجديدة، بصرف النظر عمن يتولى السلطة».
هناك من الأسباب والدوافع المنطقية ما يدفع لكسب معنى ومصداقية لعلاقات سياسية، فالفائز بالانتخابات الرئاسية تتوقع بعض أوساط المعارضة الإيرانية أنه المرشد المنتظر في حال غياب خامنئي، كما أن رئيسي متهم بجرائم ضد الإيرانيين فقد عرف عنه أنه قاضي الإعدامات، فكيف سيتمكن من مد الجسور مع شعبه ومع العالم ليقيم علاقات سياسية جيدة، فمع تشدده ستكون سياسات إيران القادمة لن تفضي إلى نتائج أفضل لتحسين علاقات إيران الدولية خصوصاً مع محيطها الجغرافي، فهو الشخص الذي لطالما كانت تصريحاته تصب الزيت على نار الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، فهو يستنهض الدعوات للانتقام، كما تظهر الكثير من الدلائل والمؤشرات على ذلك.
وفي أول تعليق يصدر عن واشنطن بشأن فوز المتشدد إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن «الإيرانيين حرموا من حقهم في اختيار قادتهم في عملية انتخابية حرة ونزيهة». وستواصل الولايات المتحدة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني والعمل بجانب حلفائها وشركائها في هذا الصدد.
وهكذا، فإن إيران دولة يعد الأفراد النافذون بحكمها مفاصل رئيسية في إدارة شؤونها، فهي ليست دولة مؤسسات كما تحاول أن تسوّق لنفسها، فلقد كان قاسم سليماني أحد أهم مسيّري السياسة الخارجية، وهو من يدير مشروعها التخريبي بالمنطقة، وكان يعد رئيس ظل عملياً، كما أنه من الأسماء الإيرانية البارزة المتهمة بالإرهاب من قبل الولايات المتحدة وكان على قائمة الإرهاب الأميركية، والتي أكدت مسؤوليتها عن عملية قتله فجر الجمعة 3 يناير (كانون الثاني) إلى جانب أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة (الحشد الشعبي) العراقي وهو تحالف من فصائل مسلحة موالية بغالبيتها لطهران. فهل رئيسي على ذات القائمة؟
من الأهمية بمكان أن نستحضر الحال التي وصلت لها البلاد منذ ثورة الخميني التي هدمت مستقبل البلاد والتدهور الكبير الذي يعيشه الشعب الإيراني في أسوأ عصوره، من فشل التنمية إلى ضيق الأفق الاقتصادي والسياسي، فقد انكمش الاقتصاد بمعدل 4.7 في المائة خلال عام 2019. كما أن انكماشه ازداد عمقاً بسبب التبعات الاقتصادية لأزمة «كورونا»، مسجلاً انكماشاً بنحو 7.6 في المائة، فيما سجل انكماش القطاع النفطي معدلاً يزيد على 14 في المائة، ويعد العامل المحوري في الضغط على الاقتصاد الإيراني، إضافة إلى نحو 57 مليون إيراني على الأقل مهددون بالوقوع تحت خط الفقر في البلاد، حيث تشير تقديرات غير رسمية إلى أن نحو 55 في المائة من الأسر الإيرانية تعيش تحت خط الفقر.
نطق الزمن بنتيجته بعد الثورة ونشر الواقع صوراً مأساوية من معاناة البلاد، فإيران رغم أهميتها الجغرافية بالمنطقة صنع الغرب منها نمراً من ورق كما هي حالهم مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ثم تم إنهاؤه، وإيران قد تمادت كثيراً بفعل أفراد يتحكمون في مصيرها تجسدت أطماعهم بالتوسع الجغرافي وإضعاف دول الجوار، ليحلوا كالقدر المشؤوم عليها بإثارة الفوضى والصراعات فيها ويزرع على أرضها أحزابهم وميليشياتهم المجرمة، فقد تفاعلت تلك الرؤى فأنتجت سلالة متقاربة ومصوغة في قوالب متشابهة تسير على نهج الخميني بداية من المرشد علي خامنئي إلى الرئيس المتشدد الذي أوضح أنه لن يتم ربط الظروف المعيشية للشعب الإيراني بالاتفاق النووي والمفاوضات وأن فريقه لن يتابع التفاوض بشأن (النووي) من أجل التفاوض فقط، فماذا يريد خامنئي ويقدمه رئيسي بصفته الشخص المعني؟
 
 
 
نقلا عن الشرق الأوسط

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى