أهم الأخبارمقالات

سياسة ترامب المرتقبة تجاه سوريا

نورة صالح المجيم

في الإدارات الثلاث السابقة لولاية ترامب الثانية، التي شملت ولاية ترامب الأولى، عكست سوريا السياق الأوسع لتوجه الانغماس المحدود للولايات المتحدة في المنطقة لمصلحة آسيا- باسيفيك، الذي يتضمن عدم المشاركة العسكرية والدبلوماسية القوية في صراعات المنطقة، مع التركيز فقط على بعض المصالح والتهديدات شديدة الحيوية، وعلى رأسها محاربة الإرهاب بمشاركة عسكرية محدودة أيضا.
ومن ثم، فمن حيث المبدأ، لا يتبدى في الأفق مشاركة أو تدخل أمريكي قوي وفعال في المشهد السوري الجديد بعد الأسد في ولاية ترامب الثانية، فترامب من أكبر المنحازين لتقليص المشاركة الأمريكية في العالم عامة، وفي المنطقة خاصة، انطلاقا من نهجه الانعزالي. هذا، فضلا عن التصريحات الصريحة لترامب فور سقوط الأسد، العاكسة لأفق محدودية الفعالية الأمريكية في سوريا، التي دارت فحواها حول عدم وجود مصلحة أمريكية فيما يجري في سوريا، وأنها ليست معركتنا ولا ينبغي التدخل. يضاف إلى ذلك تصريحاته العلنية بشأن تركيا، وكان مفادها بأن تركيا هي من أدارت وخططت عبر فصائلها معركة سقوط الأسد، والفائزة الوحيدة في سوريا، وتمتلك مفاتيح اللعبة برمتها.

وعلى الرغم من سياسة الفعالية المحدودة المؤكدة لترامب في سوريا، لا سيما في خضم التحديات الأكثر خطورة، التي ستكون محور الأولوية المطلقة له، وعلى رأسها مواجهة التحدي الصيني المتفاقم. ومع ذلك، ثمة سياقان رئيسيان سيمثلان عامل ضغط قويا على سياسة ترامب تجاه سوريا، بحيث لا تنجرف سياسة الفعالية المحدودة إلى سياسة الإهمال المطلق، وأيضا توظيف هذه السياسة المحدودة بصورة أكثر موضوعية وحيوية، وربما مشاركة أوسع نسبياً.

الأول: تأثير الدوائر الداخلية النافذة أو الفعالة في ترامب. نظريا أو دستوريا الرئيس الأمريكي مطلق اليد في رسم وتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية بمشاركة بعض الصلاحيات للكونغرس. لكن عملياً يتأثر قرار السياسة الخارجية بمحددات وضغوط عدة من بينها ما تسمى دوائر صنع السياسة العميقة، التي تتركز أغلبها في وزارة الخارجية والبنتاغون. الشاهد في الأمر أن تلك الدوائر الحريصة على المصلحة القومية الأمريكية، وتجيد فن المناورات والتوازنات لن تتقبل فكرة انسحاب أمريكي تام من سوريا. وخير شاهد على ذلك، تراجع ترامب في ولايته الأولى عن الانسحاب الكامل من سوريا بفضل ضغط هذه الدوائر، حيث أبقت واشنطن على قوة عسكرية محدودة في شمالي سوريا. فبالنسبة لتلك الدوائر يعد الوجود العسكري حتى في صورته المحدودة ورقة ضغط ومناورة قوية على تركيا وروسيا وإيران، يتم استخدامها في إطار تقاطعات مصالح متشابكة أخرى.

الثاني: ويعد الأهم، تقاطع الكثير من المتغيرات ما بعد الأسد مع مصالح الولايات المتحدة العليا، وبعض من أولويات ترامب الرئيسية. ويأتي في مقدمتها إسرائيل، والمخاوف من عودة نشاطات تنظيم داعش، والربط بين أوكرانيا وسوريا. وبعيدا عن اللغط العميق المتعلق بصفقة أو مؤامرة جماعية لإزاحة الأسد بدعم أمريكي، يتبدى تماماً أن إسرائيل أكبر الرابحين من سقوط الأسد، وذلك من حيث إقصاء أهم حليف لإيران في المنطقة، وتأمين الهيمنة التامة على الجولان، بل ومد هذا التأمين لتأسيس منطقة عازلة حتى أطراف دمشق. وبالتالي، فليس من المنطقي أو المتوقع تخلي ترامب أكبر داعم لإسرائيل عن دور أمريكي فعال لمساندة إسرائيل في تصفية بقايا الوجود والنفوذ الإيراني تماما في سوريا، وإعادة ترتيب الأوضاع والضغط على الأطراف النافذة فيه، خاصة تركيا لتأمين الهيمنة التامة على الجولان.

من ناحية أخرى، سيظل هاجس عودة داعش ماثلا أمام ترامب في ظل نظام جديد يهيمن عليه أبناء سابقون للقاعدة وداعش. فضلا عن ذلك، ستمثل سوريا ورقة مساومة قوية في يد ترامب لإجبار روسيا على إنهاء الحرب الأوكرانية في إطار صيغة «سوريا مقابل أوكرانيا».

نافلة القول، المرجح في ضوء المعطيات السابقة، هو نهج مشاركة محدودة لترامب في سوريا، خاصة عسكرياً، لكنه لا ينجرف إلى إهمال تام، مع استخدام أوراق ضغط متنوعة في إطار سياسة الضغوط القصوى، بمساندة الحلفاء، لترتيب الأوضاع في سوريا لمصلحة الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية.

نقلا عن ” القبس”

 

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى