العراق اللبناني ولبنان الإيراني
رفيق خوري
تغيرت الدنيا في لبنان والعراق ولكن في اتجاهات متعاكسة، تغيرت ضد حقائق الجيوبوليتيك في كلا البلدين، فلبنان الذي التزم منذ الاستقلال سياسة اللا انحياز وجسر التلاقي بين الشرق والغرب كما بين العرب، وقع منذ سيطرة الفصائل الفلسطينية تحت عنوان “المقاومة لتحرير فلسطين” ثم الحرب في العنف وصراع امحاور، وهو أُجبر بالقوة على الانتقال من سياسة “مع العرب إذا اتفقوا على موقف وعلى الحياد إذا اختلفوا” إلى سياسة “الساحة المفتوحة” لتصفية الحسابات العربية والإقليمية والدولية، وبعد خروج سوريا التي انفردت بحكم لبنان جرى أخذه بقوة “حزب الله” إلى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران على طريق مشروع إقليمي واسع الطموح.
العراق الذي كان حارس “البوابة الشرقية” للأمة العربية وقع بعد الغزو الأميركي تحت الهيمنة المشتركة الأميركية – الإيرانية، الأولى بالدبابات والثانية بالعصبية المذهبية وأيديولوجيا “ولاية الفقيه” وسلاح الميليشيات. الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن الذي كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ثم نائباً للرئيس باراك أوباما اقترح تقسيم العراق إلى ثلاث دول، كردية في الشمال وسنيّة في الوسط وشيعية في الجنوب، وكان الرأي الشائع في لبنان يومها هو أن تقسيم العراق بداية تقسيم لبنان، لكن ما حدث هو “لبننة” العراق التي ادعى السفير الأميركي فيه ريان كروكر أنه ضدها، فالسلطة جرى تقاسمها بدفع من الحاكم الأميركي بول بريمر والنظام الإيراني بين الطوائف والإثنيات كما هو الحال في لبنان.
أميركا انسحبت عسكرياً باستثناء قوة غير قتالية، وإيران أسست ميليشيات مرتبطة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري، وبدأت تفاخر بأنها تحكم بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
اليوم يبدو لبنان رهين المحور الإيراني إلى حد أنه عاجز عن انتخاب رئيس للجمهورية يوحد الداخل ويضمن ثقة العرب والعالم في البلد، لأن “حزب الله” يصر على فرض رئيس موال له، أما العراق فإنه بدأ مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الانفتاح على العرب، ولعب دور الوسيط في حوار بين الرياض وطهران مع البعد من المحاور الإقليمية والدولية، ورئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني يكمل الدور مع أن من جاء به هو “الإطار التنسيقي” الذي توالي فصائله في معظمها النظام الإيراني وتصر على إخراج أميركا نهائياً من العراق.
السوداني يعلن بوضوح أن العراق لا يزال في حاجة إلى وجود عسكري أميركي في إطار “الحوار الاستراتيجي”، ويقول إن “قدر العراق عربي ونرفض أن يكون ساحة لتصفية الحسابات أو أن يكون مع طرف ضد آخر”، وهو مصرّ على متابعة المساعي لمعاودة الحوار السعودي – الإيراني والرهان على مؤتمرات “بغداد 1” ثم “بغداد 2” في الأردن، على الطريق إلى “بغداد 3”.
أما لبنان فإنه محكوم بأن يمشي عكس السير في العالم العربي، “فالبلد الصغير الذي من الحكمة صيانته من العنف”، كما قال مستشار النمسا مترنيخ في القرن الـ 18، يراد له اليوم أن يكون الجبهة الأمامية الوحيدة المفتوحة تحت شعار تحرير فلسطين. كيف؟
بالحرب لإزالة إسرائيل التي صارت في سلام مع سبعة بلدان عربية من دون أن توافق على “حل الدولتين” الذي يسمح بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، فضلاً عن أن لبنان لحق بالبلدان المرتبطة بإيران لجهة وقوعه في أزمة مالية واقتصادية واجتماعية خطرة، بحيث انهارت العملات الوطنية.
“العراق اللبناني” الضعيف بدأ الخروج من الهيمنة الأميركية والإيرانية، وهو الشعار الذي رفعه “ثوار تشرين” ليعود كما كان العراق العربي القوي، ولبنان العربي يقاتل لئلا يصبح “لبنان الإيراني” بالكامل، والمنطقة كلها تشهد تحولات عميقة وسريعة.
اندبندنت عربية