هل كان حسن نصر الله وفياً للبنان وفلسطين أم لولاية الفقيه

بقلم : بدر الدين كاشف الغطاء

نعى حزب الله حسن نصر الله مبتدئاً بتعزية ( صاحب العصر والزمان (عج) وولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله والمراجع العظام) . وأعتبر الحزب حسن نصر الله (شهيدًا على طريق القدس وفلسطين) واستشهد بالآية الكريمة ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
لقد ذهب حسن نصر الله الى الحاكم العادل، الذي لا تخفى عليه خافية ،ولسنا بصدد حكم عاطفي عليه لا بالشماتة ولا بإضفاء القدسية، إنما تهمنا الدروس من سيرة حسن نصر الله لكي لا يضيع التاريخ.
السؤال الأول عن عقيدة حسن الله: هل كان حسن نصر الله وفيا لوطنه لبنان يدافع عنه، ومخلص للقضية الفلسطينية ومقاتل في سبيل الله؟ أم انه كان ينفذ أوامر ولاية الفقيه ويسلّم للخميني ثم الخامنئي بالسلطتين الروحية والزمنية؟
الجواب: عقيدة حسن نصر الله حسب تصريحه، وبالصوت والصورة، هي ولاية الفقيه الفارسية إذ قال : (إن مشروعنا ليس أن يكون لبنان جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الامام الخميني). وقال في مقابلة أخرى افتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه، وكثيراً ما كان يقول إن الولي الفقيه هو مرشده السياسي ومصدر إلهامه الروحي.
السؤال الثاني عن سلوكه وسلوك حزبه منذ تأسيسه عام 1982 : هل وضع حسن نصر الله ايمانه بعقيدة ولاية الفقيه جانبا عندما يتعلق الأمر في خدمة لبنان وشعب لبنان وتعزيز وحدته الوطنية وتسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيه والدفاع عن شعب فلسطين؟
الجواب: لم يحصل ذلك، بل كان حزب الله حزبا سياسياً وكيانا عسكرياً لا يخضع للدولة اللبنانية ويعتمد في تمويله وتسليحه على ايران، وكان حسن نصر الله وحزب الله ينفذان اوامر الولي الفقيه بحذافيرها ، وأدناه بعض الوقائع:
• عمل حزب الله على ترسيخ مكانة إيران كلاعب رئيسي في لبنان. واستخدام لبنان ورقة في لعبة يمارسها الولي الفقيه لتحقيق مصالحه، بضمن ذلك فتح جبهة جنوب لبنان، وغلقها.
• استخدم الحزب نفوذه السياسي، ونفوذه العسكري عند الضرورة، لمواجهة خصومه السياسيين اللبنانيين وفي عام 2008، سيطر مقاتلوه على بيروت عندما اختلف مع الحكومة. كما أستخدم الحزب الاغتيالات السياسية وسيلة للقضاء على خصومه. ومنذ أكثر من سنتين يواصل حزب الله ابتزاز القوى السياسية اللبنانية ويعرقل تشكيل الحكومة.
• كان حزب الله دولة داخل الدولة وتولى مهام حفظ الأمن في جنوب بيروت وجنوب لبنان، والبقاع والمناطق الحدودية مع سوريا.، وأنشأ مصانع لمخدر (الكبتاغون) في البقاع إضافة الى زراعة الحشيش لتمويل ميليشياته .
• بتوجيه من ولاية الفقيه دخل الحزب في عام 2013 طرفا في الحرب الأهلية السورية مدافعاً عن بشار الأسد.
• ساهم حزب الله في صفقة “إيران غيت” عام 1985 حيث زودت الولايات المتحدة الأمريكية إيران، بواسطة الكيان الصهيوني، بأسلحة متقدمة منها صواريخ تاو ضد الدروع لاستخدامها في حربها ضد العراق، مقابل اطلاق سراح رهائن غربيين يحتجزهم حزب الله في لبنان. وتولى الكيان الصهيوني شحن الأسلحة عبر جسر جوي مباشر من تل ابيب الى طهران.
• ساهم حزب الله في صفقة عقدت مع الأمين العام للأمم المتحدة “ديكويلار” عام 1991 حيث أمرت أمريكا الأمين العام بإصدار بيان يتهم العراق بالمسؤولية عن شن الحرب على إيران مقابل إصدار إيران أمرها الى حزب الله بإطلاق سراح ما تبقى من الرهائن الغربيين في لبنان. والذي اشرف على الصفقة عماد مغنية ونسيبه مصطفى بدر الدين (والأخير هو المتهم الرئيسي بقتل رفيق الحريري).
والسؤال الثالث: هل كان “محور المقاومة” الذي تقوده ولاية الفقيه ضد أمريكا والكيان الصهيوني يهدف فعلا الى تحرير فلسطين، أم أن قضية فلسطين استخدمت كورقة ضغط في مفاوضات ولاية الفقيه مع الغرب من أجل مناطق النفوذ في المشرق العربي ؟ وهنا أيضاً لا نتحدث عن فرضيات بل وقائع تؤكد أن ولاية الفقيه استخدمت قضية فلسطين ورقة تفاوض مع أمريكا والغرب من أجل تقاسم النفوذ في المنطقة العربية. وادناه بعض الأمثلة:
• منذ وصول نظام ولاية الفقيه الى الحكم في ايران عام 1979، رفع شعار تحرير فلسطين ، لكنه كان ينفذ اهدافاً معاكسة، فقد شن الحرب على العراق تحت شعار (تحرير كربلاء طريق تحرير فلسطين)، وعمل على تدمير منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية ككل وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص من خلال نشر الطائفية. ورغم وصفه الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر ، لكنه كان يتفاوض معها في الخفاء. وساعد الامريكان على احتلال العراق وأفغانستان.
• جاء في مذكرات البرادعي “سنوات الخداع” في الصفحتين 226-227 الآتي (وقبل توجهي إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنت قد التقيت على لاريجانى، كبير المفاوضين الإيرانيين، وطلب منى أن أنقل إلى الولايات المتحدة أن الإيرانيين مهتمون بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط فيما يخص الملف النووي الإيراني، ولكن أيضا فيما يتعلق بالعراق وأفغانستان وحزب الله وحماس).
• قال السيد خالد مشعل في مقابلة مع القناة الفضائية “خليجية” الآتي: (ايران لا تدعمنا مجاناً، ومن بين اهدافها أنها تقول للغرب علاقتي مع حماس قوية وماذا تريدون من فلسطين أنا جاهزة).
• في مقال للمفكر الألماني يورغن تودنهوفر نشرته الصحف الألمانية يوم 13/10/2023 قال انه عمل وسيطا بين ايران والحكومة الامريكية وقدم للأمريكان عرضا إيرانيا يتضمن ضمانات بعدم صنع القنبلة النووية واستعداد ايران للوصول الى اتفاق مرض للطرفين حول تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، والاستعداد للتعاون مع أمريكا في مكافحة الإرهاب وفي التعاون في ملفي العراق وأفغانستان، إلا أن الأمريكان رفضوا العرض.
• يوم 26 آذار/مارس 2024 نشر موقع “جماران” الناطق بالفارسية تصريحا لجواد ظريف قال فيه(لقد تفاوضنا مع أميركا حول العراق وأفغانستان وينبغي الآن التفاوض حول غزة).
• أنشأت ولاية الفقيه “فيلق القدس” وظاهره العمل على تحرير القدس وحقيقته هو أنه أداة للتدخل العسكري في الدول العربية، وتجنيد أسرى الحرب واللاجئين، وخاصة اللاجئين الافغان، واستخدامهم في عملياته العسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن !!
• وآخر الشواهد هو كلمة الرئيس الايراني مسعود بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 سبتمبر 2024 ، حيث وجّه رسالة سلام غير مباشرة الى الكيان الصهيوني قال فيها (نسعى لتحقيق السلام للجميع وليس لدينا نية للصراع مع أي دولة) ، وواضح إن تحقيق السلام للجميع ولا نية للصراع مع أي دولة، موجه حصراً الى الكيان الصهيوني، كما قام الرئيس الإيراني بإيصال هذه الرسالة الى إسرائيل خلال لقاءه برئيس الوزراء النرويجي في نيويورك، كما المح لها جواد ظريف في مقابلاته الإعلامية في نيويورك أيضا.
الخلاصة
1- حسن نصر الله سياسي لبناني تعرض لعملية غسيل دماغ إيرانية اقنعته بعقيدة ولاية الفقيه، وهي عقيدة باطنية تعود للقرون الوسطى، وساعدته ولاية الفقيه بالمال والسلاح لنشر العقيدة بين شيعة لبنان مستغلا الاستقطاب الطائفي، ومستعينا بشعارات ثورية : المقاومة وتحرير فلسطين، ثم عندما ضعفت ولاية الفقيه داخليا وخارجيا وأصبح دافعها الأول هو غريزة البقاء بعد ان تلقت تهديداً من امريكا والكيان الصهيوني باستهداف البنى الأساسية الإيرانية وخاصة منشآت توليد الطاقة ومصافي النفط مما سيخلق تمردا شعبيا واسعا داخل ايران قد يؤدي الى اسقاط النظام، تخلت ولاية الفقيه عن حزب الله وحماس وشعار “نصرة المستضعفين” ، ووجد نصر الله نفسه وحيدا، ثم خسر “السيد” رهان الحياة . وخسر حزب الله الهالة التي أحاط بها نفسه، ولم يعد أمام حزب الله غير العودة ليكون حزبا سياسيا لبنانيا.
2- لا شماتة في الموت ، ولا تزكية لأحد كون الكيان الصهيوني استهدفه، فسُنّة التدافع هي سُنّة كونية قائمة. قال تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وضمن سنة التدافع أن يُدفع الشر بالشر ، والكفر بالكفر ، والبشر يحاسبون يوم القيامة وفق صحائف اعمالهم. قال تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) صدق الله العظيم.