هل تنسحب واشنطن من مفاوضات فيينا؟
إميل أمين
قبل بضعة أيام وفي حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» أشار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى أن بلاده قد نفد صبرها، وأن موعد انسحابها من مفاوضات فيينا يقترب.
التصريح جاء بعد ست جولات من المفاوضات الشاقة مع الإيرانيين، الذين تمترسوا ولا يزالون وراء مطلب واحد، وهو رفع العقوبات التي فرضت عليهم دفعة واحدة، قبل العودة إلى الالتزام بما كان مقرراً في اتفاقية 2015، الأمر الذي ترفضه واشنطن.
هل نحن بالفعل أمام طريق مسدود، أم أنها ممارسات إيران التقليدية، وديدنها التاريخي في عالم التفاوض؟
تصريحات بلينكن تلفت الأنظار إلى أمر مهم، وهو أن إيران هي المستفيد الوحيد من تسويف الوقت، وهذا ما لم يكن من الواجب أن يغيب عن أعين الأميركيين، ذلك أنها يوما تلو آخر تطور برنامجها النووي، وترفع من درجة تخصيب اليورانيوم، وتحوز كميات أكثر من المسموح به في الاتفاقية السيئة الذكر السابقة، ومع مرور الوقت ستضحى قضية الحصول على السلاح النووي الإيراني مسألة قرار داخلي، لا سيما بعد أن تمتلك طهران الخبرة العلمية، والمادة الأساسية اللازمة للصناعة النووية العسكرية، لتشابه في حالها واستقبالها ألمانيا واليابان.
لم يكن بلينكن وحده من أشار إلى فكرة الانسحاب، فقد أكد مسؤول كبير في الخارجية الأميركية، عدم تجاوز الخلافات بين الجانبين، ما سيدفع بلاده إلى إعادة النظر في المسار التفاوضي برمته.
هل اكتشفت إدارة بايدن مؤخراً أن التفاوض مع الإيرانيين عملية خاسرة، حتى لو نجحت على الصعيد الرسمي؟
الواقع أن تجربة باراك أوباما في 2015 ربما تدفعنا للإقرار بذلك، فقد راهن الرجل الذي تجرأ على الأمل، وإن أثبتت التجربة أنه كان أملاً واهياً، على أن إيران تستحق فرصة لإدماجها في السياق العالمي، وعدم تعريضها للعزل، من خلال اتفاقية تسمح لها بالتجارة وبيع النفط، وفك ودائعها المجمدة، ما سيجعلها تتحول إلى لاعب بناء ضمن أطر قانونية في الشرق الأوسط.
على أن حساب حصاد أوباما في إيران جاء منافياً ومجافياً لحساب حقله، فقد استغل الملالي نحو 150 مليار دولار من الأموال البنكية التي أفرج عنها، في تعزيز مرتكزات البرنامج النووي، وخصوصاً عبر شراء أجهزة طرد مركزي حديثة، وبالقطع عمدت طهران إلى بناء منشآت نووية مماثلة غير معروفة، ما يعني وجود خط آخر للإنتاج النووي غير معلن عنه، وهذا ما اكتشفته وكالة الطاقة النووية، من خلال آثار يورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع غير معلن عنها.
من جديد يتضح لواشنطن أن الاتفاق السابق هو الذي مكن لوكلاء الحرب الإيرانيين في المنطقة من التمدد وتهديد الأمن والاستقرار من الخليج العربي وصولاً إلى البحر الأحمر.
ولعله من مصادفات القدر أن تمر هذه الأيام الذكرى الثلاثون لتفجيرات أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية، تلك التي خسرت فيها الولايات المتحدة نحو 19 طياراً، عطفاً على إصابة 372 جندياً، وقد أثبتت كافة التحقيقات أن التخطيط للحادث جرى في طهران، وأنها المسؤولة عن المأساة التي حدثت.
هل تنسى واشنطن أم تتناسى ما لحق بها، وإن فعل الديمقراطيون، أترى سيلتزم الجمهوريون الصمت، أم سيفضحون هذا التماهي الكارثي مع آيات الله؟
مثيرة هي الازدواجية الأميركية؛ ففي حين يتحدث بلينكن عن احتمالات الانسحاب، وعدم استئناف الجولة السابعة من مفاوضات فيينا في يوليو (تموز) المقبل، تأتي تقارير من الداخل الأميركي لتشير إلى أن إدارة بايدن تدرس رفع العقوبات المفروضة على المرشد الإيراني على خامنئي، وذلك في إطار المفاوضات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015… ما الذي ترمي إليه واشنطن من مثل هذا التوجه؟
خامنئي هو الرجل الذي تحدثت وسائل إعلام أميركية كثيرة من قبل عن ثروته التي تتجاوز 200 مليار دولار، مقتنصة من عائدات النفط وأموال الشعب الإيراني الذي يعاني من شظف العيش، وعليه يتساءل المرء هل هذه مكافأة أم رشوة، وما بين الأمرين ما هو المردود على العملية الديمقراطية التي تطالب واشنطن بنشوئها وارتقائها في الداخل الإيراني؟
ما يجعل من فرص الانسحاب الأميركي أمراً وارداً، شخص الرئيس الإيراني المنتخب الجديد، الرجل الذي استهل تصريحاته برفض الاقتراب من البرنامج الصاروخي الإيراني، وخطر الأخير واضح وفادح ومهدد للأمن القومي الأميركي في المنطقة وما هو أبعد، وليس القنبلة النووية الإيرانية فحسب.
في مقال قبل أيام في صحيفة «وول ستريت جورنال» حذر وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، من أن «إدارة بايدن تعمل على تقوية الدولة الراعية للإرهاب في العالم مرة أخرى، ويهرول الرئيس لإلغاء العقوبات والانضمام إلى خطة العمل المشتركة».
هل ستقدم واشنطن لإيران تنازلات سرية لن يعلن عنها، حتى ترضى باتفاقية جديدة، أم ستنسحب بوضوح وتكشف للعالم زيف النوايا الإيرانية؟
مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً.
الشرق الأوسط