هل الحكم العربي في الأحواز كان حكماً قبلياً؟
بقلم: حامد الكناني
لندن- موقع كارون الثقافي-خاص- كثير ما تتهم بعض النخب الأحوازية “القبيلة” بانها المسؤولة عن ضياع السيادة الوطنية من عربستان الأحواز عام 1925، فمنهم من يهاجم كل ما له علاقة بالتراث خاصة القبائل العربية وشيوخها ويعتبر ان القبيلة هي السبب الرئيس لضياع الوطن، معتقدا ان ما يعانيه مجتمعنا الأحوازي من اضطهاد وتنكيل في ظل سياسة السلطة الأجنبية المفروضة بالقوة على شعبنا حدث بسبب وجود القبيلة.
وصنف آخر لا يجيد إلا التنظير الشفوي ونشر الأوهام دون ترك عمل يذكر. علق احدهم أخيرا على منشور نشرته حول منطقة بني طرف ورغم ان المفردة التي ادخلتها في عنوان المنشور هي “منطقة” بني طرف وليس “قبيلة” بني طرف، قائلاً، ان التطرق للقبيلة يشكل خطرا على وحدة شعبنا ولحمته وأخذ يسب ويطعن بالقبائل والشيوخ متهما الشيخ خزعل بن جابر آخر أمير عربي حكم الأحواز بانه قبلي وان القبيلة هي السبب الرئيس لكل ما حدث حتى الآن. ما لفت انتباهي ان هذا الشخص لم يميّز بين القبيلة التي كانت تعد مكوّن أساسي لمجتمعنا الأحوازي قبل مائة عام وبين الثقافة القبلية والعصبية المذمومة التي يبدو لي هو مصاب فيها، لذا رغبت ان اعلق هنا على عدة نقاط مغلوطة رائجة في الموروث الشفوي الأحوازي الذي ورثناه، وتعليقي هذا ليس بدافع الدفاع عن قبيلة معينة او حتى عن الشيخ خزعل نفسه بل يأتي لكشف الحقائق المستجدة نتيجة فتح أرشيف الوثائق البريطانية وحصولي على معلومات جديدة، واما النقاط المغلوطة والرائجة في موروثنا أبرزها:
الزعم بان الشيخ خزعل كان شيخ قبيلة وكان يدير وطننا بعقلية قبلية.
القول لولا معاداة قبيلة بني طرف للشيخ خزعل وتلبيتهم لنداء الجهاد ضد الانجليز ومشاركتهم في معركة المنيور ما وصلنا لهذا الحال.
اولأ، شيخ خزعل لم يكن يفكر بعقلية شيخ قبيلة اطلاقا بل عقليته وحسب المصادر الموثوقة كانت عقلية رجل سلطة ورجل دولة وأهم هذه الوثائق التقرير البريطاني حول عربستان والموجود ضمن ملفات الأشيف البريطاني ومكتبة قطر الرقمية، والمعد عام 1924 والذي يقول:
” اسلوب الشيخ (خزعل) في إدارة الحكم غريب ويحتاج إلى شرح. حيث سبق وان أدرك والده الشيخ جابر أن السيطرة على العديد من القبائل على مساحة شاسعة يجب أن تكون في يد رجل واحد. لذلك ، كسر تدريجيا سلطة شيوخ القبائل وسار نجله على هذه السياسة نظرًا لأنه غير قادر شخصيًا على السيطرة على القبائل في المنطقة بأكملها ، فإنه كان قد عين وكلاء عنه، وارسلهم إلى مختلف المقاطعات والقبائل للحفاظ على القانون والنظام ، وجمع الإيرادات. يتم تعيين الوكلاء وفق التزامهم بإطاعة أوامره ، وإذا فشلوا في أداء واجباتهم ، فيمكن فصلهم بسهولة وبسرعة كما تم تعيينهم. ومن أبرز هؤلاء الوكلاء في الوقت الحاضر(1924) ؛
في منطقة الميناو خلف بن شناوة (شنيار).
في منطقة الجراحي، مير جولان.
في منطقة هنديان، آقا عبدي السمور.
في منطقة الحويزة، الشيخ المولا(احد الموالي المشعشعيين).
في منطقة القصبة، الحاج سلطان.
في منطقة السليج (بهمنشير) شناوة.
في منطقة بني طرف، صالح بن حاج غضبان.
في منطقة بني تميم، الشيخ سهر زويدات.
“في الفلاحية، الشيخ عبود بن ذويب.
ومن هؤلاء عبود بن ذويب وحده شيخ عشيرة، أما الباقي لا ينتمون إلى أي قبيلة وهم مسؤولون إداريون مختصون ولا يدينون بالولاء إلا للشيخ (خزعل).
كان الشيخ خزعل يعطي القليل من السلطة لأبنائه، باستثناء عبد الحميد نائب حاكم مدينة الأحواز ، تم تعيينهم جميعًا في أوقات مختلفة وبعد المراقبة تم عزل بعضهم. ومن عائلة آل كاسب يشغل الشيخ موسى وحده منصبًا رفيعًا في تعيينه نائبًا لحاكم عبادان.”
ثانيا، قبيلة بني طرف لم تلبي وحدها نداء الجهاد ضد الانجليز بل هناك قبائل كثيرة ومنها في الفلاحية معقل قبيلة بني كعب وأخرى قاطنة على ضفاف نهر كارون ومنها قبيلة الباوية المقربة من بيت الحكم باعتبار ان والدة الشيخ خزعل من هذه القبيلة. وخلافات الشيخ خزعل مع قبيلة بني طرف وغيرها من القبائل نتيجة طبيعية لسياسة حاكم عربستان المبنية على تهميش رؤساء وشيوخ القبائل وتعيين وكلاء يحكمون القبيلة وهم من خارج القبائل.
ثالثا، ما حصل عام 1925 كان أكبر من ارادة القبائل وشيوخها والمؤامرة كانت ذات اطراف إقليمية ودولية وكانت اكبر من الشيخ خزعل نفسه. ثم قبيلة بني طرف لم تكن ذات ثقل سياسي يذكر ولا هي قريبة من المحمرة من حيث الجغرافيا والانتماء القبلي وكما ذكرت في مقال سابق ان الخلافات التي اثيرت في الفلاحية والانقسام القبلي الذي قسم قبيلة بني كعب في الفلاحية وجعلها شقان متناحران كان أكثر ضررا من موقف قبيلة بني طرف وباقي القبائل. وجميعنا يعرف ان إمارة المحمرة خرجت من رحم إمارة الفلاحية وبالتالي الفلاحية وكما اثبت ابنائها فيما بعد انهم الأولى بالدفاع عن المحمرة.
وبالعودة للوثيقة التي وجدتها في الأرشيف البريطاني ، لاحظت فيها أربع نقاط لا يمكن تجاهلها، حيث تشير بوضوح إلى حدود عربستان من الناحية الشمالية وعلاقات حاكم الأحواز ببريطانيا وبلاد فارس، كما يلي:
يتم تمثيل وزارة الخارجية الفارسية من قبل اثنين من الممثلين “كارگزار”، الذين يقيمون في المحمرة وناصرية الأحواز، الممثل الفارسي في الناصرية يتبع الممثل الفارسي في المحمرة. ووظائف “كارگزار” شكلية، لأن الممثليات الأجنبية تتعامل مباشرة في كثير من الحالات مع السلطات الإدارية المحلية ، وخاصة مع شيخ المحمرة وخانات البختيارية، والنزاعات بين السكان الأصليين والأجانب نادراً ما تتم تسويتها بواسطة “كارگزار”.
“شمال عربستان هو الجزء الوحيد الذي يوجد فيه تمثيل لحكومة بلاد فارس وفي الواقع يشمل شريط من الأرض يبلغ عرضه حوالي 20 ميلاً ويقع مباشرة أسفل تلال البختياري ويشمل بلدتي ديزفول وتستر (شوشتر) إلى الشمال من هذا الشريط تقع المراعي الشتوية لقبائل البختيارية وإلى الجنوب موطن القبائل العربية التي يحكمها حاكم المحمرة.”
– “الحاكم العام لعربستان (المعيّن من قبل طهران) ومقره في تستر في الواقع أكثر بقليل من حاكم بلدة ومنطقة تستر وليس لديه قوة تحت تصرفه باستثناء عدد قليل من شرطة المدينة المحلية وحوالي ثلاثين أو أربعين شخصًا تم تجنيدهم من قبائل اللور في المنطقة المجاورة. ولا تسري أوامره حتى في منطقة ديزفول.”
– “المصالح الأجنبية في عربستان تكاد تكون بريطانية بالكامل، حيث يتم تمثيل الحكومة البريطانية في عربستان من قبل قنصل في الأحواز يساعده نواب القناصل في الأحواز والمحمرة وحتى وقت قريب أيضًا في ديزفول نظرًا للعلاقات الوثيقة بين الحكومة البريطانية وشيخ المحمرة ، كثيرًا ما يعمل القنصل بصفة استشارية للشيخ وممثليه”.
والنتيجة ان آل كاسب لم يحكموا إمارة المحمرة ولا عربستان بعقلية قبلية بل كانوا امراء يهتمون بأمر إمارتهم أكثر من مصلحة القبيلة. وحاضنتهم في المحمرة لم تكن حاضنة قبيلة بل كان تجمع بشري اسمه حلف “المحيسن” يتشكل من عدة بيوت وعشائر قد لا تكون جميعها تعود اصولها لقبيلة بني كعب. وهذا النوع من التحالفات كان رائجا وحتى قبيلة بني طرف وبني لام وحلف الموالي في الحويزة وغيرها هي في الواقع تجمعات بشرية متحالفة تحمل اسم الغالبية القبلية فيها. وبالتالي الحكم في المحمرة لم يكن حكماً قبلياً كما يزعم البعض.
مصدر التقرير: “تقرير عسكري حول عربستان” -يعود تاريخه إلى ١٩٢٤. اللغة أو اللغات المستخدمة: الإنجليزية. النسخة الأصلية محفوظة في المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات من مكتب الهند.
كارون الثقافي