مقالات

نصرالله يسطو على المقاومة العراقية لتطويب سليماني

على شندب

بات زعيم حزب الله ضيفا تقليديا سنويا في قناة الميادين، وفي حوار العام بدا نصرالله جنديا في الحرس الثوري الإيراني أكثر مما هو في جيش الولي الفقيه، حيث بذل جهدا مضاعفا في محاولته تطويع التاريخ، وتزييف الكثير من وقائعه ومجرياته بما يؤدي إلى تطويب سليماني كأيقونة يحتاج رسمها وتكريسها لتزييف وتزوير أكبر ممّا فعله نصرالله، وأغلب الظنّ أنه سوف يعمل على نسب أبوة أعمال كثيرة قادمة لقاسم سليماني بوصفه الملهم والمخطط والراعي لها.

أكثر ما كان يثير قلق نصرالله رغم تظاهره بالاطمئنان والهدوء، الأنباء المتوالية عن اغتياله، وأنه بات هدفا أكثر من أي وقت مضى للاغتيال الذي لم تكن تسمح به ظروف كثيرة. لكن نصرالله ومن لحظة اغتيال سليماني في مطار بغداد، استشعر تبدّلا في الظروف التي وضعته على رأس قائمة الاغتيال، فعمد إلى اتهام السعودية بالتحريض عليه من خلال اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي دونالد ترمب. وهو الاتهام الفتنة الذي يتخذ عبره نصرالله سنّة لبنان وربما سوريا والعراق، رهائن أو أكياس رمل تقيه الاغتيال، وهو الاتهام الذي هدف من ورائه إلى دفع السعودية تحديدا لممارسة ضغوطها على الأميركيين بهدف تأمين حمايته ورفع اسمه عن لائحة الاغتيال حتى لا تتهم به.

استغرق نصرالله وقتا طويلا في صناعة صورة مخيالية أسطورية لقاسم سليماني، فنسب إليه كل ما يعتبره بطولات من سوريا ولبنان إلى العراق واليمن وصولا إلى فلسطين وخصوصا حركات المقاومة وفق تعريف نصرالله الذي أظهر بعض هذه الفصائل أشبه ببندقية للإيجار، وهذا ما عبّرت عنه صورة سليماني في غزة التي رفعتها حماس في تواطؤ لافت مع تزييف نصرالله لوقائع التاريخ بعنوان “شهيد القدس”. فقائد فيلق القدس الإيراني، دمّر الكثير من المدن والعواصم العربية دون أن يطلق رصاصة واحدة باتجاه القدس، لكن حماس وبسلطتها الأمنية في غزة تريد أن تفرض على الفلسطينيين تزييفها للتاريخ أيضا بأن “سليماني شهيد القدس”.

إنّه التزييف الذي استفزّ عنفوان وكرامة أهالي غزة فدفعهم إلى تمزيق صورة سليماني وإنزالها والدوس عليها، تماما كما فعل ذلك سابقا شباب الناصرية وبغداد ومحافظات العراق بصور خميني وخامنئي وسليماني. في حين اعتبر نصرالله أن نشر صور سليماني ابتدأ في سياق الحرب على داعش في سوريا والعراق. لكن نصرالله أغفل سهوا أو عمدا أن سليماني وجحافله وميليشيات الحشد الشعبي كانوا يقاتلون في العراق برعاية الأباتشي الأميركية، وفي سوريا برعاية السوخوي الروسية، وأنهم لولا هذه الأباتشي والسوخوي لربما ابتلع داعش العاصمة بغداد وغيرها، وبهذا المعنى يتجحّظ التخادم المشترك مع روسيكا لأجل المصلحة الإيرانية المتخادمة مع أميركا منذ احتلال العراق، ومع روسيا منذ تدخلها في سوريا.

لكن الأخطر في كلام نصرالله، محاولته خطف المقاومة العراقية (تماما كما اختطف واختزل المقاومة الوطنية اللبنانية)، وتصويرها أنها مقاومة الفصائل المتأيرنة نفسها، أي الفصائل التي دخلت العراق على متن الدبابات الأميركية، وكانت من أبرز أدوات الاحتلال المزدوج العسكري الأميركي من جهة، والمعنوي الإيراني من جهة أخرى.

فالاحتلال المعنوي الإيراني، سمح لنصرالله وبسلطته الاستنسابية السياسية والدينية، في تأمين المخارج والفتاوى والتبريرات لكل الخطوط والتيارات العراقية المتأيرنة، حسب قوله: “في مجموعة قيادات وزعامات سياسية مقتنعة بالعملية السياسية، وغير مقتنعة بالعمل العسكري وبمقاومة الاحتلال. وفي فئة تانية مقتنعة بالعمل العسكري المقاوم. وفئة ثالثة مقتنعة بالمقاومة السياسية والشعبية والمدنية، ولكن غير مقتنعة بالعمل العسكري”. ويضيف نصرالله أنه “في التجارب السابقة.. كان يؤخذ مسار واحد ويُدعم مسار واحد. في هذه التجربة، الجمهورية الإسلامية دعمت كل المسارات”، وقالت لجميع هؤلاء “اتكلوا على الله ونحن معكم”، لأن كل هذه الخطوط كانت ستؤدي إلى نفس الهدف، ويختم نصرالله “طبعا المسار الأول (أي المسار السياسي) كان أوضح في الإعلام، لأن الشق الثاني (أي المقاومة المسلحة) كان خلف الستار. ما يعني أن إيران كانت تقف وراء كل الخطوط والمسارات المتناقضة الأداء، بما يضمن ولاء المسار الرابح لها أيا يكن.

إذن “اتكلوا على الله” هي الاستراتيجية الإيرانية في العراق، وهي الاستراتيجية التي تضع كل الشيعة بحسب نصرالله في الجيب الإيراني، وهي الاستراتيجية التي تجمع الرافضين المدنيين للاحتلال الأميركي، مع عملاء الاحتلال الذين دخلوا على متن دباباته إلى العراق، لكنها أبدا لم تفصح عن اسم فصيل واحد كان يقاتل ضد الأميركيين.

ربما فات نصرالله الانتباه إلى أن استراتيجية “اتكلوا على الله” قد اعتمدها أيضا أبناء البصرة والنجف وكربلاء والسماوة والناصرية وذي قار والديوانية والفرات الأوسط والكوفة وبابل وجرف الصخر، وبرهنوا أنهم وحدهم المتكلون فعلا على الله وليس على أميركا ولا غيرها، وقاموا بإحراق قنصليات إيران، فضلا عن صور قادتها وكل رموزها، بالإضافة لمقرات ومكاتب فصائل المقاومة المتأيرنة إياها من منظمة بدر وعصائب أهل الحق، وسرايا السلام، وحزب الدعوة بأجنحته المختلفة وغيرهم من الميليشيات ولعدة مرات في إعلان صريح على رفض الهيمنة والوصاية الإيرانية على العراق، الذي تحوّل بفعل سطوة الميليشيات المتأيرنة لمجرد سوق سوداء يضخ الدولار الأميركي في السوق الإيراني المتداعي الذي يرزح تحت عقوبات اقتصادية ومالية قاسية.

فهل وصل الإفلاس لدى نصرالله إلى درجة تجعله ينكر الجغرافيا ويزوّر التاريخ ووقائعه الدامغة، وهل وصل به الأمر إلى درجة تجعله يقول إن المقاومة العراقية هي من صناعة إيران وجنرالها قاسم سليماني؟.

ثم هل إن مسرح عمليات مقاومة نصر الله العراقية، كان في الفلوجة وخان ضاري والرمادي والرطبة وعانة وراوة والبغدادي وحديثة والقائم. أم في الموصل وكل محافظة نينوى وصولا إلى مضارب شمر في ربيعة المحاذية للحدود مع سوريا. أم في تكريت وبيجي والدور ومكيشيفة وذراع دجلة وكل محافظة صلاح الدين. أم أنها في المشاهدة والتاجي والأعظمية وحزام بغداد وسامراء. أم أنها في بعقوبة والخالص وخانقين وكل محافظة ديالى. أم في الفرات الأوسط وبابل، أم في.. فعن أي مقاومة عراقية يتحدث حسن نصرالله الذي يريد أن يصادر كل فعل مقاوم وينسبه لقاسم سليماني بهدف تطويبه قائدا لحركات المقاومة وملهمها ومخططها من جهة، وتحقيره لكل من لا يواليهما من جهة أخرى.

ونحن إذ نطرح هذه الأسئلة الاستنكارية لفعلة نصرالله، فذلك بالنظر إلى تجربتنا الخاصة والشخصية بوصفنا أحد الإعلاميين الشهود على احتلال العراق وغزوه، وأيضا على انطلاق مقاومته اعتبارا من العملية الأولى التي استهدفت القوات الأميركية في مبنى وزارة الزراعة في بغداد بتاريخ 12 نيسان 2003، ويومها وصف الإعلام الإيراني والمتأيرن العملية بأنها رصاصات يائسة لنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ما أقدم عليه نصرالله من اعتداء على المقاومة العراقية، يشكل إهانة لتاريخ العراق، ولأهل المقاومة وأبنايها الحقيقيين منذ مقتل “ليشمن” على أيدي ثورة العشرين إلى كتائب ثورة العشرين بعد 2003، وليس لأولئك المزيفين الذين أراد نصرالله تنصيبهم على سدة المقاومة، بعدما دلفوا إلى العراق على متن دبابات الاحتلال واشتغلوا كمخبرين غير سريين لصالح قوات الاحتلال، وهذا لا ينفي بتاتا وجود عمليات مقاومة لأبناء الشيعة في بعض مدن الجنوب العراقي، انما هوية أصحاب تلك العمليات عراقية عربية معروفة، وهم أنفسهم اليوم في ثورة تشرين العراقية ممن يتصدون لهيمنة إيران وكوابيسها في العراق وعبره.

لقد هرب نصرالله وتهرّب من تسمية فصيل واحد بحجة عدم نسيان البقية، والحقيقة أنه لا يوجد فصيل حقيقي واحد يمكن أن يسميه نصرالله، والحقيقة أيضا أنه على فصائل المقاومة العراقية يقع عاتق الرد، حتى لا يُعتبر صمتها تسليما بمصادرة نصرالله لها.

فأثناء تغطيتنا لغزو العراق واحتلاله طيلة عام 2003، ومن ثم متابعتنا الإعلامية اللصيقة لملف العراق لغاية عام 2010 كان يردنا عشرات العمليات وكنّا نبثها خلافا لادعاءات نصرالله. وقد حصل امتناعنا عن بثّ عمليات للمرة الثانية لأنها وردتنا باسم فصيل آخر. وبعد التدقيق بها اكتشفنا أن بعض “فصائل نصرالله العراقية” كانت تشتري بعض فيديوهات العمليات من بعض الفصائل وتقوم بلصق شعاراتها وأدبياتها بهدف بثّها كعمليات منسوبة إليها، لتقوم قناة المنار وبعض الإعلام المتأيرن ببثها مرفقة بديباجة عن مقاطعة الفضائيات العربية للمقاومة. أي المقاومة المتأيرنة المزيفة.

لكن وبعيدا عن شراء أفلام المقاومة العراقية ومن ثم تغيير أصلها وفصلها وحسبها ونسبها، لماذا غيّب السيد نصرالله قصدا، لقاءاته مع المقاومة العراقية الحقيقية ورموزها وقادتها ولم يذكر أسماءهم، وهنا نجد أنفسنا مضطرين أن نورد غيض بعض تلك الأسماء والتواريخ الدالة:

ففي عام 2004 وبطلب وترتيب من الرئيس السوري بشار الأسد التقى الشيخ حارث الضاري على رأس وفد من هيئة العلماء المسلمين في العراق السيد نصرالله بحضور وكيله في العراق محمد كوثراني. وكان هدف اللقاء ورسالته من وجهة نظر الضاري كما أبلغني بها في حينه، “أن حزب الله وشيعة لبنان، مع المقاومة العراقية وسنة العراق، من شأنهم أن يشكلوا نوعا من الوحدة ويمنعوا الفتنة بين الطرفين”. لكن هدف نصرالله الملحاح كان في دفع الضاري إلى زيارة إيران حيث يستقبله قادتها بالسجاد الأحمر. لكن الضاري أبلغ نصرالله بتلبية الزيارة بعد خروج الاحتلال الأميركي وتحرّر العراق من الهيمنة الإيرانية. وللتأكيد على رفضه زيارة إيران، زار الضاري السعودية بدعوة من قيادتها والتقى الملك عبدالله ووزير الدفاع الأمير سلطان ووزير الداخلية الأمير نايف وأمير الرياض الأمير سلمان ورئيس الاستخبارات الأمير مقرن.

وفي عام 2005 التقى وفد من قادة فصائل المقاومة العراقية الحقيقية مع نصرالله، وذلك تزامنا مع ما عرف بحادثة “جسر الأئمة” وبحضور كوثراني. وكان هدف نصرالله دفع قادة المقاومة العراقية لزيارة إيران فقط لا غير، في حين كان هدف وفد المقاومة العراقية إيجاد نوع من التكامل بين المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وبين المقاومة ضد الاحتلال الأميركي. لكن مساعي الطرفين أحبطت، بحيث إن نصرالله يومها فشل في أيرنة المقاومة العراقية، ويحاول أن ينجح بذلك اليوم. وأن المقاومة العراقية فشلت في جعل حزب الله ندا تكامليا لها بعيدا عن إيران في مواجهة الاحتلال الأميركي. مع هذا حرص وفد المقاومة العراقية على القول لحزب الله لاحقا “إن قناة المنار تغطي عملياتنا بشكل يسيء لنا، فالمنار تركز على بعض التداعيات السلبية والأضرار الجانبية للعمليات التي يلحق بعضها الأذى بممتلكات المواطنين دون تركيزها على الخسائر التي تصيب الجنود الأميركيين وآلياتهم”.

وفي عام 2005 هذا، احتاجت إحدى كتائب المقاومة العراقية في بغداد والأنبار لنوع محدّد من السلاح، وتواصلوا مع حزب الله لتأمين هذا السلاح، ودفعوا ثمنه مسبقا. لكن الحزب المقاوم ليس فقط لم يؤمن السلاح، بل إنه لم يرجع ثمن السلاح لأصحابه، وهو أمر علم به نصرالله دون أن يعالجه.

ثم حصل عدوان تموز 2006، ويومها أصدرت هيئة علماء المسلمين بيانا تضامنيا مع لبنان وحزب الله في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لكن قناة المنار وكل إعلام نصرالله لم يبثوا هذا البيان أو ينشروه. كما أن فصيلين من المقاومة العراقية أهديا عمليتين (أسقطوا في الأولى مروحية أميركية، ودمروا في الثانية عجلة هامفي أميركية) لمقاومة حزب الله خلال عدوان تموز، لكن قناة المنار وإعلام نصرالله أيضا امتنعوا عن بث العمليتين.

وبداية عام 2010 انتظم في بيروت “الملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة”، وهو الملتقى الذي ضمّ لأول مرة المقاومات الثلاث، اللبنانية، الفلسطينية والعراقية، وقد تحدث في الملتقى كل من حسن نصرالله عن المقاومة اللبنانية، خالد مشعل عن المقاومة الفلسطينية، أما المقاومة العراقية التي حضر عدد من قادتها المعروفين وغير المعروفين، فقد أجمعوا على تمثيلهم بالشيخ حارث الضاري، ما دفع عمّار الحكيم إلى زيارة بيروت حيث التقى نصرالله وعاتبه على منح الضاري بيروت منصة له ما يشوش على العملية السياسية في العراق. ولدى مغادرة الضاري مطار بيروت تأخرت طائرته أكثر من ساعة تبلّغ خلالها رسالة أمنية مفادها أنه غير مرغوب به في ربوع لبنان.

وبالعودة إلى بيان هيئة علماء المسلمين والعمليتين المذكورتين، فقد كانوا محل معاتبة وانتقاد قاسيين وجههما الشيخ حارث الضاري لوفد من حزب الله ضم كوثراني وحسن حدرج الذي زاره في دمشق بهدف إقناعه بلقاء حسن نصرالله لمرة ثانية، لكن الضاري رفض اللقاء مع نصرالله، وأبلغ موفديه بأن عليكم وعلى نصرالله التكفير طويلا عما فعلتموه ببيروت في 7 أيار المجيد.

إن عدم وجود مشروع عربي حقيقي، يواجه المشروع الإيراني في العراق ويتوازن معه في المنطقة، سمح لإيران وأذرعها في تزوير التاريخ كما والتغول في بلاد العرب. وإذ نسوق ما تقدم، فذلك لتبيان زيف ادعاءات نصرالله التي باتت أشبه بسرقة موصوفة يريد ضخّها في رصيد قاسم سليماني لجعل صورته أيقونة ربما ينافس بها صورة تشي غيفارا العابرة للتيارات والطوائف والقارات. في حين أن صورة سليماني كما صور سادته وقادته يتعرّضون للتمزيق والإحراق والدوس عليها بالنعال، من طهران إلى النجف وبغداد والبصرة وذي قار وبالأمس في الموصل وغزة.

نقلا عن العربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى