نتنياهو يجمد جبهة لبنان تحضيرا لمواجهة إيران
مارك ألموند
أشرقت الشمس فجر الأربعاء الماضي على ضاحية بيروت الجنوبية، كما في باقي الأيام على مدار الشهرين الماضيين، على وقع الانفجارات وأصوات الطلقات النارية، لكنها في هذه المرة كانت مختلفة كونها كانت تبشر بحلول السلام.
وكما في كثير من المرات السابقة فقد قرر مؤيدو “حزب الله” الاحتفال في أعقاب مواجهة وصلت إلى طريق مسدود مع إسرائيل، بغض النظر عما تكبدوه من خسائر، ولعل المشككين لم يخطئوا عندما قالوا إن وقف إطلاق النار الحالي هو مجرد هدنة موقتة، ومع ذلك فإن أمد هذه الهدنة قد يطول إذا ما قرر وكلاء السلطة من الطرفين، ومن يدعمهم خارجياً، أن استمرارها يخدم مصالحهم.
في لبنان وشمال إسرائيل قد يكون تنفس الصعداء مبرراً لدى الناس العاديين، فالاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بالنيابة عن “حزب الله”، يعني أن الجيش الإسرائيلي سينسحب إلى ما وراء الحدود الجنوبية بعد 60 يوماً، بينما يعود مقاتلو “حزب الله” لمناطق خلف نهر الليطاني على مسافة 30 كيلومتراً تقريباً من الحدود الإسرائيلية، وبالتالي تُعتبر هذه النتيجة تعادلاً لا ضربة قاضية.
لقد واصلت إسرائيل شن غاراتها الجوية العنيفة حتى اللحظة الأخيرة، في وقت كان “حزب الله” قد أطلق 250 صاروخاً نحو الأراضي الإسرائيلية قبل ذلك بيوم، وتكبد “حزب الله” ومعه المدنيون اللبنانيون إصابات وأضراراً تزيد بأضعاف تلك التي حاولت الميليشيات المسلحة إلحاقها بالجيش الإسرائيلي والمستوطنين في إسرائيل، لكن أكثر ما يثير قلق إسرائيل اليوم هو أنه على رغم تلك الهجمات المدمرة التي شملت ضربات دقيقة باستخدام الاستخبارات وأجهزة البيجر المفخخة، فضلاً عن غارات صاروخية خارقة للتحصينات بهدف اغتيال قائد “حزب الله” حسن نصرالله، حارب “حزب الله” حتى الرمق الأخير ولم يُهزم، وتشير الترجيحات إلى أن وقف إطلاق النار سيبقى قائماً، أقله في الوقت الراهن، مع أنه من المستبعد أن يحمل في طياته بوادر سلام أكثر شمولاً.
أما بنيامين نتنياهو فبرر قرار إيقاف الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل بالقول إنه كان ضرورياً لإعادة تزويد قواته بالذخائر القادمة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، ليتمكن من تكثيف جهوده للقضاء على “حماس” في قطاع غزة، بل وأوضح أن الهدف من وضع حد للعمليات العسكرية هو أكبر من ذلك، ويتمثل بمواجهة إيران كتهديد إستراتيجي، إلى جانب التصدي لوكلائها في مناطق عدة، بدءاً بسوريا والعراق ومروراً بالضفة الغربية ووصولاً إلى الحوثيين في اليمن.
وما يرجح بقاء “حزب الله” فعلياً خارج أية معارك مستقبلية في الجنوب هو حاجته للتعافي وإعادة ترتيب صفوفه، أكثر من الرهان على قدرة الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) على فرض السيطرة الفعلية على المنطقة.
وقد يشير عجز نتنياهو عن تحقيق الأهداف في غزة حتى اليوم إلى أنه سينقل قوات الجيش الإسرائيلي إلى هناك للقضاء على “حماس” وتحرير ما بقي من الأسرى، مع أنه شدد على أن العدو الأكبر لإسرائيل الآن هو إيران، كما منح الحوثيين ذكراً خاصاً باعتبارهم من الأهداف المستمرة.
ويفيد نتنياهو بأن إسرائيل قد تجاوزت مراراً الخطوط الحمر التي وضعتها دول أخرى، قاصداً بذلك بشكل رئيس تجاهله محاولات الولايات المتحدة ضبط تصرفاته، وعند إعلانه وقف إطلاق النار في لبنان تباهى متحدياً ناقدي تصرفاته عندما قال “أكدوا أننا] لن نعود للقتال بعد وقف إطلاق النار [الذي وضع حداً للعمليات العسكرية ضد “حماس”] لكننا عدنا وبزخم كبير، وسنعود أيضاً للبنان” إن لزم الأمر.
وفي سياق متصل استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية بيروت بثلاث قذائف عملاقة بينما كان جو بايدن يتوجه إلى المراسلين الصحافيين في البيت الأبيض للإعلان عن وقف إطلاق النار، كخاتمة انتصارية لسياسته الرئاسية الخارجية، وكانت التصريحات الصادرة من القدس متناقضة بصورة كبيرة، وللأسف يبدو دور بايدن أقل تأثيراً وهامشياً في سياق الأحداث.
ويأمل بايدن في أن يكون وقف إطلاق النار المعلن في لبنان بمثابة سابقة تمهد لعلاقة جديدة بين إسرائيل وغزة، كما تحدث عن أهمية توسيع نطاق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ومن ثم لفت نتنياهو إلى أن وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية يمهد السبيل لواقع جديد، مؤكداً أن القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي تظل أكثر وقعاً وتأثيراً من مجرد آمال صادقة بعودة الهدوء للمنطقة.
وعلى ما يبدو فإن نتنياهو يراهن في حساباته على أن ترمب، خلال ولايته الرئاسية الثانية، سيمنحه الضوء الأخضر للانقضاض على إيران، وبالتالي مع تهدئة الحرب مع “حزب الله”، بينما تستعد إسرائيل لإظهار قوتها الفعلية ضد إيران، فإن هدنة الـ 60 يوماً لن تكون إرثاً من بايدن بقدر ما تمثل ورقة نعي لعهده.
وفي موازاة ذلك أعلن دونالد ترمب أن وقف إطلاق النار هو بمثابة “تأثير ترمب: السلام باستخدام القوة”، والاحتمال قائم بأن يكون الرئيس المنتخب قد تدخل لإقناع إسرائيل بالحد من خسائرها في لبنان، إذ أبدى “حزب الله” استعداده لشراء الوقت عبر الموافقة على وقف إطلاق النار الذي يمنحه فرصة لإعادة بناء قدراته وتنظيمها، فيما تحظى إسرائيل بالوقت الضروري لإعادة رسم الخريطة في الجنوب.
ويبقى السؤال: هل يتدخل ترمب وفريقه الداعم للتصعيد للضغط من أجل اتفاق سلام لم يتمكن بايدن من تحقيقه؟ أم يجمع نتنياهو بين الضربات العسكرية القوية ضد أعداء إسرائيل وبين الخطاب عن تحقيق السلام على طريقة ترمب باستخدام القوة؟
من المتوقع أن يتبع نتنياهو إستراتيجياته المعتادة، إذ يلعب على وتر الغطرسة عند الرئيس الجديد، بينما يتركه يتحمل المسؤولية عن أي فشل في تنفيذ الخطط القائمة، وختاماً لا يتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي سلاماً دائماً حتى في حال تحقيق أي انتصار، أما ترمب فيسعى إلى أن يكون صانع سلام من غزة إلى أوكرانيا، وبالتالي فإن التوترات والمنافسات بين صاحب البيت الأبيض الجديد، المنشغل “بتنظيف الساحة”، وبين المحارب المخضرم في القدس، غير مستبعدة أبداً.
نقلا عن اندبندنت عربية