موقع إيران في العلاقات الأميركية – الصينية
هدى رؤوف
قال الرئيس الصيني شي جينبينغ إن بكين ستعزز التعاون مع إيران داخل منظمة “شنغهاي للتعاون” فضلاً عن أطر أخرى، مؤكداً في مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الصين تدعم مسارات التنمية المستقلة لدول الشرق الأوسط.
وتتزايد تعقيدات قضية تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، لا سيما مع تعقد أجواء الحرب في أوكرانيا التي زادت من تعقيد قضية تايوان. فأخيراً هددت الصين بإجراءات تصعيدية بعد زيارة نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأميركي للجزيرة. في حين تشعر بكين بالقلق من أن الحرب في أوكرانيا زادت الدعم الأميركي والدولي لتايوان، إذ أعلن أخيراً مزيداً من التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتايوان، فهل تحاول الصين من جهة أخرى توظيف الورقة الإيرانية للضغط على واشنطن؟
من المؤكد أن العلاقة بين الصين وإيران ليست حديثة النشأة، إذ تجمعهما مصالح اقتصادية تفيد الطرفين. وإن كانت أهم بالنسبة لإيران منذ سنوات طويلة في ظل العقوبات الأممية والأميركية، لكنها تتزايد أهمية في ظل إدارة إبراهيم رئيسي الذي أعلن أن أولويات سياسته الخارجية التوجه شرقاً، بل تحاول إيران تصوير نفسها على أنها ضمن محور الشرق المناهض لهيمنة الغرب على السياسة الدولية. أي أن إيران تحاول الاستفادة من تصاعد التوجه القائم على الدفع نحو نظام دولي جديد وعالم متعدد الأقطاب.
تولي إيران أهمية للعلاقات مع كل من روسيا والصين، فمن جهة روسيا هي عضو دائم في مجلس الأمن، وطرف رئيس في خطة العمل المشتركة، وأيضاً داعم رئيس في الحرب السورية، كما تعتبر روسيا في المقابل أن إيران لاعب مهم في مواجهة التنظيمات المتشددة. وتمتد العلاقات مع روسيا إلى الجوانب الاقتصادية بما يخفف، ولو بدرجة ضئيلة، وطأة انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة وإعادة فرض العقوبات على إيران، فهناك مشروعات مشتركة في مجالات الغاز الطبيعي، والسكك الحديدية، ومحطات الطاقة. وأعلنت روسيا أنها لن تتعاون مع فرض عقوبات أميركية على إيران.
وتعد روسيا المصدر الرئيس للأسلحة التقليدية لإيران، ومورداً رئيساً لتكنولوجيا الصواريخ. على الرغم من أن موسكو التزمت سابقاً جميع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران قبل توقيع خطة العمل المشتركة، وبعد إتمام الاتفاق مع مجموعة “5+1” رفعت روسيا الحظر المفروض على بيع صواريخ “أس- 300″، كما وقعت إيران وروسيا مذكرة تفاهم في شأن التعاون الدفاعي، وقامت الأخيرة ببناء وتزويد الوقود لمفاعل الطاقة النووية المدني الإيراني الوحيد في بوشهر.
في ما يتعلق بالملف السوري، فإن عودة روسيا إلى الشرق الأوسط عززت دور إيران في الحرب السورية ليشمل الدور السياسي، فقد لعبت روسيا دوراً رائداً في “عملية أستانا” التي وصفها بعضهم بأنها مسار بديل لعملية “جنيف” برعاية الولايات المتحدة، التي لا تعتبَر طرفاً في محادثات أستانا، بل روسيا وتركيا وإيران، مما يعد اعترافاً بدور إيران كطرف رئيس في حل الأزمة السورية ودمجها في العلمية السياسية.
لكن هذا التعاون لا يمنع تعارض المصالح بين الطرفين وبروز التوتر من حين لآخر، ويتجلى أهم مؤشرات ذلك في عدم اعتراض روسيا على قيام إسرائيل بضرب القوات الإيرانية داخل سوريا من حين لآخر، ويتوقع أن تمثل عملية إعادة إعمار سوريا بعد الحرب أهم قضايا التنافس والخلاف بين روسيا وإيران للسيطرة على الاقتصاد السوري، لا سيما في مجالات النفط والطاقة والكهرباء والزراعة.
أما الصين، فتمثل أهمية هي الأخرى بالنسبة إلى إيران، إذ إنها عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وضمن الأطراف الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة، كما أنها أكبر مستورد للنفط في إيران، ومصدر مهم لتصدير الأسلحة التقليدية لها، كما ترفض الصين العقوبات التي أعادتها الولايات المتحدة.
أخيراً رفعت الصين وإيران علاقاتهما الثنائية إلى المستوى الاستراتيجي، ووقعتا صفقة تستثمر بموجبها بكين أكثر من 400 مليار دولار في إيران خلال الأعوام الـ25 المقبلة.
وتشير إحصاءات إلى تعزيز التعاون التجاري بين الصين وإيران، إذ ارتفعت الصادرات الإيرانية إلى بكين بنسبة 31 في المئة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2022، لتصل إلى نحو 4.1 مليار دولار. كما زادت الصادرات الصينية إلى إيران بنسبة 16 في المئة لتصل إلى ما يقرب من 4.2 مليار دولار.
وتحاول إيران حالياً الانضمام إلى ما يسمى “تحالف البريكس” الذي يضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا. أي أن الرئيس الإيراني يحاول إنشاء علاقات أوثق مع روسيا والصين، معتبراً أنهما على استعداد لتحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، فالصين تواصل شراء النفط الإيراني على الرغم من العقوبات، وقبلت منظمة “شنغهاي للتعاون” التي تعتبر الصين وروسيا عضوين رئيسين فيها، إيران عضواً دائماً العام الماضي. وهذه العضوية تعزز التعاون الأمني والعسكري مع القوتين العظميين.
يمكن القول إنه على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران مهمة للطرفين، فإن تزايد أهمية العلاقات بينهما على جميع المستويات، في ظل الصعود العالمي للصين والرغبة في تحدي النظام العالمي القائم على الهيمنة الأميركية من جهة، ومحاولة إيران من جهة أخرى تحسين وضعها الإقليمي والدولي والخروج من العزلة الدولية، قد يكون وسيلة لتفادي العقوبات الأميركية وربما احتمالات فشل محاولات إحياء الاتفاق النووي، ومن ثم أصبحت سياسة التوجه شرقاً وإعادة تموضع إيران في منطقة آسيا الوسطى وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا محدد رئيس في سياسة إيران الخارجية.
من جهة أخرى، يعتبر موقع إيران الجغرافي مهماً للصين في ظل مبادرة “الحزام والطريق”، ما يفسر دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط وتقديم تصور للأمن الإقليمي لتخفيف التوترات بين إيران وجيرانها من الدول الخليجية العربية.
لكن في النهاية، لا يعني ذلك أن إيران تتعدى كونها حليفاً صغيراً للصين، فالأخيرة تؤيد عدم امتلاك طهران سلاحاً نووياً، لكنها يمكن أن توظف الملف النووي لصالحها، مثلما حاولت روسيا في بداية الحرب الأوكرانية، أي أن العلاقات بينهما تعتمد على توفير بعض المساحة للمناورات السياسية والدبلوماسية. مما يعني أن العلاقات على الرغم من متانتها فإنها ستظل متغيراً في معادلة علاقة واشنطن ببكين من جهة، وطهران من جهة أخرى، وربما يكون هذا قدر النظام الإيراني الذي اعتمد منذ تأسيسه على الالتفاف على نتائج عدائه مع الولايات المتحدة باللجوء إلى الأطراف الأخرى المنافسة لها.
اندبندنت عربية