أهم الأخبارمقالات

من اليمن إلى المغرب.. لماذا تراكم طهران العداوات؟

في أعقاب لقاء جرى قبل يومين بين وزيري خارجية اليمن أحمد عوض بن مبارك والمغرب ناصر بوريطة، خرج الأخير ليدلي بموقف مغربي لافت، لا بل حاد، من السياسة الإيرانية الخارجية، لا سيما في العالم العربي. واعتبر “أن طهران ترعى الانقسامات في العالم العربي، وأن المغرب يعاني من التدخل الإيراني”، مديناً الميليشيات الحوثية لما تقوم به من أعمال مهددة للأمن والسلم في السعودية واليمن، ومؤكداً أنها تشتغل بأجندة إيرانية. كان هذا الموقف المغربي حاداً، مع أن المملكة المغربية سبق لها أن انحازت إلى جانب الشرعية في اليمن، وأيضاً إلى جانب دول التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية.

ولا يغيب عن البال أن الرباط تتمتع بعلاقات متينة جداً مع مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، وتتقاطع معها في نظرتها الاستراتيجية إلى ما يتعلق بالعلاقات العربية الدولية. وقد كانت الإشارة إلى تدخل إيران في شؤون المغرب دلالة إلى تزايد تدخلاتها دعماً لجبهة “بوليساريو”، وصولاً إلى المساهمة بتسليحها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وتدريب مسلحيها في معسكرات تابعة لـ”حزب الله” في لبنان. هذا التدخل في شؤون المغرب يضاف إلى تدخل الجزائر التي تعتبر الراعي الأساسي لـ”بوليساريو”.

ما تقدم يعتبر مؤشراً بارزاً إلى علاقات إيران السيئة في مجمل العالم العربي. صحيح أن المغرب بعيد من إيران، غير أن الأنشطة الإيرانية المزعزعة لاستقراره والمنطقة عامةً، وعبر جيران المغرب، لا تتوقف منذ أعوام بعيدة. وهي السبب الذي يدفع الرباط إلى اتخاذ موقف عنيف من طهران وسياساتها التدخلية المهددة للاستقرار في العالم العربي، وصولاً إلى المحيط.

في مكان آخر، وفيما تتلاحق الأنباء عن الفشل في تمديد الهدنة في اليمن التي انتهت بالفعل مطلع هذا الشهر، ورفضت ميليشيات الحوثي تمديدها لفترة جديدة، لا يخفي المسؤولون الإيرانيون، وإن مواربة، أن لهم دوراً في عدم تمديد الهدنة، فالمتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني ذكر، في تصريح له قبل يومين، أن إيران “سبق أن أعلنت أن استدامة الهدنة في اليمن رهن برفع العقوبات وإنهاء الحصار”، مضيفاً أن الهدنة ليست إلا مقدمة وخطوة لرفع الحصار، لكنها تمت من دون رفع العقوبات الظالمة”. وقال كنعاني في تصريحه إن “طهران ساعدت في إبرام الهدنة في اليمن، وتدعم تجديدها، ونحثّ الأصدقاء والأطراف على المضي في هذا الطريق، لكن اليمنيين هم الذين يقررون”.

في كلام كنعاني اعتراف غير مباشر بأن طهران هي التي تقف خلف عدم التمديد للهدنة. فمن المعلوم أن إيران هي من الناحية العملية صاحبة القرار النهائي في مسألة الهدنة. وهي التي وقفت خلف امتناع الحوثيين عن رفع الحصار عن مأرب وفتح الطرق، فضلاً عن أنها لم تفعل شيئاً لكي يشارك الحوثيون في محادثات سلام جدية، بعد تبدل القيادة الشرعية اليمنية.

في النهاية، يمسك النظام الإيراني بورقة الحوثيين، لا يبددها تماماً، كما يمسك بورقة “حزب الله” في لبنان، مستخدماً الورقتين في إطار “البازار” مع القوى الدولية. وللدلالة أتى اقتراب الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بعد تلويح “حزب الله” بمهاجمة منشآت الغاز الإسرائيلية في البحر، ليتلازم مع تفاهمات سرية مع الأميركيين حررت بموجبها طهران القرار اللبناني لإتمام اتفاق، وأطلقت سراح سجناء أميركيين، وفي المقابل تحررت بقدرة قادر سبعة مليارات دولار أميركي محتجزة بناءً على نظام العقوبات الأميركية في مصارف كوريا الجنوبية، كما سمح لطهران برفع نسبة تصدير نفطها غير الخاضع للعقوبات من 400 ألف إلى 800 ألف برميل يومياً!

في حالة اليمن، لا تخفى على المراقبين المطالب المتعلقة برفع العقوبات الدولية عن ميليشيا الحوثي، وذلك قبل أن تتقدم خطوة واحدة نحو مفاوضات سلام قبلت بها الشرعية ومن خلفها التحالف العربي بقيادة الرياض، من أجل إنهاء الحرب وتسوية الملف برمّته. فالمشروع الحوثي لم يتغير، إذ إن الهدف لا يزال احتلال كامل اليمن وتحويله إلى قاعدة إيرانية متقدمة في قلب الجزيرة العربية، وعلى خطوط المواصلات البحرية الاستراتيجية التي تتقاطع عند باب المندب.

خلاصة القول أن من يتابع ما يحصل في قلب إيران، في شوارع مئات المدن المشتعلة بنار الاحتجاجات، يتساءل: كيف يصر النظام في طهران على تصدير نفوذه إلى خارج الحدود ومراكمة العداوات في كل اتجاه، فيما هو عاجز عن إقناع شعبه، لا سيما شبابه؟

*نقلا عن  “النهار” 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى