مندوبة «ولاية الفقيه» في البرلمان العربيّ!
اشتهرت نائبة كتلة دولة القانون، في البرلمان العِراقي، حنان فتلاويّ، بمعادلة «7 في 7»، يوم أخذها الحماس وطلبت قتل 7 مِن السنة مقابل 7 مِن الشِّيعة، كان ذلك في أبريل (نيسان) 2014، تزامناً مع فتح أبواب السُّجون، في فترة ولاية نوري المالكي الثَّانيَّة، لقيادات «القاعدة»، وبعدها تمت سيطرة التنظيم الإرهابي «داعش» على الموصل، وفي 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 خرجت علينا فتلاوي نفسها، مِن قاعة مؤتمر البرلمان العربي بالقاهرة تعترض على إدانة القصف الإيراني للأراضي العِراقيّة، وبالتحديد أربيل، وسط دهشة الجميع، هل التي أمامهم ممثلة عن العراق أم عن إيران؟!
كانت حنان فتلاوي في تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا ليس لأحد لومها عليه، سواء كان قناعة أو مصلحة، ففي الغالب كانت الدراسة في كليات معينة، والتعيين يشترط الانتماء للحزب الحاكم، لكن المشكلة بالحماس الطاغيّ، الذي نقلته فتلاوي إلى ما بعد (2003)، بعد الانتماء للكتل الإسلاميَّة، والقرب مِن أمين حزب الدّعوة الإسلاميَّة المالكي.
إذا كان الولاء السَّابق يتطلب الحماس إلى شعار «أمة عربيَّة واحدة ذات رسالة خالدة»، فحماس ما بعد (2003) يتطلب تصعيد الطَّائفيَّة، واعتبار إيران ليست جارة إنما صاحبة الدَّار، والحماس بالدِّفاع عن الطَّائفة، الطَّائفة التي لم تعرفها حنان فتلاوي مِن قِبل، إلا بعد تبدل الأحوال، وإشهار شعار «الحُسين ويزيد»، أو «مختار العصر»، وهو لقب أبرز به الطائفيون نوري المالكي، ولم تعبر فتلاوي عن 7 مواطنين سنة مقابل 7 مواطنين شيعة، بغض النظر عن براءة الأربعة عشر من الطَّرفين، فالنزاع بين جماعات مسلحة، لا بين شيعة وسنة.
لا علاقة لفتلاوي بالطَّائفية ولا الطَّائفة، مثل غيرها تسري الطَّائفية في الدَّم والعصب، ولا علاقة لها بالحِجاب ولا التدين، إنَّما اتخذت كلّ ذلك لمصلحة، فالانتماء للكتل الإسلاميَّة يتطلب التظاهر بالتدين، ومن مقدماته الحِجاب، ويتطلب إعلان موقف طائفيّ، مثلما كان التظاهر بالحماس لحزب البعث تفرضه المصلحة، وهذا ما تلَبسه كثيرون ممن كانوا شعراء وكُتاب في العهد السَّابق، وتبدلت أسماء أولادهم مِن عدي وقصي إلى الحسن والحسين. لهذا لا يُنظر إلى مواقف أمثال حنان فتلاوي إلا بكونها نفاقاً.
لو لم تُعرف فتلاوي أنَّها عراقيَّة، وعضو في البرلمان العِراقي، لقيل إنَّها مندوبة الوفد الإيراني إلى البرلمان العربيّ، ومع ذلك لا نظن أنّ مسؤولاً إيرانياً سيدافع ويذبُ عن بلده مثلما دافعت وذبت عنه فتلاويّ، وأمثالها بالعشرات. لم تكن فتلاوي إسلاميَّة، كي يُقال إنها تعبر عن عقيدتها في الاندماج في نظام الولي الفقيه، ولا نقول إنَّ لإيران فضلاً عليها خلال سنوات المعارضة، فهي لم تكن معارضة، ولا قضت شطراً مِن حياتها بإيران، كي تحاول الوفاء بالدِّين الذي عليها، مثلما هم الإسلاميون كافة، الذين عاشوا وحاربوا في معسكرات إيرانيَّة، والثَّمن هو العراقّ!
كذلك لا علاقة لموقف فتلاوي بالضَّمير، على أنَّها عبرت عن قناعتها، حتَّى ردت هذا الرَّد المخزيّ، فهي تعرف تماماً أنَّ التدخل الإيراني في شؤون العِراق لا تنطبق عليه مقاييس التدخل، الذي يكون برأي أو ضغط أو محاولة فرض موقف، إنَّما عبر التدخل إلى الاحتلال والاستحواذ في الصَّغيرة والكبيرة.
بدأ ذلك متزامناً مع الغزو الأميركيّ، بالتهيؤ لتأسيس ميليشيات، وملاحقة خصوم إيران داخل العِراق كافة، بالقتل والتهديد، فالتدريب الذي كان يقوم به عماد مغنيّة (قُتل 2008) بسوريا، أدخل إلى العراق بإشراف قاسم سليماني (قُتل 2020) مئات الإرهابيين، كان عُذر سوريا في هذا التدريب والتسريب، لمنع أميركا مِن تكرار الغزو العراقي لها، أما المصلحة الإيرانيَّة فهي خلق حالة مِن الإرهاب كي تكون عُذراً بتأسيس حرسها الثَّوري داخل العِراق، والسَّيطرة عليه تماماً، وبالفعل تم ذلك. فما قاله المالكي إنَّه أسس «الحشد» كان صحيحاً، بالتزامن مع هروب قادة «القاعدة» و«داعش» مِن السُّجون العراقيَّة، كتمهيد لاحتلال الموصل، أما عن فتوى الجهاد الكفائي (2014)، فهي اختصت بمَن تجند وقاتل ثم انسحب، ولم يبق مِن الحشد غير الميليشيات الولائيَّة، ورأسها «كتائب حزب الله»، المسؤول عن اغتيالات المتظاهرين ومَن يعارض الاحتلال الإيرانيّ.
ففي وقت سابق، صارت إيران تشرف على تعيين رئيس الوزراء، ولم تكتمل قائمة مجلس الوزراء من دون تمريرها مِن تحت يد محمد الكوثرانيّ، العضو القيادي في «حزب الله» اللّبنانيّ، الذي تولى الملف العراقي لإيران، وإلا ما علاقة «حزب الله» اللبناني أنّ تذهب الكُتل الإسلاميّة لتجتمع تحت إشرافه ببيروت في أكثر مِن مناسبة! وما علاقة إسماعيل قاآني، خليفة سليماني على «فيلق القدس»، كلما ضاق الحال بالفريق الذي يمثل إيران، كالإطار التنسيقيّ، أن يكون أول الحاضرين؟
لا وصف للاحتلال الإيراني أقل مِن أنَّه «حديث خبيث»، حديث لأنه لم يحصل مِن قبل أنْ هيمنت دولة على أخرى مِن دون جنود ولا أموال، بل الجنود والأموال مِن البلد المحتل نفسه، وخبيث لأنّه لا يُقدم نفسه محتلاً، وهذا شأن أمراض خطيرة عُرفت بالخبيثة لعدم الشعور بها إلا عند المنيَّة، وقد وصل العراق إلى مشارف المنية بهذا الاحتلال. تحدث أكثر مِن مسؤول عراقيّ، صعب عليه البقاء داخل العِراق، عن هذا الاحتلال الحديث الخبيث، وعن سطوة نظام الولي الفقيه.
سمعتُ مِن أحمد الجلبي (ت 2015) شخصياً (رمضان 2006) أنَّ سفير إيران ببغداد، قمي، قد اتصل به، وكان حينها أحد المرشحين لرئاسة الوزراء، قائلاً له: «أنت مرفوض، لأنك لست إسلامياً»، وحصل الحال نفسه مع إياد علاويّ. أمَّا وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار (2008 – 2020)، فقد طلب منه وزير النقل الإيراني تنفيذ طلبات لبلاده داخل العراق، ولما سأله الوزير العراقي؛ وما المقابل للعراق؟ قال له بالحرف: «البقاء في منصبك»! لذا تجدون الولي الفقيه علي خامنئي، عندما تفجرت «انتفاضة تشرين» (2018)، وشعارها «نريد وطناً»، خَطب وسماهم العملاء، بمعنى أنّه يرى نفسه سلطان البلاد الحقيقيّ!
هل رأيتم سُلطة تُلغي تأشيرة الدخول من دون العمل بالمثل، هذا ما فعلته الوزارة السابقة للأسف، هذا هو حال العراق مع إيران، أُلغيت التأشيرة على ملايين الإيرانيين، وظلت قائمة على العراقيين، مع دفع الرُّسوم! لقد حصلت إيران في السَّنوات الأخيرة على ما لم تحصل عليه، فميليشياتها أصبحت رسمية، منفصلة عن الجيش العراقيّ، ووصل الحال أنَّ يسافر أنجال قادة «الحشد الشعبي» لشراء أسلحة مِن الخارج، ولا علاقة لذلك بالجيش ولا الحكومة العراقيَّة، وهذا يعبر عن أنَّ إيران جعلت من الحكومة العراقيَّة مجرد أداة العلاقات العامة للشركة الإيرانيَّة التي تُدير العراق.
استُقبلت حنان فتلاوي استقبال الأبطال مِن قبل الإطار الإيراني «التنسيقيّ»، فهي دافعت عن مصالح الإطار، ومصالح الأخير مع إيران، وبهذا لا تحتاج إيران إلى دبلوماسيين يدافعون عنها، إنما جنودها ومجنداتها يقومون بالواجب.
اعترضت فتلاوي أنّ بيان البرلمان ذكر التدخلات كافة، وشخّص التدخل الإيرانيّ، في آخر هجوم مدمر له على أربيل، الذي ترك خسائر بالأرواح والمباني، تحت مبرر ردع إسرائيل! وهنا مع اعترافنا أنَّ الدول تتدخل، صغيرها وكبيرها، وأنَّ تركيا قصفت وأدينت بالاسم عدة مرات. لكن أي دولة مِن دول الجوار تتدخل تدخلاً مفضوحاً كنظام الولي الفقيه، الذي عبّرنا عنه بالاحتلال الحديث الخبيث؟!
– أي دولة لها نحو 70 ميليشيا جاهزة لحرق العراق كإيران، ومِن داخل العراق، الرَّواتب من الخزينة العراقية، والأوامر بيد الولي الفقيه؟
– أي دولة يحضر قائد عسكري منها عند كلّ انتخابات وتشكيل حكومة، كإيران؟!
– أي دولة صرح مسؤولوها بأنَّ بغداد عاصمة إمبراطوريتها مثلما صرح مسؤولون إيرانيين، ولم يرد عليها غير ممثل مرجعيَّة النجف؟
– أي دولة تُجند شباب العراق للقتال بسوريا، ويعودون بتوابيت مع استعراضات للميليشيات؟
– أي دولة رفعت صور قادتها باحتفالات وعلى مؤسسات داخل العِراق كإيران؟!
– أي دولة يُطارد ويغتال مَن يقف ضدها داخل العراق، ويُهدد المتظاهرون داخل العراق كإيران؟ ألم يظهر رجل إيران أبو مهدي المهندس ويقول صراحة: «علينا بالرُّؤوس»؟!
– أي دولة لزعيمها وكلاء، تحت مبرر مكاتب المرجع الخامنئي؟!
– أي دولة فكّت الحصار عليها بأموال العراق كإيران، وعمرت مدنها بأموال العِراق؟
– أي دولة تستدرج إعلامياً لها إلى العراق، وتخطفه مِن مطار النجف، وتعلن إعدامه بطهران خلال أسبوع، ولم يستطع مسؤول عراقي الاعتراض، لأنه وعائلته مهددون بالاغتيال، هذا ما حصل مع الإعلامي الشَّاب روح الله زم (2020)، وكان والده سمَّاه روح الله إعجاباً بالخميني، عند ولادته في عام الثَّورة 1979.
– أي دولة تمنع التحقيق في مقاتل كبرى ومفاسد فظيعة، داخل العِراق، لأنها متورطة فيها، فهل جرى التحقيق في تفجير ضريح العسكريين بسامراء (2006)، الذي انتفعت منه إيران بأن بدأت بتشكيل حرسها الثَّوريّ؟ وهل جرى التحقيق في اغتيال محمد باقر الحكيم (2008)، الذي قُتل معه نحو 100 مصلٍ في الحضرة العلويَّة، والحكيم بعد عبور الحدود لم يعد مرتبطاً بإيران؟
– أي دولة جعلت العراق صوتها في المحافل الدُّوليَّة، مثلما فعلت حنان فتلاويّ؟
هذا غيض مِن فيض، فعلى أيّهن مِن الكبائر تريد فتلاوي، وأتباع إيران مِن الساسة، التستر، بعذر أن الدُّول كافة تتدخل، وتطلب عدم تمييز إيران ببيان إدانة، وهذا ما يُضيع الحقّ؟!
إنَّ للانبطاح والعمالة أشكالاً وأنواعاً، وعلى درجاتٍ، لكنَّ الجميع لم يصل بهم الحال إلى الذَّوبان في المحتل الغاشم، وشعار الذَّوبان رفعه حزب الدَّعوة من بداية الثورة الإيرانيّة، وهي المقولة الأولى لتسليم العراق لإيران «ذوبوا في مرجعية الخميني»، ثم جعل حزب الدَّعوة الشعار «ذوبوا في الإمام الخميني مثلما ذاب هو في الإسلام».
أقول؛ لم تمر بلاد في العالم مثلما يمرّ اليوم به العراق عبر تاريخه، أنّ تمسخ النُّفوس إلى هذا الحد مِن المسخ، وموقف فتلاوي ليس أقل ممن أجاب عندما سئل؛ إذا حصلت حرب بين العراق وإيران مع مَن تقف؟! فقالها بلا تردد؛ أحارب مع إيران، فهي دولة الإسلام والمهدي المنتظر، لكن الاختلاف أنّ معتمر العِمامة كان صاحب عقيدة مرتبطة بولاية الفقيه، أما فتلاوي فموقفها انتهازي، لأنها تحسب حساب المصالح، لا العقائد.
نقلاً عن “الشرق الأوسط”