أهم الأخبارمقالات

معبر التغيير تطورات إيران!

علي حمادة

من يتابع التطور الحاصل على الأرض في إيران لجهة توسع نطاق موجة الاحتجاجات التي تضرب مختلف المدن والمناطق الإيرانية، يكتشف أن الموجة التي تشبه الثورة العارمة المتعددة الوجوه تشرف على إتمام شهرها الثاني والدخول في شهرها الثالث من دون أن تتراجع وتيرة النزول الى الشارع، أو أن يخف مستوى الشجاعة الهائلة التي تواجه فيها أطياف متنوعة من الشعب الإيراني آلة القمع التي يختبئ خلفها النظام المثابر على مواصلة استراتيجية القتل المتوسط الوتيرة، وهدفه في ذلك قمع الثوار بالحديد والنار والدم، وفي الوقت عينه استبدال أسلوب ارتكاب المجازر بالتقسيط بأسلوب ارتكاب مجزرة واحدة وكبيرة لتجميد الشارع الثائر تلافياً لإشعال مزيد من الغضب الشعبي، والظهور بمظهر النظام الدموي الذي يقتل المئات مرة واحدة، وجلّهم من النساء والشباب.

إذن، يتمسك النظام بـ”استراتيجية المجازر المقسطة”. من هنا نسمع كل يوم عن سقوط ما بين خمسة وخمسة وعشرين قتيلاً برصاص فرق “الباسيج” يضاف اليهم عشرات الجرحى، ومثلهم عدد المعتقلين الذين ضاقت بهم السجون في كل مكان. ولا بد من التذكير بأن السجون الإيرانية هي بمثابة غرف انتظار للموت أو أقله للتعذيب الذي يخلف أعطاباً دائمة للضحايا. ومع ذلك يبقى الشارع في عشرات، وأحياناً مئات المدن والبلدات الثائرة، ملكاً للثوار الذين غالباً ما يسيطرون على أقسام رئيسية منها خلال ساعات الليل، فيما هم يواصلون إرهاق قوى الأمن و”الباسيج” من خلال مقارعتهم باللحم الحي والأيدي الحاملة ما تيسر من حجارة!

صحيح أن النظام لا يزال قوياً، لكن الصحيح أيضاً أنه يهتز وهو يواجه أصعب تجربة له منذ 1979. لم يسبق أن اهتز النظام كما هو حاصل الآن. فقد أطاحت موجة الاحتجاجات الحالية التي أميل الى تسميتها ثورة بحاجز الخوف من القمع وأهله. كما أنها حقّرت مقدسات النظام السياسية، وطاولت رموزه وشخصياته المركزية الى حد بعيد، وصولاً الى حد التعبير عن رفض النظام الديني الذي يتخذه أصحابه ذريعة للسيطرة على الشعب، وحشره في سجن كبير تحت حراسة شعارات دينية قروسطية محمولة بالسلاح الفتاك.

لم يسبق للنظام في إيران أن تعرض منذ انتصاره قبل أربعة عقود لهذا الحد من الكراهية والرفض، لا بل اللفظ الشعبي الواسع، والذي يتوسع أكثر يوماً بعد يوم. إنها ظاهرة لافتة تثبت في مكان ما أن الشعب الإيراني هو غير هذه الطغمة العسكرية – الدينية المتحكمة برقاب ملايين الإيرانيين التائقين الى العيش كسائر الشعوب الأخرى بحرية وكرامة. والكرامة التي نتحدث عنها ليست كرامة النظام وشعاراته، بل الكرامة الشخصية التي لا تؤمنها سوى الحرية الشخصية بكل وجوهها.

ما يحصل في إيران تاريخي. إنه حقيقة أول اختبار كبير للشعب في مواجهة النظام الذي لا نستبعد أن يلجأ في لحظة ما الى خيار ارتكاب مجزرة في محاولة منه لقطع هواء الحرية الذي ينتشر أكثر فأكثر. إنه اختبار قد لا يخرج منه الثوار رابحين اليوم، لكن قد يحصل ما ليس في الحسبان فيتشقق النظام ويبدأ الانهيار في لحظة لا يتوقعها أحد. لكن إن لم يسقط النظام، وأميل الى الاعتقاد أن موعد السقوط لم يحن بعد، لكن الإنجاز الكبير يتحقق، لا بل إنه تحقق. لقد زرع قنبلة موقوتة في رحم المجتمع ستنفجر حتماً بوجه النظام، وتسقطه عاجلاً أم آجلاً. إن ما حصل في أقل من ستين يوماً منذ قتل مهسا أميني كبير وعميق، وقد أيقظ شعلة الانتفاضة بوجه نظام “ثيوقراطي” قروسطي لا نعتقد انها ستنطفئ.

بناء على ما تقدم نسأل هل يجوز الرهان على حتمية سقوط النظام في إيران؟ ربما لا، وخصوصاً أننا نعرف أنه لا تزال في جعبته أوراق كثيرة يمكن أن يلعبها قبل أن يخرج من اللعبة. لكن من المهم بالنسبة الى شعوب المنطقة، من العراق الى سوريا ولبنان وصولاً الى غزة واليمن، وربما أبعد من ذلك أن ندرك أن وحده الشعب الإيراني بيده ورقة إسقاط النظام الذي أسسه الإمام الخميني قبل أربعة عقود. فإذا كانت شعوب المنطقة قد عانت الأمرّين من سياسات إيران التوسعية العدوانية، فإن ما عاشه الإيرانيون في العقود الأربعة الأخيرة لأسوأ بكثير. وحدهم الإيرانيون يملكون مفاتيح خلاصهم وخلاص سائر شعوب المنطقة. فنهاية النظام الحالي في إيران قد تكون المدخل الأهم الى التغيير نحو إقليم أكثر أماناً واستقراراً! فلنراقب شعب إيران الشجاع!

نقلا عن النهار 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى