مساعي السّلام السّعودية… هل يناور بوتين؟
رندة تقي الدين
تبعث تصريحات وزيري الخارجية، السعودي الأمير فيصل بن فرحان والروسي سيرغي لافروف، عن جهود السعودية لوقف الحرب في أوكرانيا، على شيء من التفاؤل وإن كان حذراً. هذه التصريحات تذكّر بكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ”النهار العربي” على متن الطائرة العائدة به من الأردن إلى باريس، بعد قمة بغداد 2، إذ قال إنه يعتمد على أصدقائه في الخليج للعمل على إقناع الرئيس الروسي بالتفاوض ووقف الحرب في أوكرانيا، لأن الحرب يجب أن تتوقف يوماً ما “وعلينا أن نحمل بوتين على التفاوض”.
والسعودية تسعى اليوم إلى تحقيق السلام في أوكرانيا، وهي وحدها بإمكانها أن تتحاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن مصالح روسيا عديدة مع السعودية. هناك أولاً شراكة سعودية – روسية في أوبك + لمصلحة روسيا التي، بعد فترة ليست بعيدة، ستشعر بنتائج غزو أوكرانيا على صعيد انخفاض صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا والتخفيضات السعرية التي تعتمدها لبيع نفطها إلى كل من الهند والصين ودول آسيوية أخرى. ولا شك في أن شراكتها مع السعودية في أوبك + قد تفيدها لحماية مستوى الأسعار.
وعلى الصعيد السياسي، قد تدفع عزلة بوتين بعد الغزو إلى قبوله وساطة سعودية. في المقابل، للمملكة علاقة جيدة مع أوكرانيا ورئيسها، إذ قدمت مساعدات مالية قيمة لكييف. كما أن السعودية حليفة استراتيجية للولايات المتحدة ولأوروبا، لا سيما لفرنسا وبريطانيا. ولكن المشكلة هي في تحالف روسيا مع إيران التي تمدها بأسلحة ومسيرات لحربها في أوكرانيا. وإيران تزعزع كذلك استقرار منطقة الخليج واليمن والمشرق، لبنان والعراق وسوريا. فهل يترك بوتين حلفه مع إيران؟ هذا حالياً مستبعد، خصوصاً أن حلم بوتين هو استعادة مناطق أوكرانية يعتبرها روسية. ثم مهما طالت حربه في أوكرانيا هو مصمم على البقاء فيها، لأنه بحسب ما تنقله أوساط عدة مختلفة معارضة لغزوه أوكرانيا، ما زال الرأي العام في روسيا يؤيده، لأن الشعب الروسي يرى فيه رئيساً قوياً يصمد على المستوى العالمي رغم الخسارات الكبرى التي يتكبدها في الحرب التي يسقط فيها آلاف الشباب الروس من دون أن يربحوها.
بوتين يحكم روسيا ويحارب في أوكرانيا كأنه قيصر روسي لا يستشير أحداً، وكثيراً ما يبدل جنرالات جيشه الذين يخططون للمعارك في أوكرانيا. الرئيس الأميركي جو بايدن والقيادات الأوروبية لن يتركوا بوتين ينتصر ويحتل أوكرانيا. والمرحلة المقبلة ستكون لدعم الجيش الأوكراني بالطائرات الحربية الأميركية والأوروبية. فبايدن ليس أوباما الذي ترك بوتين يتوسع بقاعدة في سوريا ويخرق الخطوط الحمر للسلاح الكيماوي السوري. ثم إن أوكرانيا ليست سوريا، فهي على الباب الأوروبي، ولا يمكن ترك بوتين يهيمن على أوروبا.
فواقع الحال أن من مصلحة الغرب أن يدفع ويشجع جهود السعودية من أجل إقناع بوتين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع أوكرانيا، لأن من مصلحة الجميع أن تنتهي هذه الحرب المدمرة لاقتصادات دول كثيرة. إلا أن السؤال هو: هل يستجيب بوتين للمساعي السعودية وهو مقتنع بأنه يستعيد عهد قياصرة الروس عبر دكتاتوريته التي ستخرب بلده إذا استمر على هذا النمط؟ فحربه مكلفة واقتصاد روسيا كان قبل بداية الغزو ضعيفاً. والآن حتى قائد ميليشيا “فاغنر” الروسية ينتقد الجيش الروسي علناً. العقوبات الغربية على روسيا وعلى الأثرياء الروس المقربين من بوتين ستؤثر عاجلاً أو آجلاً في بوتين. ومن مصلحته أن يقبل الوساطة السعودية، لأن المملكة لها مونة على أصدقائها في الغرب، حتى وإن كانت تشوب العلاقات الأميركية السعودية أحياناً برودة، ولكن الآن يبدو أنها إلى تحسن.
المشكلة مع بوتين أنه قد يناور مع الوسيط الصديق، ولكنه في الواقع يريد التفاوض والتحاور فقط مع الرئيس الأميركي. وهو يتمنى أن يتصل بايدن به وهذا لن يحدث ما دامت الحرب مستمرة. حتى أن بوتين تجاهل خطة الصين للسلام في أوكرانيا ولم يتعامل معها. بوتين يعتبر أنه يستعيد عبر حربه في أوكرانيا أيام نفوذ الاتحاد السوفياتي بوجه الأميركي، لذا إيران مهمة بالنسبة إليه، ولكن ذلك لا يمنع أن يناور مع دول مهمة مثل السعودية، لذا فإن الحذر هو عنوان المرحلة.
نقلا عن “النهار العربي”