مساعي التقارب بين طهران والرياض… إرادة حقيقية أم واقع حال؟
جواد ملكشاهي
لا يختلف اثنان بأن العداء العربي – الفارسي ذا الجذور الطائفية يمتد لقرون عديدة، وبالتحديد منذ فتح إيران الساسانية الذي بدأ في عهد الخليفة أبي بكر الصديق (رض) حيث تم فتح بلاد فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في السنة 21 للهجرة، والصراع السعودي – الإيراني هو جزء من ذلك الصراع الطائفي الذي يمتد إلى فترات طويلة وقد اتسم هذا الصراع بالمد والجزر في فترات مختلفة.
بعد تغيير النظام في إيران في عام 1979 اشتدت وتيرة الخلافات بين العالم العربي وطهران وبالأخص مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية التي ترى نفسها راعية لمصالح الدول الخليجية أو بالأحرى قائدها، لذلك منذ قيام الجمهورية الإسلامية ولحد اليوم الخلافات السعودية – الإيرانية على أوجها، حيث أعلنت الدولتان الحرب بالنيابة من خلال أذرعهما في المنطقة التي تمثلها الأحزاب والقوى التي تدور في الفلكين الإيراني والخليجي.
وقامت إيران منذ الأشهر الأولى من انتصار ثورتها بدعم الأحزاب والجماعات الشيعية وحتى السنية المناهضة لدول الخليج وبالمقابل قامت الدول الخليجية وعلى رأسها الرياض بدعم قوى المعارضة الإيرانية في الداخل فضلاً على تشكيل تنظيمات إسلامية سنية في معظم الدول العربية والإسلامية لاحتواء المد الإيراني الذي رفع شعار تصدير الثورة.
ومنذ اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في بداية ثمانينيات القرن الماضي ومن ثم احتلال الكويت من قبل نظام صدام في آب 1990 ومن ثم نهاية حقبة البعث في العراق، اشتد الصراع بين الدولتين وبالأخص بعد الحرب الأهلية في اليمن والعراق وسوريا جراء التدخل الإيراني والسعودي ودعم القوى الموالية لها في تلك الدول التي أدت إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا فضلاً على خسائر مادية كبيرة وتدمير على الأقل أربع دول في المنطقة وهي العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وخلال السنوات الثماني عشرة التي مضت على سقوط نظام البعث في العراق على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة اشتد الصراع والحرب بالنيابة بين الرياض وطهران في معظم مناطق نفوذ الدولتين وبالأخص في العراق ولبنان واليمن وسوريا التي اتخدت طابعاً دموياً وتمكنت طهران من فرض هيمنتها على العراق واليمن بشكل كامل والحفاظ على نظام البعث في سوريا وتقويض التواجد والدور السعودي في العراق واليمن وسوريا.
الهجمات الأخيرة للحوثيين على المنشآت النفطية والمصانع الحيوية السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية أرغمت السعودية على إعادة النظر في حساباتها والسعي لإيجاد نوع من التفاهم على الأقل للحفاظ على ماء وجهها بسبب خسارتها في الاقتتال الداخلي في كل من سوريا واليمن.
وفي المقابل العقوبات الأقتصادية الخانقة التي فرضتها الولايات المتحدة وحليفاتها ضد إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 والتي شلت الاقتصاد الإيراني بالكامل فضلاً على تهاوي عملتها المحلية أمام العملات الأجنبية وبالأخص الدولار الأمريكي وتأخر طهران عن ركب التطور التكنولوجي العالمي وتفاقم الأزمة الداخلية فيها أرغمت طهران على البحث عن مخرج على الأقل في الحرب بالنيابة التي تكلفها مليارات الدولارات.
اما بالنسبة لإقليم كوردستان وتأثيراته على مجمل الأوضاع في المنطقة وبالأخص إيران وتركيا والعراق ومحاولة إيران لفتح معبراً ستراتيجياً فيه للوصول إلى سوريا ولبنان ودور وتأثير أربيل المستقبلي على مشروع طريق الحرير الذي تعمل الصين جاهدة لإحيائه والذي يمر من أراضي الإقليم نحو تركيا ومنها إلى أوروبا، يشكل أهمية قصوى لجميع دول المنطقة وبالأخص إيران، لذلك تسعى كل من إيران والسعودية إلى ايجاد علاقات متوازنة مع أربيل.
الموضوع الآخر الذي يهم البلدين في العراق هو مساعي بعض الأقطاب السنية إلى إنشاء الإقليم السني الذي يقلق إيران بسبب تداعياته على وضعها الداخلي وأوضاع الدول التي تتصارع فيها مع الرياض، السعودية والإمارات وقطر تدعم وبقوة مشروع إنشاء الإقليم السني في المرحلة المقبلة، بغية تقويض الدور الإيراني في المحافظات السنية من خلال إبعاد الحشد الشعبي منها فضلاً على أهمية تلك المحافظات بالنسبة لإيران لاستخدامها منفذاً إلى كل من سوريا ولبنان لدعم القوى الموالية لها والحفاظ على توازن القوى فيها.
الزيارة الحالية التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى كل بغداد وأربيل وبالأخص لقائه أمس مع خميس الخنجر القطب السني الأكثر تأثيراً في العراق نظراً لعلاقاته الوطيدة مع الرياض ومعظم الدول الخليجية يشير إلى أن كل من طهران والرياض يسعيان إلى التقارب بينهما والتفاهم على مناطق الصراع والنفوذ في المنطقة لإعادة ترتيب أوراقهما.
نستخلص من كل تلك المعطيات أن طهران والرياض ليست لديهما إرادة حقيقية لإنهاء الصراع بينهما لكنهما مرغمتان في هذه المرحلة إلى التقارب والتفاهم على مناطق النفوذ والحفاظ على توازن القوى والاستعداد لمرحلة أخرى ربما ستشكل استقراراً نسبياً في المنطقة لكنها لن تكون نهاية للصراع بينهما.
رووداو الكردية