ما تنقصه الثورة في إیران
علاء الدين توران
ما یحدث هذه الأیام في إیران نتیجة لتراکمات أکثر من أربعین عاماً من حکم نظام دیکتاتوري دیني. النظام الذي حرم المواطنین من أدنی حقوقهم المدنیة والشخصیة والاجتماعیة والسیاسیة والإنسانیة. النظام الذي یدعي أنه نظام أسلامي لکنه قتل من المسلمین ـ کما قال سید أحمد غزالی ـ أکبر عدد من المسلمین في التاریخ الحدیث. النظام الذي کان خلال فترة حکمه حائز علي الرقم القیاسي للإعدامات في العالم. وهو الذي صدّر المجازر والحروب والإرهاب إلی مختلف بلدان العالم.
منذ أن بدأت الثورة الجدیدة في إیران قبل أسبوعین جاء العدید من المحسوبین علی النظام داخل إیران لیحذّروا زعماء النظام بمصیر الشاه وأرکان حکمه. مع أنهم یعرفون أن ما فعله نظام الملالي منذ عهد خمیني وحتی الآن لا یمکن مقارنته بما حدث في عهد الشاه من الإعدامات والتعذیب وقتل المواطنین. آیت الله منتظری کتب في رسالة خطاباً لخمیني شرح فیها الجرائم المرتکبة في السجون ضد مجاهدي خلق وأضاف «جرائم وزارة المخابرات وسجونك قد بیّضت وجه الشاه والسافاك. أقول هذا الکلام علی أساس معلومات دقیقة».
لکن نفس هذه المقارنة بین النظامین معناه أنهم یرون السقوط في الأفق المنظور.
الغضب المتراکم یشبه برکاناً بقي صامتاً خلال هذه السنوات الطوال وفي فترة وأخری أن حممه تظهر وأحیاناً تغطي نسبة کبیرة من أرض الوطن، کما حدث في عام 2017 أو 2019. لکن هذه المرّة یبدو أنها مختلفة عن سابقات الانتفاضات. لأن النظام لم یدّخر أي إمکانیة للقمع وللسیطرة علی الوضع لکن فشل. قوات القمع قتلت ما لا یقلّ عن أربعمائة شخص من المنتفضین واعتقلت أکثر من عشرین ألف شخص. مع ذلك نری علی سبیل المثال أن یوم أمس السبت جاء الشباب بعدد غفیر في مختلف المدن الإیرانیة وخاصة في الجامعات إلی الساحة وبشعارات مندّدة بأساس النظام. هذا ما تنقله وسائل الأعلام بشکل واسع، ولا شك أن الاستمراریة معناها أن في التصارع بین الشعب والنظام نشاهد أن الشعب بدأ یتغلّب شیئاً فشیئاً.
لکن هناك ظاهرة مهمة سمعناها وقرأناها یوم أمس والیوم بشأن ما حدث في مدینة زاهدان عاصمة محافظة سیستان وبلوتشستان. یوم الجمعة قوات الأمن فتحت النار علی إخواننا من أهل السنة الذین کانوا یؤدّون صلاة الجمعة في جامع مکكي. في البدایة کان الحدیث یدور عن استشهاد عدد من المواطنین. بعد ذلك أعلن النظام عن مقتل 19 من المصلّین. لكن بمرور الوقت اتضح عن عشرات منهم استشهدوا بفعل نیران الرشاشات بید قوات الحرس.
في الوقت نفسه أعلنت جمیع وکالات ووسائل أنباء النظام أن قائد استخبارات الحرس في المحافظة الذي کان برتبة جنرال (او العقید الذي یمنحونه رتبة لیصبح جنرالاً بعد موته) باسم علي موسوي قتل بید البلوش ردأ علی المجزرة. کما أن نائبه حمید رضا هاشمي الذي کان بنفس الرتبة أیضاً لقي مصرعه بفعل نیران المسلحین البلوش. وهناك اخبار تفید عن مقتل عنصر ثالث من قوات الحرس یوم أمس فی مدینة زاهدان. کما أن البلوش قاموا بإضرام النیران فی العجلات الخاصة بوحدات قوات الأمن. في الوقت نفسه حاولوا السیطرة علی مرکز من قوات الأمن وإضرام النار فیه.
نعرف أن في طهران والمدن الأخری أیضاً تعرّض عشرات من قوات القمع مصرعهم خلال المواجهات مع المواطنین العزّل. وهذا معناه أن شخصاً واحدا من قوات النظام مقابل کل عشرة أشخاص من المتظاهرین.
النظام یحاول أن یقول إن قوات الأمن تعرّضت للهجوم من المتظاهرین وإذا ما قاموا بإطلاق النار علیهم لأنهم کانوا في حالة الدفاع. لکن الواقع یشیر إلی عکس ذلك. وهناك آلاف من المشاهد تثبت هذا الواقع. لکن السئوال الذي یبرز کل یوم أکثر من ذي قبل هو: إلی متى یمکن أن یبقی المتظاهرون والثوار في حالة ضبط النفس. قوات حرس النظام و بأمر من خامنئي قتلت أکثر من ألف وخمسمائة شخص من المتظاهرین العزّل في انتفاضة نوفمبر من العام 2019. یوم أمس أعلنت المحکمة الخاصة بهذه المجازر في حکمها بأن خامنئي وحسن روحاني و إبراهیم رئیسي وآخرین من المسئولین في النظام ارتکبوا جریمة ضد الإنسانیة. فهل یمکن أن یبقی المواطنون دون رد؟ وما ذا تقول القوانین الدولیة والمعاییر القانونیة؟ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان یصرّح في مقدمته أن الهدف من هذا الإعلان العالمي عدم اضطرار المرء إلی «التمرّد علی الاستبداد والظلم». وهذا معناه أي حکم استبدادي ظالم لا ینفّذ معاییر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهناك اضطرار باللجوء إلی التمرّد. ولا شك أن أول حکم في العالم ینطبق علیه هذا المفهوم هو نظام ولایة الفقیه. کما أن کل إنسان تعرّض للضرب والقتل دون حق یستطیع أن یدافع عن نفسه. حق اللجوء إلی العنف ضد الأنظمة الجبّارة نص علیه بیان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا في عام 1789 وکذلك بیان استقلال الولایات المتحدة الأمریکیة في العام 1776. کما نصّ علیه الکثیرون من کبار السیاسیون والقانونیین وکذلك المجموعة الکاثولیکیة وغیرها.
ولا شکك أن استمرار الثورة في إیران واستمرار المجازر والقمع سیئودي بطبیعته إلی هذه النتیجة؛ لکن من المفضّل أن الدول الغربیة والعربیة و کذلك الهیآة الدولیة تعلن اعترافها بحق الدفاع المشروع وحق المقاومة من أجل إسقاط النظام الحاکم في إیران. هذا ما یحتاجه الشعب الإیراني في هذه المرحلة الحرجة وهذا الذي تنقصه الثورة الإیرانیة الجدیدة.
ايلاف