أهم الأخبارمقالات

ماذا فعل المستشار البريطاني تشارلز بلغريف في البحرين؟ (3-7) ‍

 


بقلم: الدكتورة شرف محمد علي المزعل

في دراسة بحثية مهمة للدكتورة شرف محمد علي المزعل، تسلط فيها الضوء على شخصية جدلية مهمة في تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي من طراز مستشار حكومة البحرين تشارلز بلغريف، الذي ترك بصماته في مفاصل البلاد في مستوياتها المختلفة. أكثر من ثلاثين عاما والمستشار يفصل السياسات ويوجهها نحو المصالح البريطانية رغم أنه مستشار لحكومة البحرين، وأن الجيش البريطاني كان يضع على إمارات الخليج بما فيها البحرين حتى الاستقلال عام 1971,
وتضيف المزعل في بحث محكم بعنوان «دور المستشار البريطاني تشارلز بلجريف في تأسيس دولة البحرين الحديثة: دراسة تاريخية (1926 – 1957)» تنشره ” دلمون بوست على سبع حلقات ، بان هذه الاحجية أوقعت المؤرخين في جدل مستمر حول ما إذا كان تشارلز بلجريف يعمل فعلا مستشارا لخدمة حكومة البحرين، ويسعي لتطوير البحرين وتحديثها، ويدرك مكامن الخلل في بعض الدوائر الحكومية، لكنه لم يقدم الحل البديل؛ أم أنه كان يمثل اليد التي كان يستخدمها المستعمر البريطاني للتسلط على الشأن البحريني، وضمان الحفاظ على الخليج العربي، والذي كان بالنسبة لبريطانيا «مصدرا للنفط، وكانت البحرين ذات موقع استراتيجي هام في الهند والشرق وبدونها لا يمكنها القيام بأعمالها ومهماتها؛ فيجب ألاّ تفقدها».
وهنا الحلقة الثالثة
أولا: واقع النفوذ البريطاني في البحرين قبل تعيين بلجريف (1925-1880)
تم تعيين السير تشارلز بلجريف مستشارا لحكومة البحرين في عام 1926، وكان ذلك في عهد الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة (1872-1942)، حاكم البحرين في ذلك الوقت، وقد تزامنت الحقبة التي تم فيها تعيين تشارلز بلجريف مع تعاظم نفوذ الإمبراطورية البريطانية في العالم بوجه عام، وفي منطقة الخليج بوجه خاص. وتعزو الباحثة أسباب السيطرة البريطانية في الخليج العربي إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمنطقة؛ كونها تمثل خط التجارة الأقصر والأكثر أهمية وأمنا من الهند بصفتها سوقا أساسية للمنتجات الإستهلاكية الواردة إلى أوروبا؛ مما دفع البريطانيين إلى المحافظة على سلامة الخليج وحماية التجارة، وكذلك منع الفرس والسعودية من ملء الفراغ الذي سببه انهيار الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى (1918)، وتنمية طريق الخليج بحرا إلى الهند، وضمان الاستقرار الداخلي في المنطقة عن طريق توقيع بريطانيا للاتفاقيات مع المشايخ الخليجية، والهيمنة على القوى المحلية والإقليمية، وبسط سلطتها. وكان هذا هو الحال منذ أواخر القرن السابع عشر؛ حيث وصلت بريطانيا إلى حوض الخليج، وترسّخ الوجود البريطاني في منطقة الخليج العربي في مطلع القرن التاسع عشر.
ولتعزيز سيطرتها على دول الخليج العربي، قامت بريطانيا بتوقيع «معاهدة السلام العامة» مع جميع شيوخ الخليج في عام 1820، والتي كرسّت الوجود البريطاني في الخليج، ثم قامت بتوقيع «المعاهدة المُمانعة الأولى» في عام 1880، مع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الذي حكم البحرين في الفترة (1896 – 1932)، ؛ ذلك أن الدولة العثمانية كانت تعتزم تحويل البحرين إلى مُعتمدية سياسية، فضلاً عن أن البحرين كانت محط اهتمام بعض الدول الأجنبية كمركز تجاري، وهذا ما لا تقبلهُ بريطانيا. وعندما تجدّد النشاط الفارسي والعثماني والفرنسي في البحرين، عقدت بريطانيا «المعاهدة المُمانعة الثانية»، مع حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي في 13 مارس 1892، وتتضمّن نصاً “يحرِّم على شيخ البحرين التنازل عن أيّ جزء من أراضيه لأي دولة أجنبية باستثناء بريطانيا أو عقد أي اتفاقيات أو الدخول في اتصالات مع أي دولة أجنبية عدا بريطانيا”. وبذلك أصبحت البحرين تحت الحماية البريطانية المباشرة؛ مما دفع بريطانيا للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للبحرين. وبحسب ما جاء في المذكرات اليومية لتشارلز بلجريف، فحينما أصبح الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وليا للعهد (1923)، ومن أجل معاونته في أداء عمله الجديد في جعل البحرين مواكبةً لركب الحضارة الجديدة، أعرب عن رغبته في أثناء زيارته لأول مرة لإنجلترا في توظيف شخص إنجليزي كمستشار له، ونظرا لعدم توفّر الشخص المناسب لهذا المنصب، رأى الوكيل السياسي، الميجور كلايف ديليي، أن ينشر إعلانا عن تلك الوظيفة بصحيفة التايمز البريطانية. وفي مكتب الهند بلندن، والذي كان يختصّ بشؤون الخليج، التقى تشارلز بلجريف بالسير آرثر بارثمان، المستشار السياسي لوزير الخارجية البريطانية لشئون الهند، الذي أعرب عن قبوله لبلجريف لشغل منصب مستشار الشيخ حمد، وقد وافق بلجريف على شروط التعيين وأصبح مستشاراً لحاكم البحرين.
ويتضح مما سبق أن تعيين السير تشارلز بلجريف مستشارا لحاكم البحرين جاء نتيجة للتدخل البريطاني في شئون الخليج، والذي حدث في أواخر القرن التاسع عشر، على الرغم من وجودهم السياسي والعسكري قبل ذلك الوقت بفترة طويلة. وكان سبب تدخلهم المباشر هو التنافس البريطاني – البرتغالي على السيادة في المياه الشرقية، ورغبتهم في الحفاظ على الخليج كممر مائي مفتوح لهم، وكأقصر طريق يربط الهند ببريطانيا، وبخاصة بعد احتلال نابليون بونابرت لمصر في صيف عام 1798. ومع أن البريطانيين أقنعوا السيد سعيد البوسعيدي سلطان عُمان (1791 – 1856) بالتحالف عبر الاتفاق معهم، وكان هذا الاتفاق يمثل أول علاقة مباشرة بين السلطة البريطانية ودولة عربية في الخليج بهدف الحد من استشراء نفوذ البرتغاليين والفرنسيين والهولنديين، إلا أنهم سرعان ما تبيّنوا الفوائد التي يمكن أن يجنوها تجاريا وسياسيا بالدخول في اتفاقات ثنائية مع الأنظمة السياسية العربية في منطقة حوض الخليج. ففي العقد الأول والثاني من القرن التاسع عشر، زعمت بريطانيا قيام قبائل القواسم الخليجية بالهجوم على سفنها، واتخذت من ذلك ذريعة لمطاردة القواسم وتهديد من يأويهم، فجهّزت ثلاث حملات عسكرية متعاقبة، تمخّضت في نهاية المطاف عن تحطيم أسطول القواسم في رأس الخيمة، وتوقيع اتفاقية السلام العامة، سابقة الذكر، لعام 1820 بين السلطات البريطانية في فارس ورؤساء القبائل القاطنة على الساحل الشرقي المُطل على الخليج. وقد وقعت البحرين هذه الاتفاقية كدولة مستقلة غير خاضعة لسيطرة أو حماية أي دولة أخرى؛ ذلك أن الشيخ سلمان وأخيه الشيخ عبد الله، أبناء أحمد الفاتح، وجدا أن هذه المعاهدة تخدم أغراضهما في تسيير التجارة في منطقة الخليج.
إن مجمل هذه الأوضاع قد استدعت تدخلا مستمرا من بريطانيا لمنع ضمّ البحرين إلى أيّ دولة أجنبية.
وبعد وفاة الشيخ عبد الله بن احمد الفاتح، أصبح الوضع حرجا نظرا لتوتّر العلاقات السياسية بين البحرين والدول المجاورة، وازدياد مطالبة السعوديين والفرس والأتراك بامتلاك الجزيرة؛ مما أدى إلى زيادة اهتمام بريطانيا وتدخلها بصورة مباشرة في الشئون الداخلية للأرخبيل لإنهاء هذه المشاكل.
وخلال القرن التاسع عشر، وطوال المائة والخمسين عاما التالية، حافظت بريطانيا على الخليج كبحيرة بريطانية. فمع تطوّر وسائل المواصلات، نما نفوذ الإنجليز ومصالحهم باضطراد خلال الأعوام الأولى من القرن العشرين. فعلى أثر احتلال الدولة العثمانية لمنطقة شرق الجزيرة العربية عام 1871، وضع الإنجليز خططهم التي تحول دون امتداد سيطرة الأتراك إلى البحرين. وعلى هذا الأساس، وقع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1932-1869)، في 22 ديسمبر 1880، معاهدة المُمانعة الأولى سالفة البيان مع المقيم البريطاني الكولونيل روس، وعلى أثر ذلك، دخلت البحرين في الحماية البريطانية بشكل رسمي. وفي عام 1892، تواجد الأسطول الأمريكي والياباني في حوض الخليج؛ حيث أن أمريكا كانت قد حصلت على استقلالها من التاج البريطاني عام 1876، وأن ثورة ميجي الإصلاحية قد اندلعت في اليابان عام 1868؛ فاعتقد المقيم البريطاني، الرائد تالبوت، أن نصوص اتفاقية الممانعة الاولى 1880 غير كافية لحماية المصالح البريطانية، فعمدت بريطانيا إلى توقيع معاهدة الممانعة الثانية؛ والتي تنص على التزام حاكم البحرين بعدم تأجير أو بيع أو رهن أو السماح باحتلال أي جزء من أراضيه إلاّ للحكومة البريطانية. وقد وقعت بريطانيا اتفاقيات مماثلة في الوقت نفسه مع شيوخ الإمارات الخليجية الأخرى. كما تعهد الشيخ عيسى بن علي للمقيم البريطاني في الخليج آرثر تريفور بألاّ يقوم هو، ولا يعطي الآخرين الحق، في استغلال موارد البلاد الاقتصادية دون استشارة الوكيل السياسي البريطاني في البحرين، وبدون موافقة الحكومة البريطانية، وكان ذلك في عام 1914.
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، استخدمت بريطانيا الخليج، بموجب الاتفاقيات المُوقعة مع شيوخ الامارات الخليجية، كقاعدة عسكرية للانقضاض على العراق، وقد زادت المطامع البريطانية في الخليج بشكل أكبر وأوسع بعد أن تم اكتشاف النفط في إيران عام 1908. ومن خلال نشاط الوكلاء السياسيين البريطانيين في البحرين، ابتدأ النفوذ البريطاني يقوى شيئا فشيئا في البلاد، وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 حتى كان هذا النفوذ قد وصل إلى التدخل في الشئون الداخلية للإمارة، وأصبح الوكيل السياسي البريطاني هو الحاكم الفعلي. ومنذ عام 1926، أصبح الوكيل السياسي، الضابط البحري الإيرلندي الميجور كلايف ديلي، وكيلا في بوشهر، ولكنه كان مسئول الحكومة الهندية لبريطانيا في كل دول الخليج، ومنها البحرين، حيث ركز في سياساته العامة على ضمان الاستقرار الداخلي لدول الخليج كشرط لنمو التجارة واستخراج النفط.
ويتضح مما تقدّم أعلاه أن قرار تعيين تشارلز بلجريف مستشاراً لحاكم البحرين قد جاء نتيجة للسعي المحموم من جانب بريطانيا لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري في دول الخليج العربي من خلال توقيع المعاهدات والاتفاقيات مع شيوخها، وانتهاج سياسة الأمر الواقع، وإضعاف نفوذ الدول الأجنبية وسلطتها في المنطقة؛ الأمر الذي منح بريطانيا حق التدخل المباشر في الشئون الداخلية لدول الخليج العربي، ومن ضمنها البحرين، ووضعها تحت الحماية العسكرية البريطانية المباشرة.
… يتبع

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى