أهم الأخبارتقارير

مؤسسة القبيلة. المغرب نموذجا

 

مفهوم القبيلة

بقلم الاستاذ:  المهدي  رحالي

مفهوم القبيلة في تعاريفه التقليدية، يدل في الغالب على تكتل عدة افراد، لكل واحد منهم بالضرورة النسب المشترك الخالص أو الشبه خالص، لكن احيانا يكسب الفرد لقب القبيلة بالتقادم، وغالبا ما يجمعهم الامتداد الجغرافي المشترك والمتقارب، مع اقتناعهم بأنهم مكتفون ثقافيا واجتماعيا وقيميا وأيضا لحد بعيد سياسيا.

 حيث يلمس نوع من التعصب يمارس تجاه أي شخص يصنفونه كغريب، كحماية لكل هذه المكتسبات التي يؤرقهم الحفاظ عليها من التبديد أو التمييع أو التلاعب أو جميعهم.

القبيلة، تعميم للأسرة النووية

يقصد هنا بالأسرة النووية تلك الاسرة التي تتكون بشكل حصري من أب وأم وأبناء، دون تماس مكاني مع باقي الأصول والفروع الأخرى للأسرة، فالقبيلة بمنطق علم الرياضيات تعتبر كتعميم للأسرة من ناحية تلقين العادات والتقاليد، من ناحية شحذ السلوك والقيم،  من ناحية التكوين الاجتماعي والحياتي وأيضا من ناحية الرقابة على التوجهات الفكرية والسياسية.

فالقبيلة يمكن القول إنها كل ما يندرج خارج الاسرة النووية من أصول وفروع، وغالبا لا يشكل قرب الأصل والفرع فرق في التعاملات  بالمناسبات، فإذا فهمنا هذا المبدأ سنفهم منطق السلوكيات والظواهر التي تخلق فور التقاء او تقارب فردين من نفس القبيلة، من ترحيب وضيافة وتضامن ومقاسمة للهموم والافراح.

فالفرد يشهر الفرح حيثما وجد من يعينه على إحياء الجو القبلي والجو الوطني، خصوصا خارج الوطن، وغالبا ما يكون الجو القبلي أكثر قيمة للمترعرع فيه، فيحسب بأن الوطن أرسله له سفيرا يجبر حنينه تجاه وطنه وبيئته.

القبيلة والموسم، حج الأجداد وأوصرت الأحفاد.(موسم الشيخ ماء العينين نموذجا)

عندما تلقيت دعوة لحضور بعض الفعاليات الفكرية لموسم الشيخ ماء العينين بتزنيت، كنت أول مرة أرشف عواطف المحبة واستشعر خيوط القوة العلاقات بالقبيلة، التي تشبه بالضبط قوة خيوط بيت العنكبوت في كل شيء، ورغم ذلك لم أجد أي اشكال في الاندماج، فلقد كانت روح القبلية حاضرة بقوة إضافة للرسالة الموسم القائلة كلكم ضيوف عند الشيخ ماء العينين سواء من ابناءه أم لا.

كان الحضور يضم شيوخا وأحفاد من كل ربوع المملكة ومن موريتانيا وأضن حتى من السنيغال ومالي، فكان الكل معتنقا لسيكولوجية اللباس الموحد، الصلاة والتلاوة والذكر الجماعي، مع التفاعل مع كلام البعض بأدعية وأذكار وأشعار تكن كل المودة والمحبة.

كل هذه الفعاليات والسلوكيات كانت تتخللها دفعات من صواني الشاي يعدها أحيانا شاب في مقتبل العمر يحمل هاجس رفعت المقام وسط القبيلة، وأحيانا شيخ أشاب لحيته هم القبيلة.

القبيلة، تجسيد للدولة العلوية

وتعتبر القبيلة أيضا مؤسسة ممثلة للدولة أمام الفرد، فالقبيلة كما هو ملاحظ رافعة مهمة لإنفاذ السياسات العمومية والعامة، وأيضا شريان أساسي للتواصل السياسي بين الفرد والدولة، وأفضل مبدد للتشنجات بينهما، فالمغرب نهج سياسة احتضان اعيان وشيوخ هذه القبائل الباقية على عهد مع العرش العلوي، واجتهد في استقطاب الاعيان والقيادات المغرر بها، وتفنن في تقديم مشروع الحكم الذاتي الذي يوفق بين رغبة القبائل وساكنة الصحراء في الشبه اكتفاء سياسي ورغبة العرش في توحيد مختلف الأقطاب والأقليات تحت لواءه.

فلهذا شهد المغرب دينامية جد مثيرة للاهتمام منذ الاستعمار الاسباني سنة 1884، عدة مراحل سياسية ودبلوماسية وفكرية واجتماعية، بداية من 13 مارس 1895 عند توقيع المعاهدة المغربية – البريطانية التي تنص على أنه لا يمكن لأية قوة أن تدعي حيازة الأقاليم الممتدة بين وادي درعة ورأس بوجدور غير المغرب، إلى حين انبثاق المؤسسة النوعية التي أكدت وكرست مشروعية المملكة في أقاليمها الجنوبية.

 ففي يوم 25 مارس 2006 تم إحداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وهذا كان بمثابة تحصين محكم لكل ما ظفر به المغرب في هذا الملف والذي كان قاعدة لدينامية شهدت نقلة نوعية نشهد عليها اليوم.

القبيلة، القوة الناعمة

إذا ما تأملنا ما قلناه سالفا يتبين لنا القوة الكبيرة للقبيلة، التي تستعملها في الغالب بشكل ناعم وهادئ لا يثير الضجيج والجلبة، فهي أقدم تاريخيا وأقوى نظام من ناحية الكفاءة الاجتماعية والميكروإقتصاد، وأيضا من ناحية سيولة التفاعلات المختلفة، مما يجعلنا نفهم لماذا الانسان منذ بدائيته سعى ورائها وحتى الان لازال يتشبث بها.

 فوجود الفرد وسط قبيلته يجعل قوانين علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي تعمل بأفضل كفاءة يمكن أن تصل لها، نظرا للثقة الكبيرة والإعداد النفسي والاجتماعي من نعومة الاظافر الذي يتلقاه الفرد، والذي يحدد منطق التعامل مع محيطه وبيئته الذي لا يسلم من منطق القبيلة، والذي لا يفارق سلوك الفرد وطريقة تفكيره مهما ابتعد عن هذه البيئة أو حاول التجرد من انتسابه لها.

وهذا ما يفسر الاحترام تجاه شيوخ القبيلة واعيانها الذي يؤول أحيانا للطاعة وقبول التوجيهات ولو على حساب مصالح الفرد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن دون مصادرة عنيفة للحق في اتخاذ قرارات بديهية، فهكذا نظام يكرس للقضاء القبلي والمحلي عبر الاحتكام للشيوخ والاعيان المرجو فيهم العدل والمطلوب منهم الحياد.

 ما يطرح سؤال نجاعة القضاء والمؤسسات الفاصلة في الأقاليم الجنوبية.

القبيلة، الوحدة الاجتماعية والتحالفات السياسية والاقتصادية

ربما لا يسعني البث وإبداء الرأي والملاحظة في الوحدة الاجتماعية والتحالفات السياسية للقبائل المغربية والمغاربية على امتداد التاريخ، كوني لست معاصرا ولا مطلعا على ما يفيد بهذا الخصوص، ونظرا لعدم قدرتي على تحليل الوثائق المؤرشفة نظرا لافتقاري للأدوات العلمية والمنهجية اللازمة وأيضا لعدم توفري على الوقت اللازم، فلا يسعني إلا أن أحلل المنظومة السياسية الحالية تحليلا متواضعا لتثمين ما سلف ذكره وما سيلحق تدوينه.

فعند الامعان ومحاول احاطة الوضع بالصحراء المغربية، فسنلاحظ الطريقة التي أدمجت الكيانات السياسية والمدنية الوطنية نفسها بالصحراء المغربية، عبر استقطاب الشيوخ والاعيان الوطنية بتمكينها من العضويات بالمكاتب الوطنية، والتفويضات والتزكيات بالتنسيقيات والهياكل الترابية الكائنة داخل نفوذ الصحراء المغربية.

وهذا ما مهد أيضا الطريق لجبهة اقتصادية صحراوية مغربية صعب اختراقها وكسرها حتى من الفعاليات المغربية نفسها، والتي خلقت نوعا من الشبه الاكتفاء الذاتي، جعلت مرج الجبهة الجنوبية والشمالية يلتقيان لكن بينهما برزخ لا يبغيان، عززت بسياسات نهجتها الدولة في سياقات مختلفة، من أهمها مثلا: كبح ترويج واستهلاك عناصر ومواد خارج الحدود الجغرافية المخصصة والموجهة لها.

ما يطرح سؤال حول صدى الخطب الملكية في الأقاليم الجنوبية.

القبيلة، سؤال الكفاءة ورهان المواطنة.

سؤال الكفاءة اشكال عالمي في الحقيقة، لكن عناصر اجاباته تتغير من دولة لأخرى، حسب الثقافة والإيديولوجية ومؤشرات الوعي والحضارة والنظام السياسي.

فحسب ما جردناه سابقا ندرك أهمية هذه الاليات التي تتميز بها القبيلة كونها جد ممتازة مادامت استغلت فيما يعزز الإستقرار، لكن ما الضامن لعدم استغلاله ضد الوطن ومصالحه، كأن يكون سلاحا للعدوان أو الابتزاز أو تشكيل لوبيهات تسعى للمصلحة الخاصة، وهذه الأفعال ستكون اقوى من نظيراتها المنبثقة من بيئة لا تعتنق القبلية، والعبرة فيما حدث في سيناء المصرية.

 فهنا نجد احتمال طغيان الولاء القبائلي على روح المواطنة المكرسة لمنطق الولاء للوطن ولتوابثه فقط، وذبح صريح لقانون البقاء للأكفأ، فيجب الوعي بضرورة وضع صمامات امان بين القبيلة و السياسة، وتسليمها جزء مهم من مفاتيح السلطة لمن زكت اهليته الديموقراطية، خصوصا أن المرحلة يجب أن توجه لتمرين النخب السياسية لمشروع الجهوية المتقدمة، بالتالي القبلية يجب ان تكتفي فقط بالرمزية والقيمة الاجتماعية والسوسيو-اقتصادية وبعض السلطات التي لا تنزع للضغط سياسي، ورغم ذلك لا أظن أنه سيكون بالأمر السهل، فأنا أتوقع المواجهة بضغط ليس بالهين.

فما نهج لإقناع ساكنة الصحراء بجدية مقترح الحكم الذاتي ونجاعته، يجب ان يعامل كمرحلة انتقالية انتقلت به الدولة ونجت من شبح الانقسام.

 أما الان فيجب تحييد الحقوق الواجبات عن منطق القبلية، فالمواطنة تقوم على الجدية في الديموقراطية وفي تساوي الافراد امام المؤسسات، رغم أن منطق القبلية قد يكون جد ممتاز إذا ما تم افعامه بروح الديموقراطية.

القبائل في ظل الحكم الذاتي، أصالة الرسالة وحداثة التنظيم

بتركيب ما سبق تركيبه من مفاهيم يتأكد جوهر القبائل في الحفاظ على الرسالة الأصيلة، وبالنظر في واقع الجبهة الصحراوية المغربية يظهر جليا مدى استيعابها لمفهوم الدولة ومدى استعدادها للاندماج فيها والتفاعل ضمنها، ونظرا لخصوصيات الجبهة يتأكد أهمية وواقعية مشروع الحكم الذاتي نظرا لحاجة الصحراء المغربية لتشريعات وسلطات توازن المتغيرات وتشحم دواليب كل المؤسسات والهيئات المعنية، وتستثمر في الثروات القيمية والأخلاقية السائدة بها.

كما أن هذا المقترح ما فتئ يحصد التأييدات والتثمينات من لدن أغلب الهيئات والمؤسسات والمنظمات خصوصا الدولية منها، حيث يعتبر الحكم الذاتي أفضل ما تبنته أكثر من دولة وأكثر من قطب جيوسياسي كان يؤرقه كابوس الانقسام، حيث نضج هذا المقترح بطريقة حكيمة ومتأنية، فيلاحظ انه قد تم تسليح أساسه بمحطات نوعية وتداول مع مختلف الفاعلين الوطنيين والأمميين، ما جعل إعلانه يلقى أرضية دبلوماسية ومنتظم دولي ذو قابلية قوية للدعم وفهم عميق للملف وافاقه، مع تأييد شعبي مهم رغم بعض الحالات المعزولة.

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى