بدر خالد البحر
منذ قرابة الستة عشر عاماً ونحن في صراع داخل صندوق على كل شيء، غير عابئين بما يحاك خارجه، مخاطر حاولنا على مدى عقدين أن نذكر بها الجميع، كالتي مسحتنا من على الخريطة خلال ساعتين فقط، واليوم بعد أن أصبح غسيلنا منشوراً بتفاصيله أمام العالم، صرنا نبدو أكثر هشاشة ليسيل علينا لعاب دول معادية، خصوصاً من لها أذرع على رؤوس الأشهاد بالداخل في مقابل حكومة تتفرج.
إن الصعوبة تكمن في إعادة تذكير من يتمتعون بذاكرة الذبابة، كل خمس ثوان!! ففي الأسبوع الماضي نسي الأغلبية ذكرى الضربة الجوية لتحرير الكويت، ولم نر أي فعاليات حكومية تعيد للأذهان ضرورة اللحمة الوطنية التي ضعفت بعد الغزو، مما جعلنا عرضة لعمليات إرهابية.
إننا نوجه أنظار كل موالٍ أو متعاطف مع إيران للالتفات نحو التجربة العراقية التي أوصلت العراقيين إلى قناعة بتكلفة باهظة ثمنها أرواحهم، بأن تدخلات إيران في أي بلد لا تولد إلا دماراً، كما فعلت بلبنان وسوريا والعراق، وآخرها اليمن! فإيران تطمح بالدرجة الأولى لتوسعة نفوذها الفارسي لتسيطر على الدول وتجعلها أداة على طاولة المفاوضات تساوم بها الدول العظمى كما تفعل الآن في ما يخص برنامجها النووي.
لقد أيقن شيعة العراق بأن النزغ الطائفي المذهبي الذي دسته إيران داخل المجتمع العراقي لم يفرّق بين السنة والشيعة فحسب، بل حتى بين الشيعة أنفسهم، فاستولت على ثروات العراقيين وقرارهم السياسي وتدخلت بالانتخابات من أجل تنصيب الموالين لها في الدولة، ثم صنعت داعش وسلمتهم معسكرات الجيش العراقي في الموصل، لتنشب حرب طائفية جعلت إيران، برأينا، تنجح بإقناع الكثير من شيعة العراق بأن هناك عدواً سنياً تجب مواجهته بالتحالف معها، بينما لم تكن قادرة على إقناعهم بخطر إسرائيل لبعدها الجغرافي، ولكنها استطاعت إقناع الحوثيين بذلك، فوضعوا لافتات عليها تسقط إسرائيل ثم راحوا يقصفون دول الخليج، كان آخرها أبوظبي بالإمارات الشقيقة، وهو ما سيجر وبالاً على اليمن ويفتتها، تماماً كما حدث مع صدام حين رفع شعار تحرير فلسطين وغزا الكويت، فلا هو أسقط إسرائيل، بل دمّر العراق.
وفي لبنان لم تهيمن إيران على الجنوب فحسب، بل على عصب السياسة اللبنانية مستغلة دماء شيعة لبنان لضرب سوريا، كما استفزت إسرائيل عبر حزب الله، فدمرته في 2006 فندم بعد ذلك لاحقاً زعيمهم.
لقد انطلقت ثورة العراقيين ضد إيران بتظاهرة مليونية في أكتوبر 2019 بأغلبية شيعية ساحقة فاقت التسعين في المئة بعنوان «إسقاط النفوذ الإيراني بالعراق»، ولما دخلت مسيرتهم المنطقة الخضراء أطلقت عليها الميليشيات الموالية لإيران الرصاص الحي والقنابل الدخانية السامة والخانقة المحرمة دولياً لتأثيرها المدمر للجهازين التنفسي والعصبي، فقتلت وجرحت الكثيرين، والذين آزرهم الشيعة العراقيون بالخارج كالمشجعين الذين كانوا في مباراة لكرة القدم بين العراق وإيران في الأردن، حين هتفوا بصيحات المتظاهرين «إيران بره بره.. بغداد تبقى حرة»، كمؤشر واضح للصحوة الشيعية.
إن غداً سيصادف ذكرى آثمة لطعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عام 40 هجرياً الموافق 661 ميلادياً، والذي توفي بعدها بثلاثة أيام، وهي ذكرى نأخذ منها العبر، كالاعتدال الذي أختاره العراقيون دعمًا لوحدتهم الوطنية ، وحدة صاروا ينادون بها من داخل الحسينيات في مرثيات وترديدات جماعية رائعة تقشعر لها الأبدان، وفي صوت واحد بعبارات تدعو الشيعة إلى عدم الانخداع للدسائس الخارجية التي شوهت بعض أفكارهم وزادت العداء ، فشكل العراقيون بذلك تحولاً تاريخياً وجبهة وفاق وطني نُبذ منها الموالون والعاملون لمصلحة إيران.
فمن يصدق أننا صرنا اليوم نطالب بتعلم الدروس الوطنية من العراق، حتى لا تتكرر في بلادنا خلية عبدلي أخرى، ولنواجه طهران بتوافق «سني – شيعي» وطني كالذي بدأ الآن بالعراق.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
نقلاً عن صحيفة “القبس”