لماذا أوقف “حزب الله” التصدي للطيران الإسرائيلي الناشط قتلاً وترهيباً وتدميراً؟
فارس خشان
منذ العاشر من حزيران (يونيو) حتى تاريخه، لم يتمكن “حزب الله” من إسقاط أي مسيّرة إسرائيلية واحدة في الأجواء اللبنانية. حتى العاشر من حزيران كانت “المقاومة الإسلامية في لبنان” أعلنت إسقاط خامس مسيّرة إسرائيلية وأصدرت بيانين عن إجبارها سلاح الجو الإسرائيلي على إخلاء مقاتلاته، بعد استهدافها بصواريخ أرض- جو. ونظمت أجهزة الدعاية في “المقاومة” حملة نشطة للغاية تؤكد فيها أنّها “ستحرر” الأجواء اللبنانية بما تملكه من قدرات بشرية وأسلحة متطورة. ولكن، كل هذه المواجهة، عسكريّاً ودعائيّاً، توقفت فجأة، ومن دون أن يقدم “حزب الله” أو إسرائيل أيّ تفسير. فماذا يمكن أن يكون قد حدث؟
بدأ سلاح الجو الإسرائيلي، في الأسابيع الثلاثة الماضية، مخطط ترهيب اللبنانيّين من خلال تنفيذ غارات وهمية على امتداد لبنان. هذا المخطط صادقت عليه القيادة السياسية في إسرائيل، إذ إنّ الهدف منه إبلاغ اللبنانيين في الجزء “الآمن” من البلاد، بالكلفة الغالية لـ”حزب الله” عليهم وعلى استقرارهم وأمانهم ورفاهيتهم، الأمر الذي من شأنه أن يرفع منسوب الضغط على هذا الحزب، من أجل دفعه الى وقف الحرب الحدودية والموافقة على الشروط “التهدوية”. ترافق ذلك مع تكثيف إسرائيل مطاردة قيادات الحزب ومقاتليه من أجل اغتيالهم، بواسطة المسيّرات. في المقابل، وبدل أن يُنشّط “حزب الله” آليات التصدي للطائرات والمسيّرات الإسرائيلية، قلب الصفحة، واختار بديلاً لا يبدو أنّه يزعج إسرائيل “استراتيجيّاً”، وهو توسيع استهدافاته نحو بلدات لم يجر إخلاؤها في شمال إسرائيل.
في المرحلة الفاصلة بين تصدي “حزب الله” بصواريخ أرض- جو للمسيرات والطائرات الإسرائيلية والتوقف عن ذلك، حصلت تطورات عدة: لاحقت إسرائيل حتى عمق البقاع المقاتلين الذين تولوا إطلاق هذه الصواريخ، واستهدفت مخازن كانت تقول إنها تابعة لسلاح الجو في “حزب الله”، ونفّذت سلسلة غارات في سوريا مستهدفة مخازن أسلحة ومقار تدريب وطرق عبور خاصة بـ”حزب الله” والحرس الثوري الإيراني، وتمكنت من القضاء على وسطاء كانوا يشترون أسلحة نوعية للحزب.
لا يوجد دليل على أنّ هذا النهج أدّى الى توقف التصدي للمسيّرات والطائرات الإسرائيلية، ولكن هناك رابط منطقي بين هذا النهج وبين عودة الأجواء اللبنانية ساحة حرة و”بلا كلفة” لسلاح الجو الإسرائيلي.
في هذا الوقت، يبدو واضحاً أنّ ثقة الجيش الإسرائيلي بحصول حالة من التشتت في قوة “حزب الله” آخذة في الإرتفاع. ونقلت صحيفة “معاريف” عن مرجع قيادي في الجيش الإسرائيلي اعتقاده بوجود “تآكل في القدرات العملياتية لحزب الله على مستوى القيادة والسيطرة، إلى جانب تآكل في مستوى مخزون الذخيرة، إذ يجد الحزب صعوبة في ملء ترسانته، وبعضها فارغ”.
وإذا كان لبنان اعتاد أن يتحدث حصراً على ما يسمح “حزب الله” بالحديث عنه، فإنّ اللافت للانتباه أنّ موضوع توقف “حزب الله” عن التصدي لسلاح الجو الإسرائيلي، على أهميّته، قد جرى تغييبه نهائيّاً في إسرائيل. لا الجيش يتحدث عنه ولا وسائل الإعلام.
وإذا ما تمّ تفعيل “نظرية المؤامرة”، في هذا المجال، يمكن الاعتقاد بأنّ هناك ترتيباً قد جرى بين إسرائيل من جهة و”حزب الله” من جهة أخرى، بحيث يتوقف الحزب عن التصدي للمسيّرات الإسرائيلية في مقابل أن تتوقف إسرائيل عن استهداف بعلبك ومحيطها. وبالفعل، ومنذ أوقف الحزب استهداف المسيّرات الإسرائيلية أوقفت إسرائيل غاراتها على منطقة بعلبك. كانت سابقاً قد وضعت معادلة تقوم على أن يتم الرد على استهداف الجولان باستهداف منطقة بعلبك. “حزب الله” لم يتوقف عن استهداف الجولان، ولكن إسرائيل توقفت عن استهداف منطقة بعلبك.
إلى أين يمكن أن يؤدي هذا التطور؟
إعلاميّاً، يعتبر الجيش الإسرائيلي أنّ “تآكل” قوة “حزب الله” من شأنه أن يسهّل ما يسميه “مناورة برية” للجيش الإسرائيلي، داخل لبنان، ولكن، واقعيّاً، فإنّ الإرهاق الذي أصاب الدولة في إسرائيل بما فيها المستوى العسكري، وفي ضوء النتائج الميدانية المحققة، قد يشجع المستوى السياسي على تصعيد “حرب الاستنزاف” والبقاء دون عتبة الحرب الشاملة.
ومهما كانت حقيقة الأسباب التي أوقفت تصدي “حزب الله” للمسيّرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، فمن الواضح أنّها تُخفي حقيقة من اثنتين، أولاهما أنّ إسرائيل قادرة على إيجاد “الدواء” لما تعانيه من علل بالضغط العسكري، وثانيهما أنّ “حزب الله” مستعد لإجراء تسويات من شأنها طمأنة إسرائيل. وفي الحالتين، ينتصر استنتاج واحد، وهو عدم حاجة أي من الطرفين المرهقين لحرب شاملة، من أجل تمكين الوسطاء، عندما تحين الساعة، من تحقيق نتيجة دبلوماسية.
* نقلا عن “النهار العربي”